Ad

للمرة الأولى منذ أكثر من 17 ألف سنة، تخرج ثلاث نغمات من صدفة بسيطة قام حرفيون من عصور ما قبل التاريخ بتحويلها لآلة موسيقية. حسب علماء الأثار فإنها أقدم بُوق مصنوع من الصدف تم اكتشافه حتى الان. وتبرز أهمية هذه القطعة باعتبارها اكتشافًا فريدًا يعود للعصر الحجري لقديم الأعلى. فكيف عزف البشر الموسيقى قبل 17 الف عام؟

تم اكتشافها لأول مرة في كهف 《مارسولاس- Marsoulas》 الواقع في سفوح جبال 《البرانس- Pyrenees》 الفرنسية. في البداية ظن المكتشفون انها كأس احتفالي للشرب، ولم يلاحظوا عليها أي تعديلات من قبل البشر فتجاهلوها. لكن اكتشافها الثاني قد حصل أثناء جرد المواد التي استخرجت من الحفريات السابقة في الكهف. والتي تم الاحتفاظ بمعظمها في متحف تولوز في فرنسا. فحص العلماء صدفة كبيرة من نوع Charonia lampas  كان قد تم تجاهلها عند اكتشافها سنة 1931 واكتشفوا بعدها نموذجًا لأقدم الآلات الموسيقية في العالم.

الصدفة المكتشفة (مواقع التواصل)

إضغط هنا للإستماع الى الموسيقى التي تخرج عند النفخ في الصدفة

كهف مارسولاس: حقائق سريعة

إن أول أعمال التنقيب في الكهف التي حصلت عام 1931 قام بها هنري برويل وأندريه ليروي جورهان. كان الكهف مليء بصور البشر والخيول والبيسون التي رسمها فنانون من عصور ما قبل التاريخ. ويُعتقد اليوم أن هذه اللوحات عمرها 17000 عام. تم إغلاق كهف مارسولاس في عام 1996 بسبب التخريب والكتابة على الجدران. وأول تأريخ للكهف بواسطة الكاربون 14 تم اجراؤه على قطعة فحم وقطعة من عظم الدب من نفس المستوى الأثري للصدفة. وقد قدم عمرا يقارب 18 ألف سنة وهذا ما يجعل من أداة مارسولاس أقدم آلة نفخ من نوعها.

موسيقى قديمة بعيون حديثة

بعد النظر إلى القطعة بعيون جديدة وباستخدام تقنيات تصوير متطورة. قررت كارول فريتز وزملاؤها في فريق البحث الذي درس الصدفة، أن شاغلي الكهف قد عدلوا على الصدفة بعناية لتركيب قطعة ما على الفم. كما قام هؤلاء الحرفيون القدامى أيضا بإزالة الحواف الخارجية لشفا الصدفة. وزينوا الجزء الخارجي من الصدفة بتصميمات صبغية حمراء . تتناسب مع نمط فن الجدران الموجود داخل كهف مارسولاس.

 إن الفريق البحثي الذي درس الصدفة من المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية CNRS ومتحف وجامعة تولوز وقد نشروا الدراسة في مجلة Science advances.

ولفهم أكبر لهذه الصدفة فإن طولها عند أقسى نقطة يصل الى 31 سم و18 سم في بعدها الأوسع.

استخدم الباحثون تقنيات 《القياس التصويري – Photogrammetry》 لدراسة سطح الصدفة. وقد لاحظوا علامات للون قريب من الأحمر يسمى لون المغرة. هذه العلامات الباهتة على شكل بصمات الأصابع كانت منتشرة على طول الشفة. كما لاحظوا اشارات على أن رأس الصدفة قد أزيل بعناية وبشكل متعمد لإنشاء فتحة ثانية لها. فقد تم كسر طرف القشرة مكونًا فتحة قطرها 3.5 سم. وبما أن هذا الجزء هو الأكثر صلابة في الصدفة فكسره بشكل طبيعي غير مرجح.

ومما لفت انتباه العلماء أيضًا وجود مادة عضوية بنية اللون قد تكون شمعًا أو راتنجًا حول الفتحة في رأس الصدفة. فربما تم استخدامها كمادة لاصقة لوضع أنبوب لحماية الفم أثناء النفخ. 

استخدم الباحثون أيضًا 《التصوير المقطعي المحوسب- Computerised tomography》من أجل تصوير الجزء الداخلي للصدفة. ووجدوا أن فتحتين في الطبقات اللولبية أسفل فم الصدفة مباشرة تم فتحهما بشكل متعمد.

رسم يجسد طريقة النفخ في الصدفة

ليست الآلة الوحيدة

هناك العديد من الأمثلة على آلات النفخ المصنوعة من العظام، لكن صدفة المحارة الموسيقية هذه تعتبر اكتشاف غير عادي من هذه الفترة الزمنية. فيعتبر مؤلفوا الدراسة أنه في جميع أنحاء العالم، كانت أصداف المحار بمثابة آلات موسيقية، وأجهزة اتصال أو إشارات، وأشياء مقدسة أو سحرية حسب كل ثقافة. فأعمال الحفر السابقة قد وثقت وجود مزامير وصفارات مصنوعة من العظام في المواقع الاثرية التي تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى. لكن الأدوات الموسيقية المصنوعة من أدوات غير العظام مثل هذه الصدفة غير موجودة.

موسيقى على الجدران

يبدو أن صدفة المحارة قد زُينت بنفس طريقة تزيين الكهف حيث تم العثور عليها. يوجد على الصدفة صبغة حمراء غير مرئية للعين المجردة كما أن السطح الداخلي لفم الصدفة المفتوح على نطاق واسع وبه علامات حمراء. ويقول جيل توسيلو، عالم ما قبل التاريخ إنها تذكرنا بالنقاط الحمراء التي تم رسمها بأطراف الأصابع على جدران الكهف.

استخدم رسامو الجداريات في كهف مارسولا هذه التنقية ببصمات الأصابع لإنشاء صور لحيوانات مثل البيسون. وهذا ما يؤسس علاقة رمزية قوية بين رسومات الكهوف والموسيقى.

هذه الأنماط، على الكهف وعلى الصدفة كانت مصنوعة من صبغة أكسيد الحديد (المغرة الحمراء)، وكانت تأخذ شكل بصمات الأصابع.

الموسيقى أزلية

لفهم أكبر لطريقة عمل هذه الصدفة استعان الباحثون بعالم موسيقى متخصص في آلات النفخ. والذي عزف على الآلة الموسيقية في استوديو تسجيل. مع حماية قطعة الفم الخاصة بالصدفة لتجنب تلفها. قام عالم الموسيقى بنفخ الهواء من خلال الصدفة بطريقة مشابهة لعزف البوق، مما سمح للصدفة بالاهتزازعند رنينها الطبيعي واخراج النغمات. تم تسجيل ثلاث نغمات مميزة، والتي كانت مشابهة للنغمات الحديثة C و D و C الحادة.

وقالت كارول فريتز ، كبيرة علماء المركز الوطني للبحث العلمي في فريق المشروع أن صوت هذا الصدفة هو رابط مباشر مع شعب 《مجدلين – Magdalena》 الذي كان يسكن المنطقة  

لم يخاطر العلماء في العزف طويلًا على الآلة حسبما يوضح فيليب والتر، كبير علماء الأبحاث في CNRS كان الأمر مجرد اختبار وقررنا عدم الأستمرار في العزف عليها.

إن العلماء المشاركون في الدراسة مقتنعون بأن هذه الصدفة هي آلة موسيقية. فالبحث الذي أجروه على اللوحة والأصباغ الموجودة داخل القشرة قادهم إلى الاعتقاد بأن هذه ، ربما ، تكون أداة وربما كانت تستخدم في عزف الموسيقى.

إن الآلات مثل الطبول أو الخشخيشات المصنوعة من مواد قابلة للتلف مثل الجلد أو الخشب لن تبقى في السجل الأثري طويلًا. وهذا هو السبب في أن أقدم الآلات الباقية هي مزامير مصنوعة من مواد صلبة مثل العظام والآن أصبح لدينا هذا البوق من الصدف.

نرشح لك أيضًا: كيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

طقوس قديمة

يقول نيكولاس كونارد ، عالم الآثار بجامعة توبنغن في تفسير هذه القطعة أنها استثنائية. تم نقلها على بعد عشرات الكيلومترات من البحر إلى الكهف حيث تم اكتشافها. ويعتقد أنه تم نقلها لسبب ما. وتم تعديلها لسبب ما. ويقول أنه يمكننا أن نكون على يقين من أنه قبل حوالي 18000 عام تم استخدام هذه الصدفة لعزف الموسيقى في الكهوف.

يمكن أن تكون موسيقى العصر الحجري القديم جزءًا من الطقوس أو الاحتفالات المقامة داخل الكهوف. يمكن أن تندمج المشاهد على الجدران المرسومة والموسيقى المقدسة وربما الأدوية النباتية معًا في تجربة قوية مصممة لإيصال الذكريات أو الرسائل الثقافية المهمة.

في الكهوف، غالبًا ما يكون الجو باردًا، وغالبًا ما يكون مظلمًا. هناك بعض الماء الذي يقطر، كما يوجد أصداء للأصوات. سكان الكهوف لديهم مصابيح مصنوعة من الحجر ومع حرق بعض الدهون الحيوانية فيها يخرج منها وميض ودخان. والأن لا ينقص الجو إلا بعض الموسيقى لتكتمل الطقوس السحرية.

المصادر:

Yanal Mokdad
Author: Yanal Mokdad

أحب القراءة والتعلم المستمر، أكتب عن العلوم وأحاول تبسيطها للقراء، لدي إهتمام خاص بأشكال الحياة على الأرض وكيف نشأت وتطورت، أجيد التصميم الغرافيكي وأتعلم البرمجة ذاتيًا.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ آثار

User Avatar

Yanal Mokdad

أحب القراءة والتعلم المستمر، أكتب عن العلوم وأحاول تبسيطها للقراء، لدي إهتمام خاص بأشكال الحياة على الأرض وكيف نشأت وتطورت، أجيد التصميم الغرافيكي وأتعلم البرمجة ذاتيًا.


عدد مقالات الكاتب : 21
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *