Ad

اكتشفت بياتا هالاسي في عام 2020، وهي في التاسعة والأربعين من عمرها، أنها مصابة بسرطان الثدي في موقع استئصال الثدي السابق. وكان هذا هو الانتكاس الثاني في نفس المكان منذ استئصال ثديها الأيسر، ولم تتمكن من مواجهة نوبة أخرى من العلاج الكيميائي. حيث لجأت لعلاج السرطان بالفيروسات.

وأخذت العالمة بياتا هالاسي، عالمة الفيروسات في جامعة زغرب، الأمور على عاتقها حيث لجأت إلى علاج غير مثبت يسمى العلاج بالفيروس المحلل للورم (OVT)، حيث يتم حقن فيروسات مخبرية في الورم لمحاربة السرطان. وأثار قرارها الاهتمام والجدل، وأثار تساؤلات حول أخلاقيات التجريب الذاتي.

ويوضح تقرير حالة نُشر في مجلة (Vaccines) في أغسطس كيف قامت هالاسي باستخدام الفيروس المحلل للورم للمساعدة في علاج سرطان المرحلة الثالثة لديها. وهي الآن خالية من السرطان منذ أربع سنوات.

تاريخ موجز للعلاج بالفيروس المحلل للورم

إن فكرة استخدام الفيروسات لمكافحة السرطان ليست جديدة. في الواقع، يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين، عندما لاحظ الأطباء أن بعض مرضى السرطان الذين أصيبوا بالعدوى الفيروسية، مثل الأنفلونزا أو الحصبة، شهدوا تحسن مؤقت. وأثار هذا فضولًا حول قدرة الفيروسات على استهداف الخلايا السرطانية وتدميرها بشكل انتقائي.

في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بدأ الباحثون في استكشاف مفهوم العلاج بالفيروس المحلل للورم (OVT)، باستخدام الفيروسات لمهاجمة الخلايا السرطانية. ومع ذلك، فقد قوبلت المحاولات الأولية بنجاح محدود، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم فهم التفاعلات المعقدة بين الفيروسات وجهاز المناعة.

لقد مكّن التقدم في الهندسة الوراثية وعلم الفيروسات العلماء من تطوير أساليب أكثر تعقيدًا واستهدافًا للعلاج بالفيروس المحلل للورم. وبدأ الباحثون في هندسة الفيروسات لإصابة الخلايا السرطانية وقتلها بشكل انتقائي، مع الحفاظ على الخلايا السليمة.

وكانت إحدى أولى قصص نجاح العلاج بالفيروس المحلل للورم هي تطوير “T-VEC”، وهو فيروس هربس معدل وراثيًا يستهدف خلايا سرطان الجلد. في عام 2015، أصبح “T-VEC” أول علاج بالفيروس المحلل للورم يحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج سرطان الجلد النقيلي. ولكن لا توجد حتى الآن أي أدوية للعلاج بالفيروس المحلل للورم معتمدة لعلاج سرطان الثدي في أي مرحلة، في أي مكان في العالم.

خطوة بياتا هالاسي الجريئة

اختيار الفيروسات بدقة

يكمن نجاح العلاج بالفيروس المحلل للورم في قدرته على تسخير قوة الفيروسات لمهاجمة الخلايا السرطانية مع تحفيز الجهاز المناعي في الوقت نفسه للهجوم. وقد اختارت هالاسي استهداف ورمها بفيروسين مختلفين على التوالي، وهما فيروس الحصبة يليه فيروس التهاب الفم الحويصلي (VSV). ومن المعروف أن كلا الفيروسين يصيبان نوع الخلية التي نشأ منها الورم، وقد تم استخدامهما بالفعل في التجارب السريرية للعلاج بالفيروس المحلل للورم. كما تم اختبار فيروس الحصبة ضد سرطان الثدي النقيلي.

كانت هالاسي تتمتع بخبرة سابقة في التعامل مع الفيروسين، وكلاهما يتمتع بسجل جيد من حيث السلامة. حيث تُستخدم سلالة الحصبة التي اختارتها على نطاق واسع في لقاحات الأطفال، وتؤدي سلالة فيروس التهاب الفم الحويصلي، في أسوأ الأحوال، إلى ظهور أعراض خفيفة تشبه أعراض الأنفلونزا.

حقن الفيروسات لمحاربة السرطان

عندما قررت الدكتورة بياتا هالاسي حقن فيروسات مخبرية في الورم الذي تعاني منه، أدركت أنها تخاطر. ولكن باعتبارها عالمة فيروسات، كانت واثقة من فهمها للفيروسات وقدرتها على مهاجمة الخلايا السرطانية. ولم يتم اتخاذ قرار التجريب الذاتي باستخفاف، لكن هالاسي شعرت أنه ليس لديها خيار آخر، ولجأت إلى العلاج بالفيروس المحلل للورم.

وعلى مدى شهرين، أدار أحد الزملاء نظاماً علاجياً باستخدام مادة مخصصة للأبحاث (research-grade material) أعدتها هالاسي حديثاً، وحقنتها مباشرة في ورمها. كما وافق أطباء الأورام على مراقبتها أثناء العلاج الذاتي، حتى تتمكن من التحول إلى العلاج الكيميائي التقليدي إذا ساءت الأمور.

إن المواد المخصصة للبحث هي مواد أو معدات مصممة للاستخدام في البحث العلمي. حيث تتميز بمستويات عالية من النقاء والدقة والموثوقية، وهي ضرورية للحصول على نتائج تجريبية دقيقة وقابلة للتكرار.

علاج السرطان بالفيروسات

نتائج مبشرة

وقد بدا أن هذا النهج فعّال. فخلال فترة العلاج، ودون أي آثار جانبية خطيرة، انكمش الورم بشكل كبير وأصبح أكثر ليونة. كما انفصل عن العضلة الصدرية والجلد الذي كان يغزوه، مما يجعل إزالته جراحيًا أمرًا سهلاً.

وأظهر تحليل الورم بعد إزالته أنه كان مخترقًا بالكامل بخلايا مناعية تسمى الخلايا الليمفاوية، مما يشير إلى أن العلاج عمل كما هو متوقع واستفز جهاز المناعة لدى هالاسي لمهاجمة الفيروسات وخلايا الورم. وبعد إجراء الجراحة، تلقت علاجًا لمدة عام باستخدام عقار التراستوزوماب المضاد للسرطان.

المعضلة الأخلاقية

أثار العلاج المذهل الذي أنقذ حياة بياتا هالاسي نقاشات حول أخلاقيات التجريب الذاتي. وفي حين لعبت شجاعة هالاسي وخبرتها بلا شك دورًا في نجاحها، فإن قرارها بتجريب علاج غير مثبت ذاتيًا يثير تساؤلات مهمة حول حدود التجارب الطبية. لقد شعرت هالاسي بمسؤولية تجاه نشر نتائجها. ولكنها تلقت أكثر من اثنتي عشرة رسالة رفض من المجلات العلمية. ويرجع هذا في الأساس، على حد قولها، إلى أن البحث الذي شاركت في تأليفه مع زملاء لها تضمن تجارب ذاتية.

إن المشكلة لا تكمن في أن هالاسي استخدمت التجريب الذاتي بحد ذاتها، بل إن نشر نتائجها قد يشجع الآخرين على رفض العلاج التقليدي ومحاولة شيء مماثل. وقد يكون الأشخاص المصابون بالسرطان أكثر عرضة لتجربة علاجات غير مثبتة.

ومع ذلك، يلاحظ أنه من المهم أيضًا ضمان عدم ضياع المعرفة التي تأتي من التجريب الذاتي. ويؤكد البحث على أن العلاج الذاتي بالفيروسات المقاومة للسرطان “لا ينبغي أن يكون النهج الأول” في حالة تشخيص الإصابة بالسرطان.

ولا تندم هالاسي على علاج نفسها، أو سعيها الحثيث لنشر أبحاثها. وهي تعتقد أنه من غير المرجح أن يحاول أحد تقليدها، لأن العلاج يتطلب قدرًا كبيرًا من المعرفة والمهارة العلمية.

وقد أعطت هذه التجربة أبحاثها اتجاهًا جديدًا. ففي سبتمبر حصلت على تمويل للتحقيق في علاج السرطان في الحيوانات الأليفة عن طريق العلاج بالفيروس المحلل للورم. حيث تحول تركيز مختبرها تمامًا بسبب تجربتها الإيجابية مع علاجها الذاتي.

المصادر

This scientist treated her own cancer with viruses she grew in the lab | nature

An Unconventional Case Study of Neoadjuvant Oncolytic Virotherapy for Recurrent Breast Cancer | mdpi

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء صحة طب

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 451
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *