حقق المهندس ديونيسيوس فلاشوس وفريقه قفزة كبيرة في مجال إعادة تدوير المنسوجات. حيث اكتشفوا عملية كيميائية يمكنها تحويل الأقمشة المهملة إلى وحدات بناء قيمة للمنسوجات الجديدة. وقد تم نشر الدراسة في 3 يوليو في مجلة (Science Advances). وتم إجراء البحث في جامعة ديلاوير في نيوارك.
وتعد صناعة الأزياء واحدة من أهم الملوثات في العالم، حيث يتم إعادة تدوير أقل من 1٪ من المنسوجات. ينتهي الأمر بأغلبية الملابس المهملة إلى حرقها أو إلقائها في مدافن النفايات، مما يساهم في 12.8% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية المنسوبة إلى هذه الصناعة.
محتويات المقال :
السر القذر لصناعة الأزياء
إن صناعة الأزياء تعتبر واحدة من أكبر الملوثات على هذا الكوكب. بدءًا من المبيدات الحشرية المستخدمة في زراعة القطن إلى الألياف الاصطناعية التي ينتهي بها الأمر في محيطاتنا، فإن التأثير البيئي لهذه الصناعة مدمر. في كل عام، ينتهي الأمر بملايين الأطنان من الملابس في موفع دفن النفايات (Landfill). حيث ينتج المواطن الأمريكي العادي حوالي 82 رطلاً من نفايات النسيج سنويًا. لوضع ذلك في الاعتبار، إذا افترضنا أن قطعة ملابس متوسطة تزن حوالي رطل، فهذا يعادل التخلص من حوالي 82 قميصًا أو سروالًا أو فستانًا كل عام.
لكن الأمر يزداد سوءًا. حيث يتطلب إنتاج الملابس الجديدة كميات هائلة من الطاقة والمياه والموارد. حيث تستخدم عملية الصباغة وحدها ما يكفي من الماء لملء 1000 حوض سباحة يوميًا. ودعونا لا ننسى المواد البلاستيكية الدقيقة، وهي ألياف بلاستيكية صغيرة تتساقط من ملابسنا في كل مرة نغسلها. تم العثور على هذه المواد البلاستيكية الدقيقة في كل شيء بدءًا من مياه الصنبور وحتى ملح الطعام. ولا يزال تأثيرها على صحة الإنسان غير معروف إلى حد كبير.
إن مشكلة الهدر في صناعة الأزياء خطيرة للغاية لدرجة أنه أُطلق عليها اسم الموضة السريعة (Fast fashion). إنها دورة من الإنتاج والاستهلاك والتخلص السريع. نحن نشتري الملابس، ونرتديها عدة مرات، ثم نتخلص منها، دون تفكير في كثير من الأحيان. لكن عواقب أفعالنا حقيقية للغاية.
إعادة التدوير الكيميائي
النهج التقليدي لإعادة تدوير المنسوجات، وفصل المواد، له حدوده. عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأقمشة مختلطة المواد، فإن تقنيات إعادة التدوير المستخدمة تكافح لإنتاج مواد عالية الجودة وقابلة لإعادة الاستخدام. وهنا يأتي دور إعادة التدوير الكيميائي، وهو إنجاز علمي يغير قواعد اللعبة ولديه القدرة على إحداث ثورة في صناعة إعادة تدوير المنسوجات.
تتضمن إعادة التدوير الكيميائي تحليل الأقمشة إلى وحدات بنائها الجزيئية، مما يسمح بإنتاج مواد جديدة عالية الجودة. كان الباحثون في هذه الدراسة رائدين في استخدام تحلل السكر بمساعدة الموجات الدقيقة (microwave-assisted glycolysis)، وهو تفاعل كيميائي يمكنه تحطيم سلاسل البوليمر الكبيرة إلى وحدات أصغر، بمساعدة الحرارة ومحفز (catalyst).
تفكيك الأقمشة إلى جزيئات قابلة لإعادة الاستخدام
بالنسبة لنسيج البوليستر النقي، أدى التفاعل إلى تحويل 90% من البوليستر إلى جزيء يسمى (BHET). ويمكن إعادة تدوير هذا الجزيء مباشرة لصناعة المزيد من منسوجات البوليستر. ولكن ما يلفت الانتباه حقًا في عملية تحلل السكر بمساعدة الموجات الدقيقة هو قدرتها على استهداف مواد معينة في القماش. على سبيل المثال، عند معالجة خليط القطن والبوليستر، يقوم التفاعل بتكسير البوليستر مع ترك القطن سليمًا. وهذا يعني أنه يمكن استخلاص القطن وإعادة استخدامه، مما يقلل من النفايات والطلب على المواد الخام الجديدة.
تستغرق العملية بأكملها 15 دقيقة فقط، مما يجعلها فعالة للغاية من حيث التكلفة. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام، مع الأخذ في الاعتبار أن الطرق التقليدية يمكن أن تستغرق أيامًا لتحقيق نفس النتيجة. ولهذا الإنجاز آثار كبيرة على صناعة الأزياء، حيث أصبحت الأقمشة المختلطة هي القاعدة. ومن خلال تحليل هذه المواد المعقدة إلى الأجزاء المكونة لها، يمكننا إنشاء نظام حلقة مغلقة حيث يتم تحويل الملابس القديمة إلى ملابس جديدة. مما يقلل من النفايات والتلوث في هذه العملية.
من المختبر إلى أرض الواقع
تتمتع تقنية إعادة التدوير الكيميائية الثورية بالقدرة على تغيير ممارسات إدارة النفايات في صناعة الأزياء. ومع نجاح الباحثين في توسيع نطاق العملية، ستصبح الآثار هائلة. حيث سنتمكن من إعادة تدوير 88% من الملابس في جميع أنحاء العالم، مما سيقلل من كمية النفايات التي ينتهي بها الأمر في مدافن النفايات والمحيطات. يمكن أن تكون هذه التكنولوجيا المبتكرة هي المفتاح لخلق اقتصاد دائري (Circular economy). حيث لن يُنظر إلى المنسوجات مُجددًا على أن التخلص منها سلوك اقتصادي مفيد، ولكنها ستتحول إلى موارد قيّم يمكن إعادة استخدامه وإعادة تدويرها.
وفي هذا الواقع الجديد، ستكون صناعة الأزياء قادرة على إغلاق حلقة الإنتاج، مما يقلل من التأثير البيئي للأزياء السريعة. وسوف ينخفض الطلب على المواد الخام، وستعتمد الصناعة على الألياف المعاد تدويرها، مما يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة ويحافظ على الموارد الطبيعية. وسيتم تشجيع المستهلكين على إعادة ملابسهم القديمة إلى تجار التجزئة، الذين يقومون بعد ذلك بجمعها ومعالجتها باستخدام تقنية إعادة التدوير الكيميائي.
المصدر
‘Chemical recycling’: 15-minute reaction turns old clothes into useful molecules / nature
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :