Ad

إن العالم على شفا أزمة كارثية. حيث حذر تقرير جديد صادر في 17 أكتوبر عن اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه (The Global Commission on the Economics of Water) من أن أكثر من نصف إنتاج الغذاء في العالم معرض لخطر الانهيار خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة بسبب أزمة المياه العالمية المتزايدة. وهذه ليست مجرد كارثة تلوح في الأفق؛ إنها قنبلة موقوتة يمكن أن يكون لها تأثير مدمر على البشرية والبيئة. للمرة الأولى في تاريخ البشرية، نحن نقوم بالإخلال بتوازن دورة المياه. حيث لم يعد من الممكن الاعتماد على هطول الأمطار، وهو مصدر كل المياه العذبة، بسبب تغير المناخ واستخدام الأراضي الناجم عن أنشطة الإنسان، مما يقوض أساس رفاهة الإنسان والاقتصاد العالمي. وتجمع اللجنة، التي أنشأتها هولندا عام 2022، عشرات من العلماء والاقتصاديين لتقييم الأزمة الحالية واقتراح حلول للسياسيين.

الإخلال بتوازن دورة المياه

غالبًا ما يرتبط تغير المناخ بارتفاع درجات الحرارة وذوبان الأنهار الجليدية والظواهر الجوية المتطرفة. ومع ذلك، فإن تأثيرها على دورة المياه العالمية هو جانب أقل شهرة ولكنه بالغ الأهمية لهذه الأزمة. ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، يحدث إخلال بتوازن دورة المياه، مما يؤدي إلى تغيرات في توافر المياه وتوزيعها.

إن الأمر يشبه دلو ماء عملاق به فتحات بأحجام مختلفة، حيث يرتبط معدل تدفق المياه إلى الداخل والخارج بشكل معقد. هذه هي في الأساس دورة المياه على الأرض. الآن، دعنا نتخيل تغير المناخ كشخص مؤذي، يحدث ثقوبًا في الدلو ويغير تدفق المياه. وهذا يعطل الأنماط الطبيعية لهطول الأمطار، وتدفق الأنهار، وتغذية المياه الجوفية، مما يزيد من صعوبة إدارة الموارد المائية.

أحد أهم تأثيرات تغير المناخ على المياه هو تغير الأنهار الجوية، والتي تمثل ما يقرب من نصف هطول الأمطار التي تهطل على الأرض. هذه الأنهار هي ممر ضيق أو خيط من الرطوبة المُركزة في الغلاف الجوي. حيث توفر المياه التي تشتد الحاجة إليها للزراعة والصناعة والاستهلاك البشري. ومع تسبب تغير المناخ في تعطيل هذه الأنماط، فإن المناطق التي كانت غنية بالمياه تواجه الآن حالات جفاف شديدة، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي والاضطرابات الاجتماعية.

أزمة إنتاج الغذاء العالمية

يواجه العالم تحدياً هائلا يتمثل في إنتاج ما يكفي من الغذاء لعدد متزايد من السكان. في حين يكافح من أجل الحفاظ على المياه. إن ما يقرب من 3 مليارات شخص وأكثر من نصف الإنتاج الغذائي العالمي موجودون في مناطق تواجه “ضغوطًا غير مسبوقة” على موارد المياه الخاصة بهم. وهذا يعني أن أكثر من نصف إنتاج الغذاء في العالم معرض لخطر الانهيار خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة.

تعتبر فجوة المياه قضية حاسمة في إنتاج الغذاء، حيث تعد الزراعة أكبر مستهلك لموارد المياه العذبة. ويسلط التقرير الضوء على أن النهج الحالي لإدارة المياه غير مستدام، حيث يؤدي سوء إدارة الموارد المائية المستمر إلى تفاقم المشكلة.

لقد أصبح التأثير واضحا بالفعل، ومع غرق المدن بسبب فقدان المياه الجوفية، فمن المتوقع خسارة ما يصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و15% من الناتج المحلي الإجمالي للدول ذات الدخل المنخفض بحلول عام 2050. إن المدن تغرق بسبب الإفراط في استخراج المياه الجوفية مما يؤدي في النهاية إلى هبوط الأرض.

الإخلال بتوازن دورة المياه العالمية

عواقب خفض أسعار المياه

لعقود من الزمن، اعتمدت الحكومات على فكرة أن 50 إلى 100 لتر من الماء للشخص الواحد يوميًا يكفي للصحة والنظافة. ومع ذلك، تكشف اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه أن هذا التقدير أقل من الواقع بشكل كبير. إن الكمية الفعلية من المياه اللازمة لحياة كريمة تقترب من 4000 لترًا للشخص الواحد يوميًا، وهو فارق مذهل له آثار بعيدة المدى.

إن انخفاض أسعار المياه له عواقب وخيمة، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه بالفعل. عندما تكون المياه رخيصة، فإنها تشجع الاستهلاك المسرف، وتستفيد صناعات مثل مراكز البيانات ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم من الأسعار المنخفضة، مما يحول المياه بعيدا عن الاستخدامات الأساسية. وهذا يؤدي إلى إدامة الحلقة المفرغة لندرة المياه، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل أكبر.

علاوة على ذلك، يسلط التقرير الضوء على أن النهج الحالي لإدارة المياه يركز في المقام الأول على ما يسمى “بالمياه الزرقاء”، وهي المياه الموجودة في الأنهار والبحيرات وطبقات المياه الجوفية، في حين يهمل “المياه الخضراء” الحيوية وهي المياه الموجودة في التربة والنباتات. ولهذا آثار مدمرة على مناطق مثل الهند والصين وروسيا وأوروبا، والتي تعتمد بشكل كبير على تدفق المياه الخضراء.

إطلاق العنان للحلول من أجل مستقبل مستدام

الخبر السار هو أن لدينا الحلول. ومن خلال تقييم المياه بشكل صحيح، والاستثمار في التقنيات الموفرة للمياه، وتبني ممارسات مستدامة، يمكننا ضمان مستقبل حيث لم تعد المياه سلعة نادرة.

ومن خلال إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، واستعادة الموائل الطبيعية، والتحول إلى الأنظمة الغذائية القائمة على النباتات، يمكن توزيع المياه بكفاءة وعدالة أكبر. إنه مستقبل لا تغرق فيه المدن بسبب استنزاف المياه الجوفية، وحيث يزدهر الاقتصاد العالمي بسبب إدارة المياه.

إن أزمة المياه العالمية مأساة، لكنها أيضًا فرصة لتحويل اقتصاد المياه، والبدء بتقييم المياه بشكل صحيح حتى نتمكن من إدراك ندرتها والفوائد العديدة التي تقدمها.

المصدر

‘Precipitation, the source of all fresh water, can no longer be relied upon’: Global water cycle pushed out of balance ‘for 1st time in human history’ | live science

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 395
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *