بالنسبة لمنطقة تقع فوق أكبر إحتياطي وقود هيدروكربوني في العالم. عُرف عن الشرق الأوسط كونه أكبر مُصّدر للنفط والغاز الطبيعي، وبالتالي أقل راعٍ ومشجع لفكرة التحول الأخضر. إلا أننا بدأنا نشهد في السنوات الأخيرة، تحول في اتجاهات حكومات المنطقة العربية نحو التنويع في مصادر إنتاج الطاقة. تبعًا لتزايد التحديات التي تواجهها، والمتمثلة: بالنمو السكاني، وتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية لتغطية الاحتياج الوطني، والإستثمار المحدود في قطاع توسعة محطات التوليد، والذي قد يصل أحيانًا إلى العجز عن توفير الطاقة في المناطق الغنية بالنفط.
بدأت العديد من حكومات المنطقة في وضع سقف لأهداف تتركز في مراجعة استراتيجية الطاقة. ومنها تغير اتجاهها بشكل متزايد نحو الطاقة المتجددة. الجدير بالذكر أن هذه ليست بأهداف واهية دون خطط مسبقة. فقد شهدنا عملية إصلاح واسعة للوائح التنظيمية المحتاجة لتحقيق هذه الأهداف. فطبقًا لتقرير الطاقة العالمية لعام ٢٠١٣، والتي نشرتها الوكالة العالمية للطاقة الكائنة في باريس، ارتفاع سهم المنطقة العربية ضمن أسهم إنتاج الطاقة من مصادر متجددة من ٢% في ٢٠١٠ إلى ١٢% بحلول عام ٢٠٣٥.
محتويات المقال :
تحديات استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري:
ولعل التحدي الإقتصادي الأساسي الناتج عن الاعتماد الكلي على الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة. يتمثل في الأثر المتغير لتضاربات السوق، وعدم انتظام سعر المشتقات النفطية؛ وبالتالي تأثيرها على أسعار إنتاج الطاقة الكهربائية. فهذا ما ثبت في عام ٢٠٢١، عندما ارتفع معدل سعر برميل النفط بنسبة ٦٨% من عام لعام. واستهلاك الوقود ارتفع بالتوازي مع عودة الاقتصادات العالمية والكثير من الصناعات للعمل بعد إغلاق دام لشهور نتيجة الجائحة العالمية في عام ٢٠٢٠.
ثم أتت أزمة الحرب الأوكرانية لتزيد الأمر سوءًا، مع ازدياد سعر البرميل بنسبة ٥٠% مقارنة بالعام الفائت نتيجة لضعف الإمداد الروسي للطاقة. بالرغم من استمرار ارتفاع الطلب العالمي للنفط لعالم يحاول اقتصاده التعافي من تأثيرات أزمة كورونا.
نتيجة لهذا، ارتفعت أسعار الطاقة ذات الخام النفطي طرديًا مع كل ارتفاع في قيمة مشتقات الوقود الأحفوري، مما أدى لتضاعف الضغوط على المستهلكين نتيجة لارتفاع جميع المنتجات المصنعة، والسلع الإستهلاكية، والخدمية.
أهمية استحضار الطاقة المتجددة في المنطقة العربية:
مما لا شك فيه أننا مقبلون على مرحلة تتعدد فيها الأسباب لتبدأ المجتمعات بتغيير نظرتها التقليدية. والمليئة بالشك والريبة نحو توليد الكهرباء من مصادر متجددة كبديل عن الوقود الأحفوري، بل ويزداد الأمر أهمية خصوصًا للمنطقة العربية. فتضاعف النمو السكاني في هذه البلدان يتجاوز المعدلات العالمية، وبالتالي التحديات تزداد في تغطية الطلب على الطاقة.
بالإضافة لذلك، تعاني العديد من الدول العربية المستوردة للنفط مثل: لبنان، وسوريا، والسودان، ومصر بشكل خاص أزمات مالية حادة. تمتد تأثيراتها على المدى البعيد، وتتفاقم مع كل ارتفاع عالمي لأسعار الإحتياجات الأساسية، بما فيها المشتقات النفطية. وكنتيجة لهذا تزداد الضغوط على الموازنة المحلية لهذه الدول وقدرتها على دفع ثمن الارتفاع المتزايد للمنتجات المستوردة.
الإمكانات الكامنة للمنطقة العربية من مصادر الطاقة المتجددة:
تتمتع المنطقة العربية بموقع جيوسياسي مهم. وتحتل بقعة من الأرض تنعم بكل الموارد الطبيعية الأساسية. التي تجعل من حلم تحقيق اكتفاء ذاتي من الطاقة عبر الطاقة المتجددة من الممكن الوصول إليه.
الإمكانات الكامنة لإنتاج الطاقة من الإشعاع الشمسي:
لدى المنطقة العربية إمكانية عالية في تحقيق التحول الأخضر. والجزء الأكبر منه يكمن في الاستفادة من درجات السطوع الشمسي العالي في هذه المناطق، وسعة المساحات المعرضة منه للإشعاع الشمسي على المستوى العالمي، وقلة حدوث تكتلات الغيوم، والتي بالعادة تمنع الاستفادة من الإشعاع الشمسي في توليد الطاقة معظم العام.إذ أنه طبقًا لتقارير مجموعة البنك الدولي، تستقبل هذه المنطقة كمية إشعاع يتراوح ما بين ٢٢% إلى ٢٦% من كمية الإشعاع الذي تتعرض له الأرض، بل تتجاوز القدرة الكامنة للطاقة الشمسية التي تتعرض لها المنطقة العربية والتي يمكن توليد طاقة منها لوحدها القدرة الكامنة لتوليد الطاقة من جميع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى.
فطبقًا لبرنامج الأمم المتحدة البيئي، يتراوح معدل إنتاجية الطاقة منها ما بين ٤ إلى ٨ كيلو واط بالساعة في كل مربع وحدة مساحة.
وتظهر إحصائيات المؤسسة العالمية للطاقة المتجددة، أن كل مربع وحدة مساحة بالكيلومتر في هذه المنطقة يستقبل سنويًا إشعاع شمسي يعادل الطاقة المنتجة من ٥.١ مليون برميل من النفط.
لهذا، فكرة عدم استفادة المنطقة العربية بشكل واسع من هذه الطاقة إلى وقتنا هذا بحد ذاته يعتبر خطيئة. فبهذا المقدار من الطاقة، لن يكون هنالك قدرة على تغطية الطلب المحلي للطاقة لكل الشعوب والإقتصاديات، وإنما هنالك أيضًا إمكانية تصدير هذه الطاقة إلى الأطراف الأخرى من العالم.
فدول المنطقة العربية كمصر، لديها شبكات تغذية كهربائية مرتبطة ببعض الأمم الأوروبية والأفريقية. وهذا سيخدم بشكل جيد الأساس لبنية تحتية ستعمل على تصدير الطاقة.
إمكانية إنتاج الطاقة من الرياح:
بالإضافة إلى نصيبها الوافر من الإشعاع الشمسي. تتمتع المنطقة بتضاريس متنوعة تسمح بهبوب رياح قوية كفيلة لتكون مصدر خام لمزارع رياح قادرة على تغطية مناطق واسعة بالطاقة.
تصل سرعة الرياح في دول مثل المغرب، ومصر، وتونس إلى أعلى مستوياتها لتسجل بذلك ضمن المناطق التي تتعرض لأعلى سرعات رياح عالميًا. فمصر وحدها لديها إمكانية توليد طاقة تصل إلى آلالاف الميجا واط وحدها.
إمكانية إنتاج الطاقة كهرومائيًا:
إن نظرنا إلى إمكانية توليد الطاقة كهرومائيًا. فتنعم هذه المنطقة ببضعة مواقع تقع على مسار أنهار ذات إندفاع قوي مثل: إيران، ومصر، والعراق، والمغرب؛ ووجود سدود مبنية مسبقًا مثل: سد أسوان العالي، وسد مأرب يجعل من إقامة المشاريع المتعلقة بتوليد الطاقة كهرومائيًا أقل تعقيدًا وتكلفة.
إمكانية إنتاج الطاقة من الحرارة الجوفية:
كما أننا عند حساب المحتوى الحراري لمصادر الطاقة الحرارية الجوفية في دول الشرق الأوسط فقط. نجد أن معظمها يقع ضمن الخزانات ذات المحتوى الحراري المتوسط بمعدل(100–150 °C)، وذات المحتوى الحراري المنخفض بمعدل أقل من 100 °C. إلا تركيا، وإيران، واليمن والتي تعتبر قيمة المحتوى الحراري لمصادرها يتجاوز 150 °C.
إمكانية توليد الطاقة من الكتلة الحيوية:
وبالطبع لا نستطيع تجاوز وفرة المنطقة العربية على الخام الكافي لتوليد الطاقة دون الحديث عن إنتاج الطاقة من الكتلة الحيوية. فالمثير للدهشة أن لدى هذه المنطقة مصادر وفيرة من الخام لإنتاج الطاقة ذات المصدر الحيوي. ولعلنا لن نبالغ إن قلنا أن معظم هذه المصادر لم يتم إكتشاف معظمها بعد.
تعتبر دول مثل مصر، واليمن، والعراق، وسوريا، والأردن أكبر منتج للكتلة الحيوية في المنطقة. تقليديًا، تستخدم طاقة الكتلة الحيوية بشكل واسع في المناطق الريفية للأغراض والإحتياجات اليومية خصوصًا في مصر، واليمن، والأردن. وأهم مصادرها تتمثل: بالمخلفات الزراعية، والنفايات الصلبة والصناعية.
فبجانب كون قدرة منطقة حوض البحر المتوسط لإنتاج الطاقة من الكتلة الحيوية تصل إلى ٤٠٠ تيرا واط في الساعة سنويًا. نتيجة للتطور التكنولوجي في مجال إنتاج الطاقة بالكتلة الحيوية بالمنطقة. وبضم هذه القدرة إلى الإمكانيات التي تتمتع بها المنطقة العربية في المستقبل. فإن تم أخذ الخطوات الصحيحة لنقل هذا المجال إلى المرحلة التالية؛ سيصبح لدينا أكبر كتلة إقتصادية عظمى للدول المصدرة لهذه الطاقة لجميع أنحاء العالم.
كيف ستغير الطاقة المتجددة في المنطقة العربية؟
لدى المنطقة العربية القدرة هل تغطية ٤٥% من مجموع القدرة العالمية على توليد الطاقة من المصادر المتجددة. وبهذا ستكون قادرة على توليد أكثر من احتياج العالم من الطاقة بثلاثة أضعاف الطلب. وهذا بحد ذاته قادر على إحداث نقلة إقتصادية، واجتماعية، وسياسية نوعية.
المصادر:
renewable energy in mena region
The Rise of Renewable Energy in the MENA
Region
The Potential of Renewable Energy in MENA
A review of geothermal energy status and potentials in Middle-East countries
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :