يصادف في شهر أغسطس الذكرى السنوية الثالثة لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة طالبان إلى السلطة. وكانت الحرب الأميركية في أفغانستان، والتي بدأت رداً على هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، تهدف إلى مكافحة الإرهاب الدولي وخلق عالم أكثر أمناً. ولكن، مع مرور السنين، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها، وتُرك العالم أمام مشهد أكثر استقطابا ومليئا بالصراعات.
محتويات المقال :
أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على الإرهاب
كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 بمثابة لحظة محورية في التاريخ الحديث. وفي ذلك اليوم المشؤوم، تم اختطاف أربع طائرات تجارية من قبل عناصر تنظيم القاعدة، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 3000 شخص. وقد أحدثت الهجمات صدمة في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى استجابة عالمية لمكافحة الإرهاب الدولي. وفي أعقاب ذلك، أطلقت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب، وهي حملة عسكرية تهدف إلى استئصال المنظمات الإرهابية والدول الراعية لها.
لم تكن هجمات 11 سبتمبر حادثة معزولة، بل كانت تتويجا لعقود من التطرف والعنف. وكان تنظيم القاعدة، الذي أسسه أسامة بن لادن في أواخر الثمانينات، ينسق هجمات ضد أهداف غربية منذ سنوات. وقد تشكلت إيديولوجية الجماعة من خلال تفسير مشوه للإسلام، والذي أكد على الجهاد ضد الكفار والمرتدين.
وفي التسعينيات، وجد تنظيم القاعدة ملاذاً آمناً في أفغانستان، حيث قدم نظام طالبان الدعم اللوجستي والمالي. وفي المقابل، كانت حركة طالبان مدعومة من باكستان، التي رأت في الجماعة الإسلامية المتطرفة رصيدًا استراتيجيًا في تنافسها مع الهند. وقد خلقت هذه الرابطة السامة بين الإرهاب والتطرف ورعاية الدولة عاصفة كاملة من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط أفغانستان وصعود طالبان.
المسعى الفاشل للقضاء على تنظيم القاعدة وطالبان
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أطلقت الولايات المتحدة عملية الحرية الدائمة (Operation Enduring Freedom)، بهدف تفكيك شبكات تنظيم القاعدة والقضاء على قيادتها. ومع ذلك، فإن نجاح العملية لم يدم طويلاً، حيث هرب نشطاء القاعدة إلى باكستان، وأعادوا تجميع صفوفهم واستمروا في تنسيق الهجمات.
كما أعادت حركة طالبان، التي كانت قد وفرت في السابق ملاذاً لتنظيم القاعدة، تجميع صفوفها وإعادة تنظيمها، مستغلة فراغ السلطة في أفغانستان. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لاستهداف قيادتها، فقد تكيفت حركة طالبان، وأصبحت عدواً أكثر مرونة وقوة.
يمكن أن نعزو عجز الولايات المتحدة عن قطع رأس تنظيم القاعدة وطالبان إلى عدة عوامل. أولاً، سمحت الحدود التي يسهل اختراقها بين أفغانستان وباكستان بالتدفق الحر للمتمردين والإمدادات. ثانياً، فشل اعتماد الولايات المتحدة على الغارات الجوية وهجمات الطائرات بدون طيار، على الرغم من فعاليته على المدى القصير، في معالجة الأسباب الجذرية للتمرد.
إن فشل الولايات المتحدة في التعامل مع القبائل والمجتمعات المحلية، والفساد وعدم كفاءة الحكومة الأفغانية، كان سبباً في خلق بيئة مواتية لعودة حركة طالبان. كما ساهم عجز الولايات المتحدة عن التعلم من أخطائها الماضية، مثل غزو الاتحاد السوفييتي الفاشل لأفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، في تفاقم هذا المستنقع.
وفي النهاية، أثبتت مساعي الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم القاعدة وطالبان فشلها، تاركة وراءها أفغانستان هشة وغير مستقرة، حيث تستمر إيديولوجية طالبان المتطرفة في الازدهار.
أهداف أمريكا وإخفاقاتها
عندما بدأت الحرب الأميركية في أفغانستان، كانت أهدافها الأساسية متعددة الأوجه. بدعم من حلفائها الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وغير الأعضاء، فضلاً عن التعاطف العالمي الواسع النطاق، كانت الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة هي القضاء على تنظيم القاعدة، وتفكيك نظام طالبان المتطرف، وتحويل أفغانستان لمنعها من أن تصبح وكراً للإرهاب الدولي ذات يوم. ولكن مع مرور الوقت، تحولت هذه الأهداف إلى مهمة أكثر تعقيداً وطموحاً يتمثل في بناء دولة في أفغانستان التقليدية المنقسمة اجتماعياً إلى حد كبير.
لم تكن الولايات المتحدة تعتزم في الأصل البقاء في أفغانستان لأكثر من بضع سنوات، ولكن فشلها في قطع رأس تنظيم القاعدة في الأيام الأولى من تدخلها أدى إلى مطاردة أسامة بن لادن لفترة طويلة، والتي استغرقت عقداً من الزمن. وقد أدى هذا إلى تعميق مشاركة أميركا في المهمة الصعبة المتمثلة في بناء دولة في أفغانستان. وكانت الولايات المتحدة تهدف إلى إنشاء حكومة مستقرة وآمنة وديمقراطية في كابول، ولكن جهودها شابتها الافتقار إلى التخطيط والموارد.
وفي غياب استراتيجية واضحة، وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة في شبكة معقدة من الديناميكيات السياسية والاجتماعية في أفغانستان. إن المجتمع المنقسم إلى حد كبير في البلاد، إلى جانب المصالح والأولويات المتنافسة للولايات المتحدة، جعل من الصعب تحقيق أي تقدم كبير نحو بناء الدولة. ونتيجة لذلك، تحولت أهداف الولايات المتحدة تدريجياً من تغيير النظام إلى هدف أكثر غموضاً يتمثل في تحقيق الاستقرار في البلاد، وهو الهدف الذي ثبت في نهاية المطاف أنه بعيد المنال.
صعود طالبان
إن عودة طالبان إلى السلطة بعد انتهاء الحرب الأميركية في أفغانستان تمثل حقبة مظلمة من التطرف والتمييز وعدم الاستقرار. وقد أثبتت النسخة المحدثة من التنظيم أنها متطرفة وتمييزية بشكل مخيف مثل عهد الإرهاب السابق الذي شهدته أفغانستان في الفترة من 1996 إلى 2001. لقد أدت نسخة طالبان المحرفة من الإسلام إلى تجريد المرأة من حقوقها الأساسية، بما في ذلك التعليم والعمل. ويتم قمع أي شكل من أشكال المعارضة بوحشية، وتتم معاقبة الأقليات، إلى جانب بقايا النظام السابق المدعوم من الولايات المتحدة، بشكل يومي. وقد قتل العديد منهم.
لقد حولت حركة طالبان أفغانستان إلى معقل آمن لتنظيم القاعدة والعديد من الجماعات الأخرى ذات التفكير المماثل، بما في ذلك حركة طالبان الباكستانية (TTP) وتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان (ISKP). وقد خلق هذا أرضا خصبة للإرهاب الدولي، مما يشكل تهديدا كبيرا للأمن العالمي. ويوازي افتقار الجماعة إلى الشرعية المحلية وضعها المنبوذ في المجتمع العالمي، حيث أعرب 4% فقط من المشاركين في استطلاع أجرته الأمم المتحدة مؤخراً عن رغبتهم في الاعتراف بحركة طالبان على المستوى الدولي.
العواقب العالمية للحرب الأميركية في أفغانستان
وبينما تحتفل حركة طالبان بالذكرى السنوية الثالثة لتوليها السلطة، فقد أصبح العالم يتساءل عن التكلفة الحقيقية لهزيمة أميركا في أفغانستان. وتمتد عواقب هذا الفشل إلى ما هو أبعد من حدود أفغانستان، مما يهدد الاستقرار والأمن العالميين.
وكان صعود الجماعات المتطرفة، التي شجعها نجاح طالبان، سبباً في خلق تأثير مضاعف، حيث ألهمت الجماعات ذات التفكير المماثل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد أدى هذا إلى تفاقم الشعور بانعدام الأمن، حيث ترى دول مثل إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية فرصة للاستفادة من هزيمة أميركا.
إن الشرق الأوسط أصبح الآن على حافة الفوضى، خاصة مع وصول التوترات بين إسرائيل وإيران إلى نقطة الغليان. إن الحرب المحتملة بين هاتين الدولتين يمكن أن تجذب الولايات المتحدة وروسيا والصين، مما يؤدي إلى أزمة عالمية. لقد تُرِك العالم للتأمل في العواقب التي ترتبت على أطول حرب خاضتها أميركا، والتأثير المدمر الذي خلفته على الاستقرار العالمي. وبينما نتطلع إلى المستقبل، هناك أمر واحد واضح، وهو أن الهزيمة في أفغانستان مهدت الطريق لعالم أكثر تفككًا وتمزقاً بالصراعات، حيث يلوح في الأفق خطر نشوب حرب عالمية أخرى.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :