الأدب العالمي

لا يمكننا أن ننكر أن الأدب العالمي كان وسيلتنا لمعايشة وفهم ثقافات مختلفة كانت في منأى عنا جغرافيًا وثقافيًا، أغلبنا قرأ بالفعل أعمال أدبية من الشرق والغرب، وتلك الأعمال الإنسانية ساهمت ولو بشكل قليل في سد الفجوة المعرفية بيننا كبشر مختلفي الثقافات والانتماءات. 

في هذا المقال سنتحدث أكثر عن تاريخ مصطلح الأدب العالمي وعن نشأته وعمن صاغه وقدمه إلى العالم.

صياغة مصطلح الأدب العالمي

طالما كان الأدب هو نافذتنا نحو المعرفة والفهم العميق للنفس البشرية، ومن الفهم ينبع التقبل، تقبل الاختلافات والتي نشأت مع تنوع البيئات على أرضنا. الأدب العالمي موجود منذ وجود هذا التنوع الثقافي والحضاري بيننا، ولكنه صيغ كمصطلح في عام ١٨٢٧ على يد الأديب الألماني يوهان فون غوته.

يوهان فون غوته

يعد يوهان فون غوته من أشهر الأدباء الألمان وأكثرهم إثراء للأدب الألماني والعالمي على حد سواء، والذي كتب أعمال أدبية مميزة تنوعت ما بين الروايات والمسرحيات والأشعار.

كما أنه كان رجلًا واسع المعرفة والقراءة، فكان شغوفًا بتعلم اللغات مما مكنه من قراءة الأعمال الأدبية بلغتها الأم، ومن أشهر أعماله هي مسرحية فاوست والتي تجسدت في عدة أعمال سينمائية حول العالم، وتم اقتباسها كذلك في أعمال أدبية.

لقطات من حياة غوته

ولد غوته في ٢٨ أغسطس عام ١٧٤٩ في مدينة فرانكفورت، وفي طفولته احتلت فرنسا مدينته وخسرت عائلته منزلها مما ترك في نفسه بالغ الأثر، فيما بعد التحق غوته بكلية الحقوق وأكمل دراسته فيها.

بعدها حصل غوته على شهادته في الحقوق عام ١٧٧١، والتحق بالسلك القضائي مما ساعده على توطيد علاقته مع رجال الدولة والسلطة. في مختلف مراحل حياته كان غوته مستمرًا في الإنتاج الأدبي.

غوته و قلعة فايمار

من المحطات المهمة في حياة غوته هي حياته في قلعة فايمار، ففي عام ١٧٧٤ تعرف غوته على دوق مقاطعة فايمار والذي طلب منه أن يكون من ضمن حاشيته وبالفعل وافق غوته على ذلك، وسافر للعيش في قلعة فايمار.

بعد فترة عينه الدوق مسئولًا ماليًا، فأحدث غوته العديد من التغيرات على مقاطعة فايمار، واهتم أكثر بالمسرح والأدب.

يوهان بيتر أكرمان ومحادثاته مع غوته

كان الشاعر الألماني يوهان بيتر أكرمان سببًا في معرفتنا لمصطلح الأدب العالمي، وذلك لأنه سجله في محادثاته مع غوته، فيما بعد نشر تلك المحادثات في كتاب، وهذا الكتاب من أشهر كتابات أكرمان.

رحلة أكرمان إلى غوته

كان أكرمان طالب في كلية الحقوق ولكنه مع ذلك كان شغفوفًا بالأدب والشعر، في إحدى المرات رشح له صديق إحدى أعمال غوته، ذُهل أكرمان من أعمال غوته، وقرر أن يراسل غوته ليكون معلمه ومرشده في طريقه الأدبي، وقتها كان غوته في عامه ٧٣.

بالفعل ترك أكرمان كلية الحقوق، ولكنه كان فقيرًا ولم يستطع تحمل تكاليف السفر، فسار على قدميه لمدة أسبوعين حتى وصل إلى فايمار.

ظل أكرمان يتردد على بيت غوته طوال السنوات التسع الأخيرة من حياة غوته، كما أنه عمل لديه كسكرتير، وتقريبًا سجل أكرمان أغلب محادثاته مع معلمه ونشرها في كتابه (محادثات مع غوته).

تأثر غوته بالأدب الشرقي

كان غوته شغوفًا بالأدب الصيني، وكان قارئًا نهمًا للترجمات القليلة لتلك المؤلفات، وكان دائمًا يرى ضرورة إنتاج المزيد من الترجمات لهذه الأعمال.

كما أنه تأثر بالشعر الفارسي، وظهر ذلك في إحدى دواوينه والذي ذكر فيها الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي، كما أنه كان واسع الإطلاع على الأدب العربي والشعر العربي على وجه الخصوص، فقرأ فيه الكثير، وحاول ترجمته إلى الألمانية.

كل تلك القراءات المختلفة جعلته يدرك أهمية نشر الآداب المختلفة، ومنها الأدب الشرقي ويعرفه للإنسان الغربي.

أشهر أعمال الأدب العالمي

هناك العديد من الأعمال الأدبية العالمية والتي نالت شهرة واسعة والتي تناولنا بعضها في مقالات أخرى مثل ملحمة جلجامش من قلب الحضارة السومرية، وملحمة الإلياذة والأويسة من الحضارة اليونانية القديمة، وغيرها من الأعمال الأدبية القديمة والحديثة، والتي غيرت مفهومنا عن بعضنا البعض، ومنحتنا رؤية مختلفة للحضارات والثقافات.

الخاتمة

ربما ينال غوته الفضل في صياغته لهذا المصطلح أي مصطلح الأدب العالمي، ولكن الفضل يرجع لفعل الكتابة نفسه وتوثيقها للقصص الإنسانية على مر العصور وفي مختلف بقاع الأرض.

المصادر

www.britannica

سلسلة من روائع الأدب العالمي١..ملحمة جلجامش

إن ملحمة جلجامش من روائع الأدب العالمي ومن أقدم النصوص الدينية المعروفة حتى الآن، والتي كُتبت على ألواح من الطين عن ملك يبحث عن الخلود.

تأثر بها العديد من الأدباء من مختلف بقاع الأرض في كتاباتهم، كما أنها تحتوي على بعض القصص الدينية مثل قصة الطوفان. في هذا المقال سنتحدث عن تلك الملحمة وعن اكتشافها وترجمتها وتقديمها للعالم من جديد.

سقوط المملكة الأشورية

مع سقوط المملكة الأشورية في يد تحالف من البابليين والميديين في عام 612 قبل الميلاد، أُحرقت العديد من المدن الأشورية ومن ضمنها العاصمة نينوى والتي كانت تضم مكتبة عظيمة، أسسها الملك (أشوربانيبال) ما بين عامين (668-627) قبل الميلاد.

ضمت تلك المكتبة كل عمل أدبي وجده الملك أشوربانيبال لبلاد ما بين النهرين، كتبت تلك الأعمال بالكتابة المسمارية على ألواح طينية.

عند حرق المكتبة لم تتلف تلك الكتابات، ولكن مع دمار مباني المكتبة دفنت تلك الأعمال الأدبية لأكثر من 2000 عام حتى اكتشفها علماء الآثار من جديد في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

اُكتشفت ملحمة جلجامش في عام 1849 من قبل المستكشف الإنجليزي وعالم الآثار (أوستن هنري لايارد) وعالم الآثار العراقي (هرمز رسام)، وعُثر على اثنتي عشر لوحًا طينيًا باللغة الأكادية في حطام مكتبة أشوربانيبال.

جورج سميث وترجمة قصة الطوفان في ملحمة جلجامش

كان (جورج سميث) عالم آشوريات إنجليزي يعمل في المتحف البريطاني، والذي ساعد في فك رموز الألواح السومرية والتي بدأت تصل إلى المتحف البريطاني في لندن، وأثناء فحصه بعض الألواح من ملحمة جلجامش وجد جزء من قصة الطوفان.

أدى نشره لمقال عن اكتشافه إلى جعل المتحف يرسل بعثة إلى مدينة نينوى ليعثر على الجزء المفقود من قصة الطوفان والتي تتشابه مع نفس القصة في الكتاب المقدس.

أصل قصة ملحمة جلجامش

إن ملحمة جلجامش في الأصل عبارة عن قصائد سومرية والتي ترجمت فيما بعد إلى اللغة الأكادية وكُتبت عن الملك التاريخي الذي حكم الأورك أو الوركاء والتي تقع في العراق والذي يرجح أنه حكم ما بين 2800-2500 قبل الميلاد.

الملحمة تحكي عن (جلجامش) وهو ملك يافع لمدينة الوركاء، والدته هي الإلهة (نينسون) ووالده هو الملك (لوغالبندا) مما يجعله نصف إله.

لكنه كان ملك قاسي ومتعجرف، دومًا ما يستعرض قوته الجسدية ويتحدى الجميع، كما أنه يعطي لنفسه الحق في ممارسة الجنس مع كل العرائس الجدد.

مما جعل أهل المدينة يطلبون العون من إله السماء (أنو) ليساعدهم في محنتهم مع ملكهم الشاب جلجامش.

أرسلت الألهة لأهل مدينة الوركاء رجلًا يعيش في البراري (إنكيدو) ليتحدى جلجامش، وعندما عرف جلجامش بأمره أرسل إليه كاهنة المعبد (شمحات) والتي أغوته وعلمته كيف يتصرف كالبشر بعد طول رفقته مع الحيوانات في البراري.

بعد ذلك ذهب إنكيدو إلى مدينة الوركاء وألتقى جلجامش وتقاتلا ولكن جلجامش انتصر عليه، وبعدها أصبح جلجامش وإنكيدو صديقين وبدأ فصل جديد من مغامرتهما المشتركة.

مغامرة غابة الأرز وموت إنكيدو

فيما بعد يذهب جلجامش ومعه صديقه إنكيدو ليقتلوا حارس غابة الأرز الشيطان الرهيب (هومبابا) وذلك ليقطع تلك الغابة المقدسة ويبني من أشجارها بيوتًا في مدينة الوركاء، بعد انتصارهم في مهتمتهم، تحاول الإلهة (عشتار) إغواء جلجامش ولكنه يرفضها مذكرًا إياها بما فعلته في زوجها تموز وفي كل عشاقها من قبله!

تغضب عشتار من رفض جلجامش لها وتطلب من أبيها الإله (آنو) أن يرسل ثور من السماء ليصارع جلجامش وإنكيدو، ولكن الصديقان ينتصران من جديد.

تغضب جميع الألهة ويقرروا معاقبة جلجامش بقتل صديقه والذي يموت بالفعل، تاركًا وراءه جلجامش حزينًا ومحطمًا ففي النهاية عرف أنه بشرًا قابل للفناء كما حدث لصديقه.

لكنه يقرر أن يصير خالدًا، فيبدأ رحلته الجديدة بحثًا عن الخلود.

البحث عن الخلود

مثقلًا بمعرفة حتمية الموت وحزنه على صديقه، يبدأ جلجامش رحلته بحثًا عن الخلود وعن الكاهن الخالد (أوتنابيشتيم) والذي نجى من الطوفان العظيم، وبعد رحلة شاقة يصل أخيرًا إلى أوتنابيشتيم، ويحكي له كيف حذره الأله إيا من الطوفان، وكيف بنى سفينة ونقل فيها العديد من الحيوانات المختلفة، وأنه أنقذ نفسه وأفراد أسرته من الموت ومن فناء البشرية.

ليكن خالدًا طلب منه أوتنابيشتيم أن يظل مستيقظ لستة أيام ولكن جلجامش فشل في ذلك، وبعد ذلك طلب منه مهمة أخيرة وهي أن يحضر نبات سحري يعيد الشباب من أعماق البحر.

بالفعل يحصل عليه جلجامش بعد عناء، لكنه يقرر استخدام النبات السحري على أحد الشيوخ في مدينته قبل أن يستخدمه.

لكن أثناء اغتساله في النهر تسرق إحدى الأفاعي النبات وتتناوله، وفي نفس اللحظة التي تتناول فيها الأفعى النبتة تغير جلدها، ويخسر جلجامش الخلود الذي بحث عنه!

العودة إلى الوركاء

يعود جلجامش إلى مدينته من جديد خائبًا بعد فشله في الحصول على الخلود ولكن تلك الرحلة غيرت فيه الكثير، فعاد إلى مدينته كملك صالح وقرر أن يخلد نفسه ولكن بأعماله، وبالفعل حكم بلاده بالعدل إلى أن توفى.

يقول بعض المؤرخين أن جلجامش بعد عودته من رحلته أنه هو من كتب قصته ومغامراته على حجر كبير بالقرب من أبوابه مدينته، وهناك عدد كبير من الكتاب الغير معروفين على مر الزمن والذين نقلوا قصته بجد على الألواح حتى تصل إلى عالمنا الحديث.

كما أنه خلد ذكراه بأعظم اختراع في عصره وهو الكتابة!

سر روعة ملحمة جلجامش

ليست القصة ومضمونها فحسب سر روعة الملحمة بل اللغة المكتوبة بها، ورغم أنها من أقدم النصوص الأدبية على الأرض فلم يكون هناك أعمال أدبية لتستقي أسلوبها منه.

إلا أنها كانت قوية اللغة مما جعلها من أهم الأعمال الأدبية. كما أنها مكتوبة على ألواح طينية والتي كانت تمثل حضارة تلك البلاد وقتها، فتقريبًا كانت كل البيوت وغيرها من الأدوات من الطين.

الملحمة في العصر الحديث

تم اقتباس الملحمة في العديد من الأعمال الأدبية حول العالم، كما أنها أقدم من الملحمة التاريخية اليونانية الإلياذة والأوديسة.

وفي عام 2000 كتب الرئيس العراقي السابق صدام حسين رواية مستوحاة من ملحمة جلجامش ومن قصص ألف ليلة وليلة. اسم الرواية هو زبيبة والملك، وفيما بعد تناول النقاد القصة وإسقاطاتها السياسة على العراق وقتها، كما تحولت الرواية إلى فيلم أمريكي.

الخاتمة

مضت العديد من السنوات على كتابة هذه الملحمة واكتشافها وإعادة تقديمها للعالم إلا أنها تظل من أقدم وأجمل النصوص التي عرفتها البشرية، والتي تعرف العالم من خلالها على حضارة بلاد ما بين النهرين.

المصادر

Exit mobile version