Ad

تعتبر السنوات الأولى من حياة الفرد من أهم فترات التطور، فالأطفال في تلك المرحلة يصبحون كالإسفنج يمتصون كل شيء من آبائهم، فهم قبلتهم وجهة إتصالهم الوحيدة. وبالتالي فإن أسلوب الأبوة والأمومة والطريقة التي يتفاعل بها الآباء مع الأبناء لها تاثير كبير على أطفالهم. فقد يكون هذا التأثير طويل المدى وقد يكون قصير المدى؛ فهو يؤثر على جميع جوانب الأطفال، من طريقه التفكير حتى طريقه ملابسهم.

في عام 1983، تم توسيع نظرية «ديانا بومريند-Diana Baumrind»، التى طورت ثلاثة أنماط رئيسة للأبوة والأمومة لتصبح أربعة أنماط بواسطة «ماكوبي ومارتن- Maccoby and Martin» وآخرون. فما هما الأربعة أنماط الأساسية في التربية؟ وما هي نتيجة اعتماد كل نمط في التربية؟ وما هو النمط الأمثل؟ وكيف تحدد نمط الأبوة والأمومة المناسب لأطفالك؟

ما هي الأبوة والأمومة؟

تُعرف الأبوة والأمومة على أنها كوكبة من المواقف أو الأنماط للسلطة الأبوية تجاه الطفل والتى تُنقل إليه، مما يخلق السياق العاطفي للتعبير عن سلوك الوالدين. فيُعتقد أنه يوفر المناخ العاطفي للتفاعل بين الوالدين والأطفال، كما أن لها تأثير كبير على نوعية حياة الأسرة.

أهمية الأبوة والأمومة في التربية

إن للآباء والامهات وظيفة يمكن وصفها بأنها الأصعب على الإطلاق، فيُسند إليهم تربية الأبناء ودعمهم، فيمر الشخص خلال فتره نموه بعِدة مراحل وتغيرات، بما في ذلك التغيرات البيولوجية والعاطفية والمعرفية والإجتماعية. فمن الضروري أن يحاول الوالدان تحقيق التوازن في جميع الجوانب. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال معرفة أهم المؤثرات السلوكية إلى جانب بيئة التربية.

كما يتأثر أسلوب التربية بترتيب الطفل، فيتأثر أسلوب الأبوة تجاة الطفل الثانى مثلاً بالتجربة التى مر بها الوالدان أثناء تربيتهم للطفل الأول وهكذا.

وفي بعض الأحيان قد يتعارض كل ذلك مع عوامل أخرى بيولوجية أو بيئية، وبالتالي فإن تحقيق هذا التوازن يمكن أن يُصبح صراعًا للآباء.

نظرية بومريند لأنماط الأبوة والأمومة

في الستينيات ابتكرت عالمة النفس «ديانا بومريند-Diana Baumrind» أربعة أنماط مختلفة من الأبوة والأمومة. بناءًا على الملاحظة والتحليلات، وهم:

نمط الأبوة الموثوقة

نمط الأبوة السُلطوية

نمط الأبوة المُتساهلة

نمط الأبوة الغير مسئولة

وقد صُنفت هذه الأساليب على أساس جانبين أساسيين من جوانب السلوك الأبوي هما: الرقابة الأبوية- Parental Control والدفء الأبوى Parental Warmth. دعنا سريعًا نذكر ما ينطوي عليه المصطلحين:

تشير الرقابة الأبوية إلى الدرجة التي يدير بها الآباء سلوك أطفالهم. بدءًا من التحكم الشديد إلى التراخي، بالإضافة إلى وضع القواعد وتلبية المطالب.

أما عن الدفء الأبوي، فهو يشير إلى الدرجة التي يتقبل بها الآباء سلوك أطفالهم ويستجيبون لها.

1- نمط الأبوة الموثوق

الآباء الموثوقون حازمون مع أطفالهم، لكنهم مانحون جيدون للدفء في نفس الوقت. فالأسلوب الموثوق يعتمد على وضع قواعد معينة للأبناء مع إتاحة الفرصة لهم للمناقشة والاستدلال. فهو اتصال ثنائى الإتجاه.

دائما ما تكون لديهم توقعات عالية من أبناءهم، يشجعونهم على الاستقلال مع الإشارة إلى حدودهم. يستخدم أيضًا هؤلاء الآباء أنظمة المكافآت لتقدير العمل الجيد وتحفيز أطفالهم.

تُظهر الملاحظات أنه عندما يتبنى الوالدان طريقة الأبوة هذه، يكون الطفل قادرًا على التفاوض وإجراء المناقشات بشكل أفضل. ذلك لإنه اعتاد على التعبير عن نفسه أثناء المناقشات مع الوالدين. نظرًا لإن آراءه وأفكاره تؤخذ دائمًا على محمل الجد في المنزل.

فالأطفال الذين يدركون أن آراءهم مهمة وتؤخذ في الاعتبار. يكونون أكثر وعيًا ومسئولية اجتماعيًا؛ مما يعزز ثقة الأبناء بأنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم.

2- نمط الأبوة السلطوي

الآباء الذين يتبنون هذا الأسلوب تجدهم يمارسون سيطرة شديدة على أطفالهم، ولا يمنحون الدفء الكافي. فهم يطورون نظامًا للعقوبات من أجل تصحيح أي سلوك غير مرغوب. عادة ما يرون معاملتهم لأبناءهم على أنها حب قاسي. هذا النمط من الأبوة مُقيد وغالبًا ما يكون إتخاذ القرارات حكرًا على الوالدين فقط دون التشاور مع الأبناء. فلا تُجرى أية مناقشات ولا تتبادل الآراء. قليلا ما تُشَجَّع الأبناء على الاستقلالية. أظهرت الملاحظات أن الأطفال مُتلقيّ ذلك النمط إما يميلون إلى الخضوع والإعتماد على والديهم، أو التمرد إظهار ميولاً عدوانية.

3- نمط الأبوة المتساهلة

يتميز الوالدين الذين يتسمون  بنمط التربية المتساهلة بالدفء الشديد والسلبية. مثل هؤلاء الآباء لا يطلبون الكثير من أطفالهم، يواجهون صعوبة في قول لا لأبناءهم؛ بسبب الخوف من استيائهم. الوالدان غير نشطين في جوانب صنع القرار في حياة أبناءهم؛ وبالتالي يتخذ الأطفال العديد من القرارات المهمة بمفردهم. فهم يقدمون النصيحة فقط لأطفالهم، لكن القرار النهائي يُتخذ في النهاية من قِبل الطفل نفسه. أطفال ذلك النمط من التربية لا يدركون مفهوم العواقب. كما أنهم لم يعتادو على الحرمان، مما يؤدي إلى وجود مشاكل في ضبط النفس لديهم. تتأثر علاقتهم مع أقرانهم الآخرين أيضًا؛ لإنهم يميلون إلى تطوير قضايا الأنا فيظهرون بمظهر الأنانيين.

4- نمط الأبوة المهملة

آباء ذلك النمط ليسوا دافئين وليس لديهم أي مطالب من أبناءهم. هم غير مشاركين في أمور أطفالهم ولا يتفاعلون معهم -إلا إذا لزم الأمر- فهم غير مبالين بمشاعر أو حتى مكان تواجد أطفالهم. يميلون إلى الإنشغال بحياتهم الخاصة أو التركيز على الذات فقط. هؤلاء الآباء لا يأخذون في الاعتبار أفكار وآراء أطفالهم. عادة ما يكون هذا النمط من الأبوة نتيجة استسلام الوالدان أو نتيجة الإحباط أو التعب. يظهر أطفال هذا النمط سلوكيات مثل سلوك أطفال الآباء المتساهلين.

بعض العوامل التي تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع في الأسرة

مدى توافق أسلوب الوالدان في المنزل، إذا كان الوالدان يتبعان أسلوبان مختلفان من الأبوة -على سبيل المثال: يمكن أن تكون الأم متساهلة والأب سُلطويًا. فمن الضروري أن يجد الوالدان طريقة للعمل معًا والتنازل عن الأسلوب الغير مُوفق في مواقف معينة؛ من أجل الحصول على نتيجة إيجابية. فقد يؤدي عدم موافقة كلا الوالدان علانيةً  أثناء إتخاذ القرارات المتعلقة بالطفل إلى نزاع يمكن للطفل الإستفادة منه لحسابه. – على سبيل المثال: إذا قال الأب أنه لا يُسمح لاطفل بالذهاب إلى مكان ما، لكن والدته قالت نعم! سيستمر الطفل في الذهاب إلى المكان الذي منع الأب الذهاب إليه. على الرغم من تحذيره للطفل من ذلك، لإن الطفل يعلم أن الأم ستضمن عدم توقيع العقوبة.

سلوك الطفل نفسه قد يحكم أسلوب الأبوة المُتبع، يؤثر سلوك الطفل أيضًا على أسلوب التربية. على سبيل المثال: قد يؤدي الطفل المتمرد المُتحدي إلى قيام والديه بممارسة سيطرة قُصوى (النمط السُلطوي) من أجل تقويم الطفل، أو إهمال الطفل (النمط الغير مسئول) لمجرد أن الوالدين قد استسلموا وكلْوا. من ناحية أخرى، فإن الطفل الذي لديه دوافع ذاتية ومتعاون، من شأنه أن يدفع والديه إلى استخدام أسلوب تربية أكثر موثوقية وبناء علاقة جيدة مع طفلهم. وهناك بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع مثل قلة النوم، الاجهاد، حالة مزاج الوالدين، مسئوليات الوظيفة، القيود المالية، التوتر، القلق،..

كيف يمكن تحديد أسلوب الأبوة والأمومة الأمثل؟

بينما لا يوجد أسلوب تريية واحد يمكن وصفه بالأمثل أو الأنسب -بناءًا على الأبحاث والتحليلات- يعتقد علماء النفس أن أسلوب الأبوة والأمومة الموثوق هو الأسلوب الأكثر فائدة، فهم يزعمون ان هذا الأسلوب هو الأكثر مرونة ويحقق التوازن الصحيح بين الرقابة ودفء الوالدين. إذ يُظهر الأطفال الذين يخضعون لأسلوب التربية الموثوقة لديهم علاقة صحية مع والديهم حتى بعد أن يصبحوا بالغين. ومع ذلك من المهم أن نفهم أن هناك العديد من العوامل تلعب دورًا فيما يتعلق بتربية الأطفال، على رأسها الإختلافات الثقافية.

ما هي أهمية الخلفية الثقافية في تحديد النمط الأبوي المناسب؟

من الضروري مراعاة التأثيرات الثقافية في الأسرة. فقد لا تكون أساليب الأبوة والأمومة الموثوقة هي الأنسب لتربية الأطفال من خلفيات عرقية واجتماعية واقتصادية مختلفة. فتُشير الأبحاث أن الأساليب الموثوقة تعمل بشكل أفضل مع الأطفال في جميع الطبقات. في حين أنه قد لا يكون الخيار الأنسب للأطفال الناشئين في ظل قيود اجتماعية واقتصادية معينة. فقد وُجد أنه عندما يعيش الطفل في بيئة آمنة، فإن السماح له بقدر من الحرية المرونة سيُبشر بالخير للطفل وسيتبع ذلك نتائج إيجابية. ومع ذلك قد لا يكون هذا الحال بالنسبة للطفل الذي يعيش في بيئة شديدة الخطورة .سيحتاج الطفل الذي يعيش في مثل هذه البيئة درجة أعلى من التحكم – على سبيل المثال: بالنسبة لطفل نشأ في أسرة مكونة من ثلاثة أفراد في أرقى ضواحى لوس أنجلوس- كاليفورنيا. سيحقق أسلوب الأبوة الموثوقة نتائج إيجابية من الطفل، هنا يتمتع الطفل بامتياز عدم التعرض للتحيز العنصري أو الجنساني ويحيا في مكان آمن. بما أن والديه مستقران اقتصاديًا بشكل واضح للعيش في هذا المكان، فلا ضغوط اجتماعية ولا اقتصاديه على الأسرة.

خُذ مثالاً آخر، من ناحية أخرى، فتاة آسيوية صغيرة تنشأ في أسرة متوسطة الحال بلا أب، تخضع للتحيز العنصري والجنساني. تكافح والدتها من الناحية المالية، فتعمل في وظيفتين لتوفير وجبة على المائدة. لن يعمل أسلوب الأبوة الموثوقة هنا، بدلاً من ذلك ستكون هناك حاجة إلى مزيج من أساليب الأبوة الأخرى لتحقيق النجاح.

عادة ما تُستخدم أساليب الأبوة السلطوية من قبل الآباء الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية. على الرغم من أن أسلوب التربية هذا يرتبط بالنتائج الإيجابية المنخفضة، إلا أنه عندما يُطبق من قِبل مجموعات الأقليات مقل العائلات الآسيوية والإفريقية، فإنهم يميلون إلى تحقيق نتائج إيجابية. فإن تحديد أهداف معينة صارمة وحازم يعمل بشكل أفضل لهذه العائلات، ويمكن رؤيته من حيث النجاح الأكاديمي أيضًا -وهو شئ يُقدره الآسيويون جدًا- كما أن هناك شريحة كبيرة جدًا من عائلات الأقليات العرقية تعيش في أحياء خطرة بها العديد من المخاطر التي تُهدد سلامتهم وأمنهم. هذا يتطلب من الآباء وضع قواعد صارمة كتقييد التواجد خارج إطار الجماعة أو المنزل، على الرغم من مقاومة الأطفال لهم، إلا أن هذا هو الخيار الأكثر أمانًا

الخلاصة

يُعد اختيار النمط الأبوي الصحيح أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطور الإيجابي للأبناء. الأبوة والأمومة موضوع مُعقد جدًا وتؤثر عليه عوامل مختلفة، يجب على المرء ألا يتبنى أسلوب الأبوة والأمومة بشكل أعمى لمجرد أن أقرانه يتبعونه، ولا يسعى لإتباع أحدث الإتجاهات. عندما يتعلق الأمر بالتربية، سيأخذ الوالد الجيد في الإعتبار حاجة الطفل والأسرة أثناء إتخاذ القرارات. فلا يوجد أسلوب تربية مثالي يمكن تطبيقه بالتساوي على جميع المواقف والظروف كما لا توجد صيغة مؤكدة للنجاح بل يجب على الوالدين التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للطفل بناءًا على الموقف. في حين أن أسلوب الأبوة الواحد يمكن أن يعمل بشكل مثالي لعائلة واحدة، فقد يلزم مزيج من أساليب الأبوة والأمومة لعائلة أخرى.

المصادر

ncbi

greatschools

melbournechildpsychology

apa

ncbi

springer

Hagar sa'eed
Author: Hagar sa'eed

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس تعليم صحة

User Avatar

Hagar sa'eed


عدد مقالات الكاتب : 46
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *