Ad

يصعب علينا في العصر الحديث ذكر سردية تاريخية واضحة ودقيقة لنشأة البشر في أي مكان جغرافي على وجه الأرض. ويرجع ذلك لعدة تحديات تواجه علماء التاريخ، وأبرزها هيمنة الأيدولوجيات القومية والدينية على السردية التاريخية. كما أن الموروثات الأدبية والتي هي واحدة من المراجع التاريخية تعزز الحكايات الأسطورية عن تلك الواقعية. ومن هنا نفهم مدى صعوبة تحديد بداية تاريخ كوريا قبل الميلاد، فواحدة من تلك الأساطير الأكثر شيوعًا في تاريخ كوريا هي أسطورة «سيد السماء-الملك دانغون». والتي راجت كونها بداية لمملكة «كوغوسون» أقدم مملكة كورية توصل لها العلماء والتي مهدت بعد ذلك الطريق لنشأة الممالك الثلاث.

كان لعلم الآثار دور بارز في مساعدة علماء التاريخ في تصنيف تاريخ العالم ومنها تاريخ كوريا إلى عدة عصور. وذلك عن طريق دراسة الآثار والأدوات والمباني التاريخية. وقد قسمت كوريا بالفعل إلى عدة عصور يرجح أنها بدأت منذ 700 ألف سنة. حيث بدأ البشر باستيطان شبه الجزيرة الكورية ومنشوريا في العصر الحجري القديم.

ويظهر ذلك في بعض المواقع الأثرية في كوريا ككهف «كومون مورو» وغيره، وقد عثر فيه على بعض قرون الحيوانات والأحجار المكسرة المستخدمة في البناء. وهي الأدوات التي صنفت على أنها دليل لبداية كوريا في العصر الحجري القديم. ومن العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث، حيث ازداد استقرار البشر وتكونت التكتلات العشائرية في تلك الرقعة الجغرافية والتي ستعزز لاحقًا تكون الممالك. [1]

كوريا قبل الميلاد

العصر البرونزي ونشأة مملكة كوغوسون

يعتبر بداية العصر البرونزي لمملكة كوريا القديمة الواقعة في كلٍّ من شبه الجزيرة الكورية ومنشوريا تقريبًا بـ15 قرن ق.م. حيث عاشت عدة قبائل وتوسعت على حساب بعضها البعض، كانت إحدى تلك القبائل تعبد الدببة، والأخرى تعبد السماء. وقد تصادمت القبيلتان حتى توصلا إلى دمج قواهما تحت لواء «دانغون وانغوم»، وهو مؤسس مملكة كوغوسون. ويختلط هنا الواقع بالأسطورة، فلا يوجد دليل مادي على ذكر كوغوسون والتي يفترض تأسسها 2333 ق.م حتى 108ق.م. ورغم ذلك فتلك الأسطورة تمثل بداية التاريخ ورمزية هامة للهوية الكورية الحالية. [1،2]

تمركزت مملكة كوغوسون في «لياونينغ» في الصين وحوض نهر «داي دونغ» شريان الحياة لشبه جزيرة كوريا. توارث الحكم فيها جيلًا بعد جيل في مملكة كوغوسون. وفي نهاية القرن 3 ق.م تعرضت الصين لتغير جذري في تاريخها حيث سقطت سلالة  «تشين» الصينية والتي قد حكمت لفترة وجيزة مملكة كوغوسون وحلت مكانها سلالة «هان». وكانت الأولى تتهاوى في الحكم لعدة أسباب أبرزها الطغيان واستنزاف موارد المملكة كبنائهم لسور الصين العظيم. أما الثانية فقد استفادت من أخطاء سابقتها وكانت أكثر لطفًا وتحالفًا مع جيرانها. [3]

مملكة ويمان تشوسون

خلال تقلبات الحكم في الصين اضطر العديد من اللاجئين الهرب جنوبًا نحو كوغوسون مما أدى إلى زعزعة استقرارها، بل واستطاع زعيمهم «ويمان» أن يعتلي حكم كوغوسون في عام 194 ق.م. وسمّاها «ويمان تشوسون» نسبة له. فازدهرت الحركة الزراعية والتجارية في المملكة واختلطت بالثقافة الصينية، وتأثر أدبها وتاريخها. بل واتسعت رقعة مملكته حتى طالت مملكة هان في الصين. والتي أرسلت بجيوشها إلى كوغوسون التي عانت مؤخرًا من الانقسامات الداخلية وأسقطتها بعد حرب ضارية استمرت لمدة عام. لتنهار عاصمة المملكة وتبعًا لها يستقل الكوريون بذاتهم ولكن تسقط كوغوسون وتبدأ بالتفكك إلى ممالك صغيرة في عام 108 ق.م حتى بدأ عصر الممالك الثلاث. [3،1]

الممالك الثلاث

بعد أن ضعفت كوغوسون وتفككت لعدة دول صغيرة، سيطرت مملكة بويو على الشمال، أما الجنوب فكان تحت حكم مملكة سامهان. ظهرت مملكة بويو في القرن الثاني قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي، ويعتقد أن مؤسس كوغوريو ينحدر من العائلة الملكية في بويو.

في كل عام، كان أهل بويو يجتمعون للاحتفال بـ”يونغ غو”. كانوا يقدمون الهدايا للإله، ويغنون ويرقصون، ويطلقون سراح الأسرى. [2،1] أما سامهان فقد كانت امتدادًا لبويو في الجنوب والتي ستتحول لاحقًا إلى مملكتي باكجي، شيلا. لم تكن مملكة سامهان موحدة، بل كانت عبارة عن تحالف فضفاض لعدة دويلات تتشارك الحياة الاجتماعية والدينية ذاتها. ولكن تستقل كلًّ منهم بحكمها. وكان لهم أعياد دينية خاصة. [3]

بدأت الممالك الثلاث في الظهور تباعًا واحدة تلو الأخرى، إما عن طريق تكون التحالفات السياسية أو الحروب والنزاعات الداخلية. وكانت الطليعة لمملكة كوغوريو الأكبر والأقوى حينها والتي يعتقد أنها السبب في التسمية الحالية لدولة كوريا الحديثة، ثم تبعتها في الجنوب كلٌّ من باكجي وشيلا. [3]

مملكة كوغوريو

يحكى أن مملكة كوغوريو تأسست على يد «غوجو مونغ» وهو أحد أبناء مملكة بويو قبل انهيارها، حيث هاجر جنوبًا. وأسس مملكته في عام 37 ق.م، ويختلف معهم المؤرخون المعاصرون بأنها تأسست في القرن الثاني ق.م ككيانٍ قبلي متحد.[1]

وفي خضم التحولات الجذرية التي شهدتها مملكة كوغوريو، استطاع حاكمها أن يجمع سكانها تحت لوائه، ويحل النزاعات الداخلية ليتمكن من تحقيق الاستقرار الداخلي ويقوم بتهيئة الدولة للتوسعات الخارجية. وقد تمكن بالفعل من تحقيق أهدافه تباعًا منذ النصف الثاني للقرن الأول وحتى أوائل القرن الرابع حيث تمكن حاكم كوغوريو أن يطرد أتباع سلالة هان الصينية من مملكته. [3،2]

ومع نهاية القرن الرابع الميلادي أنشأ الملك «سوسوريم» أول جامعة كورية وطنية وهي جامعة «تاي هاك» وتعني الجامعة العليا. وأدخل كذلك الديانة البوذية تأثرًا بشقيقتهم الصين إلى مملكته وأعتبرها الديانة الرسمية، مما عزز مركزية كوغوريو بين الممالك الثلاث. كما انتشرت الكونفوشيوسية التي تركز على تعليم الطاعة والأخلاق. [3،1]

 وامتدادًا لحكمه استطاع ابنه «غوانغ غاي دو العظيم» أن يتوسع شماًلا نحو الصين التي كانت تعاني من فترة تصدعات داخلية. وجنوبًا على حساب مملكتي باكجي وشيلا، كما صد العدوان الياباني على أراضيه. لتمتد جذور مملكته وتطال كل من حوله بما فيها أجزاء كبيرة من شرق الصين، حتى أصبحت المملكة الأكبر والأعرق بينهم. [2]

رسمة لمشهد صيد في مقبرة من آثار كوغوريو تعود إلى القرن الخامس الميلادي.wikipedia

عانت مملكة كوغوريو في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع من هجمات متوالية من كلٍّ من الصين شمالًا، ومملكة شيلا وباكجي جنوبًا. كما تحول البلاط الملكي إلى ساحة غدر ودسيسة بين الأسرة الحاكمة وحاشيتهم. لتسقط المملكة عقب ذلك وتصبح فيما بعد تابعة لمملكة شيلا الموحدة في عام 668م. [3،2]

مملكة باكجي

تأسست باكجي في عام 18 ق.م من تجمع سكان المنطقة الأصليين كما احتضنت الفارّين والمهاجرين من بويو وكوغوريو على ضفاف نهر هان. سيطرت مملكة باكجي على الأراضي المحيطة بنهر هان في منتصف القرن الثالث. واعتبر ذلك واحد من أعظم إنجازات الملك «غوي» وقد اكتملت صورة المملكة في عهده. تحالفت باكجي مع اليابان في فترات من حكمها لمساعدتها في التوسع على حساب مملكة كوغوريو ولكن لم يكن الأمر بتلك السهولة. وعلى الرغم من تأثر مملكة باكجي بالثقافة الصينية والديانة البوذية إلا أنها حافظت على استقلالها طوال فترة حكمها بعيدًا عن التحكمات الخارجية. [2]

اتسمت الحكومة في باكجي بالنظام والترتيب، حتى أنها قسمت نظامها الوزاري إلى ستة عشر درجة، وكان لقب أعلى تلك الدرجات هو «سانغجوابيونغ» حيث يتم انتخاب السَّانغجوابيونغ كل ثلاث سنوات، مما يعكس الديموقراطية التي سادت في المملكة. ليُضمن تجديد الدماء في الحكومة وتجنب الاستبداد. كما قسمت مناطق المملكة إلى خمس مناطق رئيسية، تأثرت بشكل تام بالثقافة والفنون الصينية. وبرز فيها الفن الناعم للعناصر البوذية، اتسمت فيها التماثيل بالنعومة والانسيابية حتى اشتهرت تماثيل بوذا المتبعة لتلك المدرسة الفنية ب «ابتسامة باكجي». [2]

في أواخر القرن الخامس تعرضت مملكة باكجي إلى هجمات من مملكة كوغوريو، لتستولي على بعض أراضيها وتجبرها على نقل عاصمتها جنوبًا. توالت هجمات مملكة كوغوريو مما اضطر مملكة باكجي أن تتحد مع مملكة شيلا لمحاولة صد العدوان واستعادة أراضيها. ولكن انتهى ذلك التعاون بخسارتهم أراضيهم في عام 660م لصالح مملكة شيلا الموحدة لاحقًا. [2]

مملكة شيلا

نشأت المملكة الأصغر بين الممالك الثلاث في عام 57ق.م على يد حاكمها «هيكوغوس» وكانت عبارة عن تجمع من سكان أراضيها الأصليين والمهاجرين والفارّين إليها من البلاد المجاورة. ازدهرت المملكة في منطقة «كيونغ جو» جنوب شرق شبه الجزيرة الكورية، وأصبحت عاصمة لها.

حُكمت مملكة شيلا من قبل عدة أسر متتالية وهم عائلات بارك وسوك وكيم. وتميز حكام شيلا بالحكمة والحنكة التي مكنتهم لاحقًا من توحيد شبه الجزيرة الكورية. كما امتاز نبلائها بالعمل المرموق، والثراء الفاحش حيث عثر علماء التنقيب على تيجان ذهبية مرصعة بالعاج والأحجار الكريمة تعود لفترة حكم شيلا. [2]

تاج ذهبي أثري مهم يعود إلى فترة مملكة شيلا، وقد تم اكتشافه في كيونغجو، كوريا الجنوبية. يعرض التاج حاليًا في متحف كيونغجو الوطني. flickr.com

برز توسع مملكة شيلا في نهاية القرن الرابع الميلادي، حيث استطاع الملك «ناي مول» السيطرة على الجزء الشرقي من أراضي نهر «ناكدونج» مما مكنهم من الاستفادة من أراضيها الزراعية ومواردها المائية. كما أبقى على قوات جيش كوغوريو، فساهموا معهم في صد العدوان الياباني وتحجيم الغزو المحتمل من مملكة باكجي.

وفي ظل حكم الملك «بيفونغ» في القرن السادس الميلادي، توسعت أراضي شيلا لتشمل النصف الشرقي من دولة غايا. بلغت المملكة أوج ازدهارها ورسخت أقدامها كقوة مؤثرة في شبه الجزيرة. وتحت حكم الملك «جينهونج» تأسس فيلق عسكري من شباب مدرّبين على أعلى مستوى مما ساعد في بسط نفوذ المملكة.[2]

مملكة شيلا الموحدة

ضمت مملكة شيلا جارتها مملكة «غايا» وهي مملكة صغيرة لا يتم ذكرها عادة مع الممالك الثلاث رغم وجودها بينهم، وتقع على حدود شيلا الغربية. وبعد حروب متتالية ومتباعدة، فرضت شيلا سيطرتها على غايا كليًّا في القرن السادس الميلادي. وتمكنت قوات شيلا المجهزة بأحدث الأسلحة والمدربة على أعلى مستوى من ضم مملكة باكجي في عام 660م. وتباعًا لها سيطرت على مملكة كوغوريو عام 668م بالتعاون مع سلالة تانغ الصينية. لتنقلب شيلا بعد ذلك بقرابة عقد من الزمان على سلالة تانغ الصينية وتخرجها من الأراضي الكورية. بعد ذلك، حازت شيلا على الأراضي الكورية كافة مستقلة وبدأ عهد جديد في تاريخ كوريا تحت لواء مملكة شيلا الموحدة. [1،2]

المصادر:


1- Egypt Korea Culture

2-Britannica.com

3- Historyfiles.co.uk

Yasmin Awad
Author: Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar

Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 36
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *