Ad

لطالما كانت الثقوب السوداء مصدرًا للغموض بالنسبة للفيزيائيين. ولكن ماذا لو كان فهمنا للثقوب السوداء غير مكتمل؟ ماذا لو لم تكن فراغات ذات كثافة لا نهائية كما ظننا أنها كذلك؟ حيث تقترح دراسة جديدة تفسيرًا بديلًا، تشير إلى أن الثقوب السوداء نجوم متجمدة، وهي أجسام فائقة الصغر تحاكي خصائص الثقوب السوداء دون التفردات المرتبطة بها.

إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا هي مفارقة معلومات الثقب الأسود، والتي تتساءل عما يحدث للمعلومات الموجودة في المادة التي تقع في الثقب الأسود. وتقدم فرضية “النجم المتجمد”، التي طورها فريق من الفيزيائيين، حلا محتملا لهذه المعضلة.

ومن خلال إعادة تصور الثقوب السوداء كأجسام خالية من التفرد، فإنهم يهدفون إلى حل التناقضات والمفارقات التي ابتليت بها أبحاث الثقب الأسود لعقود من الزمن. هذا المنظور الجديد له آثار مهمة على فهمنا للجاذبية، وسلوك المادة في الظروف القاسية، ونسيج الزمكان ذاته.

مفارقة معلومات الثقب الأسود

إن الثقوب السوداء تشكل مصدراً هائلاً للجاذبية. وكما تنبأت النظرية النسبية العامة لأينشتاين، فإنها تحتوي على منطقة خارجية تُعرف بأفق الحدث (event horizon). والتي لا يمكن لأي شيء، حتى الضوء، أن يهرب منها. فضلاً عن ذلك، فمن المتوقع أن تحتوي على نقطة كثيفة بلا حدود حيث ينهار فهمنا للفيزياء، ولا يصبح لأي شيء أي معنى.

هذا قبل أن نصل حتى إلى مفارقة معلومات الثقب الأسود (black hole information paradox). فإذا كان للثقب الأسود كتلة (وهو يمتلك الكثير منها)، فلابد أن تكون له درجة حرارة وفقاً للقانون الأول للديناميكا الحرارية. ووفقاً للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، فلابد أن يشع حرارة. وقد أظهر ستيفن هوكينج أن الثقوب السوداء لابد أن تصدر إشعاعاً، يُطلق عليه الآن إشعاع هوكينج، يتشكل عند حدود الثقب الأسود.

ثم أشار هوكينج إلى مفارقة. فإذا كان الثقب الأسود قادراً على التبخر، فإن جزءاً من المعلومات التي يحتويها يضيع إلى الأبد. إن المعلومات الواردة في الإشعاع الحراري المنبعث من الثقب الأسود غير كافية؛ فهي لا تلخص المعلومات حول المادة التي ابتلعها الثقب الأسود سابقاً.

إن الخسارة التي لا يمكن استرجاعها للمعلومات تتعارض مع أحد الافتراضات الأساسية لميكانيكا الكم. ووفقاً لمعادلة شرودنجر، فإن الأنظمة الفيزيائية التي تتغير بمرور الوقت لا يمكنها إنشاء أو تدمير المعلومات، وهي الخاصية المعروفة باسم الوحدة (unitarity).

باختصار، هناك شيء لا نفهمه، وقد عمل علماء الفيزياء بشكل متماسك منذ وصف كارل شوارزشيلد لأول مرة ثقباً أسود غير دوار في عام 1915 لإزالة هذه المشاكل.

فرضية “النجم المتجمد”

اقترح بعض علماء الفيزياء تفسيرات بديلة للثقوب السوداء. أحد النماذج هو أنها ليست الثقوب السوداء التي وصفها أينشتاين لأول مرة (على الرغم من أن فكرة الثقوب السوداء تسبق أينشتاين بأكثر من 100 عام) ولكنها أجسام فائقة الصغر (UCOs) تسمى “النجوم المتجمدة”.

ووفقا لهذا النموذج البديل، فإن الثقوب السوداء ليست نتيجة لانهيار الجاذبية، بل هي أجسام تحاكي خصائص الثقوب السوداء. ولكنها تفتقر إلى التفردات (singularities)، مما يعني أنها لن تحتوي على نقطة ذات كثافة لا نهائية، وبدلاً من ذلك ستتميز بـ “الضغط الكمي” الذي يمنع الانهيار.

تعتمد هذه الفكرة على مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، والذي ينص على أنه كلما زادت معرفتك عن موضع الجسيم، قلّت معرفتك بزخمه. في سياق الثقوب السوداء، هذا يعني أن الجسيمات ستقاوم الضغط عليها في نقطة محددة، مما يولد نوعًا من “الضغط الكمي” الذي يدفع إلى الخارج ويمنع التفرد.

الآثار المترتبة على هذه الفرضية عميقة. إذا كانت “النجوم المتجمدة” موجودة، فإنها تشير إلى الحاجة إلى تعديل نظرية النسبية العامة لأينشتاين بشكل كبير وجوهري. في حين أن فرضية “النجم المتجمد” لا تزال مفهومًا رياضيًا، إلا أنها تقدم لمحة محيرة عن حل محتمل للمشاكل القديمة المرتبطة بالثقوب السوداء التقليدية.

فهذا يعني أن المعلومات لا تُفقد إلى الأبد، كما كان يُعتقد سابقًا. حيث يشير نموذج النجم المتجمد إلى أن المعلومات محفوظة، وإن كانت في شكل مشوش للغاية، ومن المحتمل استرجاعها.

الثقوب السوداء نجوم متجمدة

خصائص النجوم المتجمدة تختلف عن الثقب الأسود

يتناول النموذج البوليمري فكرة أن داخل أي كائن منتظم يمكن أن يحاكي الثقب الأسود يجب أن يكون في حالة غير كلاسيكية قوية. يعتمد ذلك على مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، الذي يمنع انهيار المادة إلى نقطة تفرد. بعبارة أخرى، تشبه هذه الحالة غير الكلاسيكية حالة ذرة الهيدروجين، التي لا تنهار بسبب الاستقرار الكمي.

وتشير الحالة غير الكلاسيكية القوية إلى وجود كثافة قصوى من الإنتروبيا، مما يعني ضغطًا شعاعيًا إيجابيًا للغاية في حالة كثافة طاقة ثابتة. والنموذج الخاص بالنجوم المتجمدة يسعى لمحاكاة خصائص هذه الحالة الكمية العالية من حيث الهندسة الكلاسيكية، مما يعني تحويل الضغط الشعاعي من إيجابي إلى سلبي.

هذا البديل المستلهم من نظرية الأوتار، الذي تم استكشافه رياضيًا في الورقة البحثية، يصف ثقوبًا سوداء تشبه تلك التي نعرفها، من الإشعاع الحراري إلى الإنتروبيا، لكن بدون التفردات التي تسبب العديد من المشكلات في الفهم.

كما يقترح هذا النموذج أن “النجوم المتجمدة” قد تحتوي على “جدار حماية” في داخلها في حالة مثارة للغاية، مما يمنع الانهيار الإضافي. الأهم من ذلك، يمكن ملاحظة الاختلافات في المستقبل من خلال اكتشافات موجات الجاذبية الناتجة عن تصادم الثقوب السوداء.

على الرغم من أن هذه الأفكار مثيرة للاهتمام، فإن هناك حاجة لمزيد من البحث لوصف داخل هذا النموذج البديل قبل إجراء أي اختبارات أو الوصول إلى استنتاجات.

هل يمكن لـ “النجوم المجمدة” أن تحدث ثورة في فهمنا؟

قد تؤدي هذه الفرضية إلى حقبة جديدة من أبحاث الفيزياء الفلكية، حيث يمكن للعلماء استكشاف أسرار الثقوب السوداء بشكل لم يسبق له مثيل. مع “النجوم المتجمدة”، قد يتمكن الفيزيائيون أخيرًا من التوفيق بين قوانين ميكانيكا الكم وقوانين النسبية العامة، مما يؤدي إلى حل واحدة من أعظم المفارقات في الفيزياء الحديثة.

علاوة على ذلك، فإن الآثار المترتبة على “النجوم المتجمدة” تمتد إلى ما هو أبعد من مجال أبحاث الثقوب السوداء. حيث يمكنهم تسليط الضوء على طبيعة الزمكان نفسه، وكشف أسرار حول اللحظات الأولى للكون وتطور المادة.

ومع استمرار العلماء في استكشاف هذا النموذج البديل، فقد يكشفون عن رؤى جديدة حول القوانين الأساسية للفيزياء، وإعادة كتابة الكتب المدرسية وإعادة تشكيل فهمنا للكون.

المصادر

Are Black Holes Really “Frozen Stars”? New Paper Suggests They Might Be | iflscience

Thermodynamics of frozen stars | physical review D

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فضاء فلك

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 345
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *