Ad

في مشهد عالمي يتسم بالتغيرات المتسارعة والتحولات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى، يبرز العلم والتكنولوجيا والابتكار (STI) كركائز أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي الشامل. تأتي مشاركة مصر، ممثلة في أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، بفعالية في الاجتماع السنوي لقادة أكاديميات العلوم بدول البريكس، والذي عُقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل يومي 23 و24 يوليو 2025، لتؤكد ريادتها العلمية المتنامية ضمن دول الجنوب العالمي. هذا الاجتماع، الذي انعقد تحت شعار “تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي لتحقيق نمو شامل ومستدام”، يمثل خطوة استراتيجية نحو تعميق التعاون العلمي والتكنولوجي، وهو ما يعكس التوجه المصري نحو تعزيز شراكاتها الدولية لتحقيق أهداف التنمية.
ترأست الوفد المصري الدكتورة جينا سامي الفقي، القائم بأعمال رئيس الأكاديمية، رفقة الدكتورة رنا رفاعي، مسئولة العلاقات الدولية. وشهد الاجتماع حضورًا رفيع المستوى من قادة وممثلي أكاديميات العلوم في دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، إضافة إلى ماليزيا كضيف شرف. ناقش المشاركون سبل تعزيز التعاون العلمي لمواجهة التحديات العالمية الملحة مثل تغيّر المناخ، وأمن الطاقة، ومعالجة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، مع إيلاء اهتمام خاص لدمج المعارف التقليدية بالعلوم الحديثة وتطوير حلول مستدامة.
لم تكتفِ مصر بالمشاركة، بل قدمت مبادرات طموحة عكست رؤيتها المستقبلية، شملت اقتراح وضع إطار عمل مشترك للتعاون العلمي بين دول البريكس مدعوم بآليات تمويل مستدامة، وإطلاق ما يُعرف بـ “جواز السفر العلمي” لتيسير وصول الباحثين إلى البنية التحتية البحثية المتقدمة، وتأسيس حاضنات تكنولوجية ومنصات لتبادل براءات الاختراع. كما دعت إلى إنشاء صندوق استثماري علمي ومرصد للابتكار لدعم السياسات المبنية على الأدلة. هذه المبادرات تؤكد التزام مصر بالعمل المشترك والدفع نحو شراكات أكثر عمقًا وفاعلية، وتجسد حرصها على لعب دور محوري في صياغة مشهد الابتكار العالمي.
الدكتورة جينا سامي الفقي شددت في كلمتها على أن التضامن العلمي بين دول البريكس يُمثل ركيزة أساسية لتحقيق السيادة التكنولوجية والازدهار الجماعي، مؤكدةً استمرار مصر في أداء دورها القيادي في صياغة مشهد الابتكار العالمي من خلال شراكات استراتيجية فاعلة. يُذكر أن هذا الاجتماع يُعد منصة سنوية هامة تُعقد منذ عام 2018 بهدف تنسيق الجهود العلمية والتكنولوجية بين الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، والتي تمثل مجتمعة قرابة 45% من سكان العالم، وأكثر من 30% من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير، مما يبرز الثقل الكبير لهذا التكتل وتأثيره المحتمل على مسار التنمية العالمية.


مصر على عتبة فجر تكنولوجي بالتعاون مع بريكس: بحثنا ينير الدرب
في خضم عالم يشهَد تحولات متسارعة على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي، يتربع العلم والتكنولوجيا والابتكار (Science, Technology, and Innovation – STI) على عرش مقومات التنمية المستدامة وعماد الازدهار الاقتصادي. ضمن هذا المشهد المتغير، تشرق شمس تحالف “بريكس” كقوة عظمى تتجلى معالمها على خريطة النفوذ العالمي، وقد ازداد وهجها بانضمام كوكبة جديدة من الدول مطلع يناير 2024، كان في طليعتها جمهورية مصر العربية. إن هذا الانضمام لم يكن مجرد إحصاء رقمي، بل هو انعطافة استراتيجية فارقة، تتجاوز حدود التوازنات الاقتصادية والسياسية، لتفتح آفاقاً رحبة نحو تعزيز القدرات العلمية والتكنولوجية والإبداعية لمصر، وترسم لها ملامح مستقبل يرتكز على المعرفة والابتكار.
أشارككم بفائق السرور أن بحثنا الثمين، والذي يحمل عنواناً عميق الدلالة: “استكشاف سيناريوهات المستقبل لتعزيز التعاون في العلوم والتكنولوجيا والابتكار بين مصر ودول بريكس“، قد رأى النور مؤخرًا في Journal of Business and Management Sciences (المجلد 13، العدد 3، 2025، الصفحات 59-69). هذا العمل، الذي يلامس روح العصر، يغوص في أعماق الإمكانات التحويلية الكامنة في عضوية مصر الحديثة في بريكس، دافعًا بمسيرة الشراكات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار قُدماً. يُعد هذا البحث نقطة انطلاق هامة لفهم التحديات والفرص التي تنتظر مصر في هذا التحالف (المصدر: Journal of Business and Management Sciences, 2025، رابط البحث: DOI: 10.12691/jbms-13-3-3).
إن نظرتنا المتفحصة لهذا البحث الرصين تكشف لنا عن خارطة طريق لمستقبل هذا التعاون الممتد حتى عام 2040. هذه ليست مجرد أرقام وحقائق مجردة، بل هي نسق من الرؤى والاستنتاجات الجوهرية، تقدم منظوراً علمياً متجذراً حول الدروب التي يجب على مصر أن تسلكها لقطف أقصى الثمار من هذه الشراكة العابرة للزمان والمكان. فمستقبل مصر التكنولوجي، في جوهره، رهين بقدرتها على اغتنام هذه الفرصة السانحة، لا لتكون مجرد مستورد للمعلومات، بل لتغدو شريكاً أصيلاً وفاعلاً في صياغة المعرفة ونقلها وتوطينها.
أفخر أيما فخر بهذا الجهد التعاوني الذي جمع فريقاً دولياً رائعاً، يمثل نخبة من الخبرات من الأكاديمية المصرية للبحث العلمي والتكنولوجيا، وخدمات الابتكار التكنولوجي المستدام في أيرلندا، وجامعة القاهرة، والمركز القومي للبحوث في السودان، وكلية تشيستر للأعمال في المملكة المتحدة، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري. هذا التعاون العابر للقارات، بين باحثين مرموقين أمثال الدكتور محمد رمضان أ. رزق، والدكتور ليوناردو بيتشينيتّي، والدكتورة ناهد سالم، والدكتور محمد محجوب حسن، والدكتور تريفور أويي أومورويي، والدكتور علاء الباري، هو خير دليل على القيمة الفائقة لتوحيد الرؤى والخبرات المتنوعة لمواجهة التحديات العالمية المعقدة.


الثقل الاستراتيجي لتحالف بريكس: قاطرة تقود قاطرة المستقبل
يتجلى تحالف بريكس، الذي يضم الآن كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى الأعضاء الجدد: مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ككيان اقتصادي وجيوسياسي يتعاظم نفوذه يوماً بعد يوم. فقد تجاوز إجمالي الناتج المحلي لهذا التكتل عتبة 30.6 تريليون دولار في عام 2024، متفوقاً بوضوح على معدلات النمو التي تسجلها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7)، وهو ما يشير إلى تحول جذري في موازين القوى الاقتصادية العالمية.

بيد أن الأهم من مجرد النمو الاقتصادي الخام هو ما تمتلكه دول بريكس من قدرات تكنولوجية متنوعة ومتكاملة، تشكل في مجموعها كنزاً معرفياً لا يقدر بثمن:
• الصين: عملاق التكنولوجيا الحديثة، وقاطرة الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence – AI)، والحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وتكنولوجيا الاتصالات المتقدمة (5G/6G)، والطاقة المتجددة (Renewable Energy)، فضلاً عن كونها القلب النابض للصناعات التكنولوجية المتقدمة في العالم.
الهند: مركز عالمي يضج بالحيوية في الصناعات الدوائية، وتكنولوجيا المعلومات (Information Technology – IT)، والتكنولوجيا الحيوية (Biotechnology)، والبحث العلمي في تخصصات لا حصر لها.
• روسيا: رائدة تكنولوجيا الفضاء بامتياز، ومحرك رئيسي في قطاع الطاقة النووية، وعلوم المواد، مع إرث عريق في البحث الأساسي والتطوير الدفاعي.
• البرازيل: قوة صاعدة في مجال الطاقة الحيوية (Bioenergy)، والزراعة الذكية (Smart Agriculture)، وعلوم البيئة، مستفيدة من ثرواتها الطبيعية الوفيرة.
• جنوب أفريقيا: لاعب أساسي على الساحة الأفريقية في ميادين البحث العلمي، لا سيما في علوم الفلك، والطاقة المتجددة، والتعدين.
إن هذا التنوع الثري في الخبرات يمثل مورداً لا ينضب لمصر. فالتعاون مع بريكس يتخطى مجرد استقطاب التمويل أو استيراد المنتجات؛ إنه جوهره يكمن في نقل المعرفة الأصيلة، وبناء القدرات المحلية المستدامة، والمشاركة الفعالة في شبكات البحث والتطوير العالمية. تستطيع مصر، بذكاء وفطنة، أن تستفيد من هذه التخصصات المتباينة لسد الفجوات التكنولوجية التي قد تعترض سبيلها، وتسريع وتيرة الابتكار في القطاعات الحيوية التي تمثل عماد مستقبلها الاقتصادي.


خطوات واعدة على درب طويل ممهد بالآمال
على الرغم من حداثة انضمام مصر الكامل إلى مصاف دول بريكس، فإن الرصيد المتراكم من التعاون العلمي والتكنولوجي بينها وبين بعض أعضاء المجموعة يحمل في طياته بوادر مشرقة. هذه الأسس، وإن كانت واعدة، لا تزال في مراحلها الأولى، ولم تستنفد بعد كامل الإمكانات الكامنة في هذه الشراكة الاستراتيجية:

  1. المشروع النووي الطموح مع روسيا: تقف محطة الضبعة النووية شامخة كشاهد على هذا التعاون الوثيق. فالمشروع، الذي بدأ تشييده في عام 2022، يتوقع أن تبدأ أولى وحداته التشغيل بحلول عام 2030 بطاقة إنتاجية تبلغ 4800 ميجاوات. هذا الصرح، الذي قدرت تكلفته بنحو 25 مليار دولار بتمويل روسي سخي (85%)، يمثل قفزة نوعية لمصر نحو آفاق الطاقة النظيفة، ويستجلب خبرات تكنولوجية متقدمة في إدارة وتطوير البنية التحتية النووية الحساسة صر سات-2″ في عام 2019 وتلاه “مصر سات-A” في عام 2023. هذه المبادرات تعكس اهتماماً مصرياً متنامياً بتكنولوجيا الفضاء وتطبيقاتها الحيوية في مجالات كالتصوير الفضائي ومراقبة الموارد الطبيعية. كما أن إنشاء الجامعة المصرية-الصينية للعلوم والتكنولوجيا يؤسس لرأس مال بشري مؤهل، يشكل عماد هذا التعاون المستقبلي.
  2. الشراكات البحثية والأكاديمية: تشير بيانات قاعدة SCOPUS (2025) إلى وجود حراك بحثي لافت، حيث بلغ عدد المنشورات العلمية المشتركة بين مصر والمملكة العربية السعودية 57,223 منشوراً (في الفترة من 2019 إلى 2024)، ومع الصين 16,344، ومع الهند 11,531 (المصدر: Scopus Database, 2025). هذه الأرقام، وإن بدت مشجعة، فإنها تكشف عن تفاوت في مستوى التعاون مع الأطراف المختلفة، وتؤكد على الضرورة الملحة لتعزيز الشراكات مع كافة أعضاء البريكس، وتحديد الأولويات البحثية المشتركة في التخصصات ذات الأهمية الاستراتيجية لمصر.
  3. مبادرات الصحة والتكنولوجيا الحيوية: تمتد أواصر التعاون لتشمل مبادرات مع الهند في مجالات الصيدلة والفضاء، ومع البرازيل في تطوير المحاصيل الزراعية وإدارة الموارد المائية، ومع جنوب أفريقيا في دفع عجلة الابتكار العلمي ضمن إطار استراتيجية الاتحاد الأفريقي 2063. هذا التنوع، وإن دل على وعي بأهمية التخصصات المتعددة، فإنه يتطلب تنسيقاً وتوسيعاً لضمان تحقيق أثر ملموس وأكبر. ولكن، على الرغم من هذه الإنجازات المحمودة، تواجه مصر تحدياً جوهرياً يتمثل في محدودية الاستثمار في قطاع البحث والتطوير مقارنة بالعديد من دول البريكس وعلى الصعيد العالمي. ففي عام 2022، لم يتجاوز الإنفاق المصري على البحث والتطوير نسبة 0.96% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم يقل بكثير عن نظيره في الصين (2.41%)، بل وحتى عن المتوسط العالمي (2.63%). هذا النقص في التمويل يشكل قيداً على قدرة مصر على تطوير بنيتها التحتية البحثية، واستقطاب الكفاءات العلمية، والمنافسة بضراوة على الساحة العالمية، مما يجعل التعاون مع البريكس ضرورة قصوى لسد هذه الفجوة المعرفية والتكنولوجية.


مقومات الازدهار في رحاب التعاون المستقبلي
لقد حددت الدراسة المذكورة مجموعة من العوامل الجوهرية التي ستشكل ملامح التعاون المستقبلي بين مصر ودول البريكس في ميادين العلوم والتكنولوجيا والابتكار. هذه العوامل ليست مجرد مؤشرات عابرة، بل هي محددات استراتيجية تتطلب اهتماماً بالغاً وتخطيطاً دقيقاً من قبل صناع القرار:

  1. السياسات الحكومية الرشيدة: يمثل الدعم الحكومي القوي للتعاون الدولي، وبشكل خاص مع دول البريكس، حجر الزاوية الذي لا غنى عنه. يجب أن تترجم هذه السياسات إلى أطر قانونية وتنظيمية شفافة ومرنة، تدعم سلاسة نقل التكنولوجيا، وتوفر حماية صارمة للملكية الفكرية (Intellectual Property Rights – IPR)، وتسهل حركة الاستثمارات المشتركة في مشاريع البحث والتطوير. إن محاذاة السياسات المحلية مع الأجندات المشتركة لبريكس، كما يتجلى في إعلان قازان 2024 الذي يشدد على التعاون في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والفضاء، من شأنها أن تعزز الثقة المتبادلة وتفتح آفاقاً غير مسبوقة (المصدر: BRICS Summit Declarations, Kazan 2024).
  2. الاستثمار الاقتصادي الموجه: إن استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (Foreign Direct Investment – FDI) نحو القطاعات الواعدة في العلوم والتكنولوجيا يعد محركاً حيوياً. فالنمو المذهل في الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس من 16.2 تريليون دولار في 2015 إلى 30.6 تريليون دولار في 2024 يعكس قوة اقتصادية جبارة تستطيع مصر أن تستفيد منها بحكمة. يجب على مصر أن تبتكر بيئة استثمارية فاتنة، تزخر بالحوافز الضريبية المغرية، والتسهيلات الإجرائية المبسطة، والبنية التحتية المتطورة، لجذب رؤوس الأموال البريكسية نحو مشاريع الابتكار والتصنيع عالي التقنية (المصدر: UNCTAD World Investment Report, 2024).
  3. القدرات التكنولوجية المتفوقة: إن القوة التي تتمتع بها دول البريكس في مجالات تكنولوجية بعينها تُمثل فرصة ذهبية لا تقدر بثمن. فقدرة الصين على قيادة الابتكار في الذكاء الاصطناعي والتصنيع المتقدم، وريادة الهند في الصيدلة وتكنولوجيا المعلومات، وتميز روسيا في الفضاء والطاقة، وبراعة البرازيل في البيوإنرجي، كلها عوامل توفر لمصر نماذج يحتذى بها وخبرات يمكن الاستناد إليها. يتوجب على مصر أن تحدد بدقة المجالات التي تفتقر فيها إلى نقل المعرفة والتعاون التكنولوجي لتوجيه جهودها بفعالية.
  4. الدور الحيوي للقطاع الخاص: لا يمكن لعرش الابتكار أن يتربع بمعزل عن المشاركة الفعالة للقطاع الخاص. يجب تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص (Public-Private Partnerships – PPP) لتمويل وتطوير مشاريع البحث والتطوير المشتركة. بوسع الشركات المصرية أن تستفيد من حكمة وابتكارات نظيراتها البريكسية، بينما تستطيع الشركات البريكسية أن تجد في مصر سوقاً واعدة وقاعدة إقليمية صلبة لتوسعها.
  5. صون الملكية الفكرية وتوطين المعرفة: إن وجود إطار قانوني حصين لحماية الملكية الفكرية يعد حجر الزاوية لجذب الاستثمارات التكنولوجية وتشجيع الابتكار. يجب مراجعة وتحديث التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية لتتوافق مع أرقى المعايير الدولية، وتوفير آليات فعالة لإنفاذها. بالإضافة إلى ذلك، يجب رسم أطر واضحة لتسهيل نقل التكنولوجيا من الشركات والمؤسسات البريكسية إلى الكيانات المصرية، مع ضمان بناء قدرات محلية قادرة على استيعاب وتوطين هذه التقنيات.
  6. إثراء التبادل التعليمي والثقافي: إن توسيع برامج المنح الدراسية والتبادل التعليمي بين مصر ودول البريكس سيضمن بناء رأس مال بشري مؤهل، قادر على استيعاب وتطوير التقنيات الحديثة. فتبادل العقول والخبرات يثري البيئة الأكاديمية ويغذي جذور الابتكار.

سيناريوهات المستقبل حتى عام 2040: دروب متعددة لمصر التكنولوجية
تقدم الدراسة المستنيرة ثلاثة سيناريوهات متباينة لمستقبل التعاون، كلٌ منها يرسم مساره الخاص بناءً على درجة الالتزام المصري والبريكسي بالعوامل المحركة المذكورة آنفاً. هذه السيناريوهات ليست مجرد تكهنات عابرة، بل هي أدوات نافذة لتخطيط المستقبل، تستعرض النتائج المحتملة لمختلف مسارات السياسات:

  1. السيناريو الأول: المنطقة الخضراء (شراكة استراتيجية) هذا السيناريو يمثل ذروة الطموح وأكثر المسارات إيجابية لمصر. يفترض هذا الدرب التزاماً لا يتزعزع من قبل الحكومة المصرية بتعزيز التعاون الاستراتيجي طويل الأمد مع دول البريكس في مجالات البحث والتطوير (R&D)، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة.
    o وصف معمق: في هذا السيناريو، تتجاوز مصر مرحلة استيراد التكنولوجيا لتصبح شريكاً جوهرياً في إنتاجها وتطويرها. تُبرم اتفاقيات شراكة استراتيجية عميقة مع أرقى المراكز البحثية والجامعات والشركات الرائدة في دول البريكس. ينصب التركيز على البحث التطبيقي والتطوير المشترك لتقنيات تتناسب تماماً مع الاحتياجات المصرية والإقليمية، مما يجعلها قبلة للابتكار.
    o الافتراضات: يتطلب هذا السيناريو قفزة نوعية في تمويل البحث والتطوير من جانب مصر (تجاوز نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي)، وتطويراً جذرياً لبنية تحتية بحثية فائقة التطور، وتقديم حوافز قوية للقطاع الخاص للمشاركة الفاعلة. كما يفترض استجابة إيجابية من دول البريكس للاستثمار في مصر كمركز إقليمي للابتكار والمعرفة.
    o النتائج المتوقعة:
     إقامة “وادي السيليكون المصري”: ليس مجرد تسمية، بل مجموعة من المناطق التكنولوجية المتخصصة (كمنطقة العين السخنة التكنولوجية) التي تحتضن شركات عالمية ومحلية رائدة، ومراكز بحث وتطوير متقدمة، وحاضنات أعمال مزدهرة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات (Robotics)، والتكنولوجيا المالية (FinTech)، والتصنيع الذكي (Smart Manufacturing).
     مختبرات متقدمة ومراكز بحث مشتركة: سيتم إنشاء مراكز تميز بحثي على مستوى عالٍ، بالتعاون مع أرقى الجامعات والمراكز البحثية الصينية والهندية والروسية. ستركز هذه المراكز على أبحاث رائدة في مجالات الطاقة الشمسية والرياح، وتخزين الطاقة، ومعالجة المياه، والمدن الذكية، لتكون نبراساً للتقدم.
     تحول مصر لمركز إقليمي للابتكار: ستستقطب مصر ألمع المواهب والشركات الناشئة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتحول إلى منصة رائدة لتصدير الابتكار والخدمات التكنولوجية المتطورة إلى الأسواق المجاورة.
     زيادة هائلة في براءات الاختراع والمنشورات العلمية: مع الارتقاء بجودة البحث وتطوره، ستشهد مصر طفرة غير مسبوقة في عدد براءات الاختراع المسجلة والمنشورات العلمية المشتركة عالية الجودة التي تضيء دروب المعرفة.
  2. السيناريو الثاني: انسجام بريكس (الدمج الكامل) هذا السيناريو يمثل أسمى درجات الاندماج والتعاون، حيث تتجلى مصر جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والتكنولوجي لمنظومة بريكس.
    o وصف معمق: في هذا الدرب، لا يقتصر التعاون على المشاريع المشتركة فحسب، بل يتسع ليشمل اندماجاً أعمق في سلاسل القيمة العالمية لدول البريكس. تستقطب مصر استثمارات ضخمة ومتكاملة من تكتل بريكس، بهدف إنشاء مناطق اقتصادية حرة متخصصة في صناعات عالية التقنية، مثل صناعة الدوائر المتكاملة (أشباه الموصلات – Semiconductors)، وتجميع وتصنيع مكونات الأقمار الصناعية المعقدة، وتطوير برمجيات متخصصة فائقة الدقة.
    o الافتراضات: يتطلب هذا السيناريو التزاماً سياسياً واقتصادياً غير مسبوق من جانب مصر، يشمل إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وتوحيد المعايير والسياسات مع دول البريكس. كما يفترض وجود رؤية مشتركة قوية ومتجانسة بين مصر وأعضاء البريكس الرئيسيين حول الدور المركزي لمصر في هذه المنظومة.
    o النتائج المتوقعة:
     بنية تحتية رقمية متكاملة: تطوير شبكات اتصالات فائقة السرعة، ومراكز بيانات ضخمة، وبنية تحتية سحابية (Cloud Infrastructure) متطورة تخدم احتياجات الصناعات التكنولوجية المتكاملة، وقد تكون مدعومة بتقنيات رائدة من شركات بريكسية عريقة.
     جامعة تكنولوجيا متقدمة في القاهرة: إنشاء جامعة عالمية المستوى متخصصة في التكنولوجيا والابتكار، بشراكة استراتيجية مع أرقى الجامعات في الصين والهند وروسيا، بهدف إعداد أجيال جديدة من المهندسين والعلماء والباحثين المتخصصين في المجالات الأكثر طلباً.
     توطين صناعات استراتيجية: بناء قدرات محلية راسخة لتصنيع مكونات إلكترونية دقيقة، وتجميع المركبات الكهربائية (Electric Vehicles – EVs) الصديقة للبيئة، وإنتاج المعدات المتطورة للطاقة المتجددة، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.
     تبادل معرفي وثقافي عميق: برامج تبادل طلابي وباحثين واسعة النطاق، ومؤتمرات علمية مشتركة دورية، وشبكات بحثية عابرة للحدود تفتح آفاقاً رحبة للتعاون المستمر وتبادل الأفكار.
  3. السيناريو الثالث: المسار الضيق (المشاركة المحدودة) يمثل هذا السيناريو أقل المسارات تفضيلاً وأكثرها قتامة، حيث تظل مصر حبيسة موقع محدود وغير مؤثر في منظومة بريكس التكنولوجية.
    o وصف معمق: في هذا المسار، ينكمش التعاون ليقتصر على التجارة التقليدية والبسيطة، وتظل مصر معتمدة بشكل كبير على استيراد التكنولوجيا والمنتجات النهائية من دول البريكس. لا تتحقق استثمارات كبيرة في البحث والتطوير المشترك، ولا يتم بناء قدرات محلية ذاتية في المجالات التكنولوجية المتقدمة، مما يحرمها من ثمار التقدم.
    o الافتراضات: ينشأ هذا السيناريو إذا لم تتخذ مصر خطوات استباقية كافية لتعزيز بيئة الابتكار لديها، أو إذا تراجعت السياسات الحكومية عن دعم التعاون الدولي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، أو إذا أخفقت في جذب الاستثمارات المطلوبة.
    o النتائج المتوقعة:
     تباطؤ في النمو التكنولوجي: ستظل مصر متخلفة عن ركب التطور التكنولوجي العالمي المتسارع، وستعاني من ضعف مزمن في التنافسية الاقتصادية، مما يؤثر على قدرتها على النمو.
     إغلاق مصانع محلية: عدم القدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية واستيراد المنتجات الأجنبية الرخيصة قد يؤدي إلى تدهور الصناعات المحلية القائمة واندثارها.
     مشاريع تعاون قليلة ومحدودة: سيقتصر التعاون على مشاريع صغيرة ومنفردة في مجالات محددة مثل علوم البيئة أو التكنولوجيا الرقمية الأساسية، دون إحداث أي تأثير تحولي على الاقتصاد أو القدرات التكنولوجية الشاملة.
     فقدان فرص التنمية: ستفقد مصر فرصة الاستفادة من سوق البريكس الواسعة وخبراتها التكنولوجية المتراكمة، مما سيعيق تحقيق أهداف “رؤية مصر 2030” المتعلقة ببناء اقتصاد معرفي مزدهر.

توصيات استراتيجية: بوصلة للوصول إلى آفاق الطموح
لإبحار سفينة مصر نحو سيناريوهات “المنطقة الخضراء” و”انسجام بريكس”، يجب على دفتها أن تتبنى استراتيجية شاملة متكاملة، ترتكز على عدة محاور رئيسية، تمثل بوصلة تهتدي بها في رحلة المستقبل:

  1. زيادة جذرية في تمويل البحث والتطوير: لا يكفي الإنفاق الحالي الضئيل البالغ 0.96% من الناتج المحلي الإجمالي. يجب على مصر أن تضع لنفسها هدفاً طموحاً لزيادة هذه النسبة تدريجياً، لتبلغ ما لا يقل عن 2% بحلول 2030 (المصدر: مبادرات رؤية مصر 2030، وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية). ينبغي أن يركز هذا الاستثمار على بناء بنية تحتية بحثية عالمية، ودعم الكفاءات العلمية، وتشجيع البحث التطبيقي الذي يلبي احتياجات الصناعة والمجتمع. يمكن لمصر أن تستلهم دروساً قيمة من تجارب الصين والإمارات في هذا المضمار (المصدر: World Bank Data on R&D Expenditure, 2024).
  2. إنشاء وتطوير مناطق صناعية وتكنولوجية مشتركة رائدة: يجب أن تتجاوز هذه المناطق مجرد كونها تجمعات صناعية، لتتحول إلى “أنظمة بيئية للابتكار (Innovation Ecosystems)” نابضة بالحياة. مناطق مثل العين السخنة أو “وادي السيليكون المصري” يجب أن توفر حوافز مالية مغرية، وبنية تحتية متكاملة، ومراكز بحث وتطوير متقدمة، وحاضنات أعمال مزدهرة، لجذب استثمارات البريكس في الصناعات عالية التقنية.
  3. تعزيز التبادل التعليمي وبناء القدرات البشرية المتميزة: يتوجب توسيع برامج المنح الدراسية والبعثات إلى دول البريكس، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم الفضاء، والهندسة المتقدمة. كما يجب التركيز على برامج التدريب المهني والتقني المتخصصة لسد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل التكنولوجي المتنامي (المصدر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر، 2024).
  4. تطوير إطار قانوني حصين لحماية الملكية الفكرية وتسهيل نقل التكنولوجيا: إن الثقة في حماية الابتكارات هي حجر الزاوية لجذب الاستثمار التكنولوجي المباشر. يجب مراجعة وتحديث التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية لتتوافق مع أرقى المعايير الدولية، وتوفر آليات فعالة لإنفاذها بحزم. كما يجب وضع أطر واضحة وشفافة لتسهيل نقل التكنولوجيا من الشركات والمؤسسات البريكسية إلى الكيانات المصرية، مع ضمان بناء قدرات محلية قوية على استيعاب وتوطين هذه التقنيات (المصدر: المنظمة العالمية للملكية الفكرية – WIPO, 2024).
  5. محاذاة السياسات المحلية مع الأجندة الابتكارية للبريكس: يجب أن تكون السياسات المصرية متناغمة ومتسقة مع الأهداف المشتركة للبريكس في مجالات العلوم والتكنولوجيا. إن المشاركة الفاعلة في منتديات البريكس العلمية والتكنولوجية، مثل المنتدى العلمي لبريكس (النسخة التاسعة في ديسمبر 2024) وفوزها بجائزة الابتكار، ومشاركتها في الاجتماعات المتعلقة بالبحث القطبي والمحيطي (مايو 2025)، وإطلاق “مركز التعاون بين بريكس” في مارس 2025، كلها خطوات إيجابية ينبغي تعزيزها وتطويرها (المصدر: BRICS Science and Technology Forum, 2024-2025 official reports).
  6. تنشيط دور القطاع الخاص والمجتمع المدني: لا بد من تحفيز القطاع الخاص المصري للمشاركة بفاعلية أكبر في شراكات البحث والتطوير مع نظرائه في دول البريكس. يمكن للحكومة أن تقدم تسهيلات أو ضمانات لدعم هذه الشراكات الحيوية. كما يمكن للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات البحثية المستقلة أن تلعب دوراً محورياً في بناء الجسور وتبادل الخبرات والمعرفة.

السياق الاقتصادي والجغرافي: دعائم تزيد الشراكة متانة
تتمتع مصر بمزايا نسبية فريدة، تزيد من جاذبيتها كشريك استراتيجي لدول البريكس:
• الموقع الجغرافي الاستراتيجي: تشكل مصر حلقة وصل حيوية بين ثلاث قارات (أفريقيا، آسيا، أوروبا)، وقناة السويس هي شريان رئيسي للتجارة العالمية، حيث تعبر 12% من التجارة العالمية عبرها في عام 2024 (المصدر: Suez Canal Authority, 2024). هذا الموقع المحوري يمنح دول البريكس بوابة استراتيجية لا تقدر بثمن للوصول إلى الأسواق الأفريقية والعربية، والتي يتوقع أن يرتفع عدد سكانها ليلامس 2.5 مليار نسمة بحلول 2050، مما يفتح آفاقاً هائلة للتجارة والاستثمار (المصدر: United Nations Department of Economic and Social Affairs, Population Division, 2024).
• السوق الشابة والواعدة: يزيد تعداد سكان مصر عن 110 ملايين نسمة، 60% منهم دون سن الثلاثين (المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – CAPMAS, 2024). هذه التركيبة السكانية الشابة تمثل “عائداً ديموغرافياً (Demographic Dividend)” ضخماً، حيث توفر قوة عاملة هائلة يمكن تدريبها وتأهيلها بفاعلية في المجالات التكنولوجية الحديثة. إن الاستثمار في هذه الفئة الشابة من خلال التعليم والتدريب عالي الجودة هو المفتاح لفتح أقصى الاستفادة من هذا العائد الثمين.
• البنية التحتية المتطورة نسبياً: على الرغم من الحاجة إلى المزيد من التحديث في بعض المناطق، فقد استثمرت مصر بشكل كبير في البنية التحتية للنقل واللوجستيات والطاقة خلال السنوات الأخيرة، مما يوفر بيئة مواتية للأنشطة الصناعية والتكنولوجية (المصدر: وزارة النقل المصرية، 2024، وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، 2024).


تحديات وفرص: نظرة واقعية لمستقبل مشرق
لا يخلو طريق التعاون من تحديات جسيمة، ولكن الفرص السانحة التي يتيحها تحالف البريكس تفوقها بكثير، مما يرجح كفة التفاؤل:
التحديات:
• محدودية التمويل الحكومي للبحث والتطوير:
كما أسلفنا، يعد النقص في الاستثمار في هذا القطاع الحيوي عائقاً رئيسياً.
• الحاجة إلى تحسين البنية التحتية التكنولوجية: على الرغم من التطورات، لا تزال هناك حاجة ماسة لتحسين شبكات الإنترنت، ومراكز البيانات، والمختبرات البحثية في بعض المناطق النائية.
• ضرورة إصلاحات تعليمية أعمق: لضمان أن مخرجات التعليم تتوافق تماماً مع متطلبات سوق العمل التكنولوجي والابتكار المتغير.
نقص جمع البيانات في الوقت الفعلي (Real-time data collection): تحدده الأخبار الأخيرة، مما يؤثر على دقة التنبؤ والنمذجة في التعاون العلمي والتخطيط الاستراتيجي (المصدر: تقارير محلية ودولية عن تحديات البيانات في مصر، 2024-2025).
• التحديات الاقتصادية الكلية: مثل الحاجة إلى تنويع هيكل الاقتصاد، وإدارة عدم التوازن التجاري بعناية، ومواجهة المنافسة الشرسة مع الأعضاء الحاليين في البريكس.
الفرص:
• نقل التكنولوجيا المتقدمة (Technology Transfer): الاستفادة المباشرة والفعالة من خبرات البريكس في مجالات حيوية كالذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة المتجددة، والفضاء، لتعزيز القدرات المحلية.
• الوصول إلى أسواق جديدة وواعدة: تفتح عضوية البريكس الأبواب واسعة أمام الأسواق الضخمة لأعضائها، مما يعزز الصادرات المصرية ويجذب استثمارات نوعية.
• تعزيز البحث العلمي المشترك: الشراكات البحثية ترفع من جودة ومخرجات البحث العلمي المصري، وتساهم بفاعلية في حل التحديات العالمية المشتركة.
• بناء القدرات البشرية المتخصصة: من خلال برامج التبادل والتدريب المتقدم، يمكن لمصر أن تصقل جيلاً جديداً من العلماء والمهندسين القادرين على قيادة دفة الابتكار.
دور إقليمي رائد: يمكن لمصر أن تستغل موقعها الاستراتيجي لتصبح مركزاً إقليمياً للابتكار، وتصدر خبراتها وتكنولوجياتها إلى أسواق أفريقيا والشرق الأوسط.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن مصر تسير بخطى واثقة وثابتة نحو تعزيز هذا التعاون. فمشاركتها الفاعلة في المنتدى العلمي لبريكس (النسخة التاسعة في ديسمبر 2024) وفوزها بجائزة الابتكار، ومشاركتها في الاجتماعات المتعلقة بالبحث القطبي والمحيطي (مايو 2025)، وإطلاق “مركز التعاون بين بريكس” في مارس 2025، كلها مؤشرات إيجابية على أن مصر تدرك تماماً أهمية هذا المسار. هذه الخطوات تعكس رغبة صادقة في الانتقال من “المسار الضيق” إلى آفاق “المنطقة الخضراء” و”انسجام بريكس”.


رؤية تفاؤلية لمستقبل مصر الابتكاري
ملخص: لقد أظهرت دراستنا أن انضمام مصر إلى تحالف بريكس يمثل فرصة استراتيجية غير مسبوقة لتعزيز قدراتها في العلوم والتكنولوجيا والابتكار. ناقشنا الدور المتنامي لمصر في المنتديات العلمية لبريكس، وأهمية الثقل التكنولوجي المتنوع لدول التكتل، بما في ذلك الخبرات الصينية في الذكاء الاصطناعي، والهندية في تكنولوجيا المعلومات، والروسية في الفضاء. كما استعرضنا المشاريع التعاونية القائمة مثل مشروع الضبعة النووي وإطلاق الأقمار الصناعية، مع الإشارة إلى التحدي الرئيسي المتمثل في محدودية تمويل البحث والتطوير في مصر. قدمنا ثلاثة سيناريوهات مستقبلية (شراكة استراتيجية، دمج كامل، مشاركة محدودة)، مؤكدين على أن تحقيق السيناريوهات الإيجابية يتطلب زيادة تمويل البحث والتطوير، وتطوير مناطق صناعية وتكنولوجية مشتركة، وتعزيز التبادل التعليمي، وتحديث الإطار القانوني للملكية الفكرية، ومواءمة السياسات مع أجندة البريكس، وتنشيط دور القطاع الخاص. وأخيراً، أبرزنا المزايا الجغرافية والديموغرافية لمصر كدعائم لتعزيز هذه الشراكة.
خاتمة: إن انضمام مصر إلى تحالف البريكس ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل هو نقطة تحول تاريخية ذات أبعاد علمية وتكنولوجية عميقة الأثر. إنها فرصة ذهبية لا تتكرر كثيراً لمصر للانتقال من كونها مستورداً أساسياً للتكنولوجيا إلى لاعب رئيسي ومؤثر في إنتاج المعرفة والابتكار على الصعيدين الإقليمي والدولي. بيد أن تحقيق سيناريوهات “المنطقة الخضراء” و”انسجام بريكس” لن يكون درباً مفروشاً بالورود، فهو يتطلب رؤية جريئة وثاقبة، واستثمارات ذكية وموجهة، وإصلاحات هيكلية مستمرة، وشراكات استراتيجية طويلة الأجل مبنية على الثقة المتبادلة.
يتوجب على صانعي السياسات في مصر أن يغتنموا هذه اللحظة التاريخية لبناء مستقبل قائم على المعرفة، حيث يكون الابتكار محركاً للنمو الاقتصادي المطرد، والعلم أساساً للتقدم المجتمعي المستنير. إن الالتزام الراسخ بزيادة تمويل البحث والتطوير، وإنشاء مناطق صناعية مشتركة فائقة التطور، والاستثمار الحكيم في رأس المال البشري، وتوفير بيئة جاذبة للابتكار، سيضع مصر بلا شك على طريق التحول نحو مركز إقليمي للعلوم والتكنولوجيا، محققة طفرة اقتصادية وعلمية غير مسبوقة بحلول عام 2040. فالمستقبل لا ينتظر المتأخرين، والفرصة الآن سانحة لمصر لتكتب فصلاً جديداً ومشرقاً في سجل تاريخها، فصل عنوانه الابتكار والتعاون العالمي الفاعل.


المرجع:
• Exploring Future Scenarios for Strengthening Science, Technology, and Innovation Collaboration between Egypt and BRICS Countries. Journal of Business and Management Sciences, 2025, 13(3), 59-69. DOI: 10.12691/jbms-13-3-3.

طارق قابيل
Author: طارق قابيل

يمثل الدكتور طارق قابيل نموذجًا بارزًا للعالم المصري الملتزم بتطوير العلوم. فمن خلال مسيرته الحافلة بالإنجازات، استطاع أن يساهم بشكل كبير في مجال الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في مصر. وقد ساهم بشكل كبير في تطوير هذا المجال، وحقق إنجازات بارزة على الصعيدين المحلي والدولي. حصل الدكتور قابيل على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية من جامعة القاهرة بالتعاون مع جامعة كليمسون الأمريكية، حيث أجرى أبحاثًا رائدة في زراعة الأنسجة النباتية. عمل كأستاذ زائر في جامعة كليمسون وشارك في العديد من المشاريع البحثية الوطنية والدولية. يشغل الدكتور قابيل حاليًا منصب مقرر لجنة الآداب والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية بمكتب التقييم الفني لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وأمين مجلس الثقافة والمعرفة بالأكاديمية الباحث الرئيسي لخريطة طريق التواصل العلمي، حيث يساهم في صياغة السياسات العلمية وتوجيه البحث العلمي نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية، مما يؤكد مكانته البارزة في المجتمع العلمي المصري والعربي. للدكتور طارق قابيل أكثر من 1000 مقال في تبسيط العلوم في أهم المجلات والجرائد العربية، ويعتبر رائدًا من رواد الثقافة العلمية في مصر، وتجسد إنجازات الدكتور قابيل التزامه العميق بتطوير العلوم ورفع مستوى البحث العلمي في مصر والعالم العربي. وبفضل جهوده المتواصلة، أصبح الدكتور طارق قابيل رمزًا للباحث المصري المبدع، الذي يسعى دائمًا إلى تطوير...

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أكاديمية البحث العلمي

User Avatar

د. طارق قابيل

يمثل الدكتور طارق قابيل نموذجًا بارزًا للعالم المصري الملتزم بتطوير العلوم. فمن خلال مسيرته الحافلة بالإنجازات، استطاع أن يساهم بشكل كبير في مجال الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في مصر. وقد ساهم بشكل كبير في تطوير هذا المجال، وحقق إنجازات بارزة على الصعيدين المحلي والدولي. حصل الدكتور قابيل على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية من جامعة القاهرة بالتعاون مع جامعة كليمسون الأمريكية، حيث أجرى أبحاثًا رائدة في زراعة الأنسجة النباتية. عمل كأستاذ زائر في جامعة كليمسون وشارك في العديد من المشاريع البحثية الوطنية والدولية. يشغل الدكتور قابيل حاليًا منصب مقرر لجنة الآداب والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية بمكتب التقييم الفني لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وأمين مجلس الثقافة والمعرفة بالأكاديمية الباحث الرئيسي لخريطة طريق التواصل العلمي، حيث يساهم في صياغة السياسات العلمية وتوجيه البحث العلمي نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية، مما يؤكد مكانته البارزة في المجتمع العلمي المصري والعربي. للدكتور طارق قابيل أكثر من 1000 مقال في تبسيط العلوم في أهم المجلات والجرائد العربية، ويعتبر رائدًا من رواد الثقافة العلمية في مصر، وتجسد إنجازات الدكتور قابيل التزامه العميق بتطوير العلوم ورفع مستوى البحث العلمي في مصر والعالم العربي. وبفضل جهوده المتواصلة، أصبح الدكتور طارق قابيل رمزًا للباحث المصري المبدع، الذي يسعى دائمًا إلى تطوير علمه وخدمة مجتمعه. وقد ترك بصمة واضحة في مجال العلوم الأساسية، وفتح آفاقًا جديدة للباحثين الشبان.


عدد مقالات الكاتب : 7
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *