لطلما عُرفت الموسيقى بتأثيرها في البشر، لكن العديد العلماء والباحثين تحدّثوا أيضًا عن تأثير الموسيقى في باقي الكائنات الحية كالحيوانات، فتبيّن مثلًا أن الموسيقى الكلاسيكية حسّنت من سلوك الفئران وزادت من إنتاج الحليب البقري. أما النباتات فهي كائنات حية أيضًا، تتنفس وتنمو وتتكاثر، ولكنها لا تملك أذنين. إذن هل تؤثّر الموسيقى في نمو النبات؟ وإلى أي مدى؟
محتويات المقال :
استبعد الباحثون لسنين طويلة إمكانية تأثر النباتات بالموسيقى، كونها كائنات لا تملك جهازًا عصبيًا، فيصعب تلقيها للموسيقى أو تجاوبها معها. في المقابل، لاحظ آخرون تجاوب النبات للموسيقى، ودرسوا هذه الفرضية.
كان عالم النبات البنغالي “جاغاديش تشاندرا بوز -Jagadish Chandra Bose ” من أوائل الذين درسوا تأثر النبات بمختلف المؤثرات، ومنها الموسيقى في كتابه “Response in the living and non-living” (عام 1902) وفي كتابه “Plants response as a means of physiological investigation” (عام 1906). [1]
في العام 1962، قاد الدكتور سينغ ( Dr. T.C. Singh) وهو المسؤول عن قسم علم النبات في جامعة أنامالاي في الهند، مجموعة من الأبحاث لدراسة تأثر نمو النبات بالموسيقى. وقد لاحظ زيادة بحوالى ال20% في نمو نبات البلسم وزيادة بنسبة 72% بكتلتها الحيوية بعد تعرّضها للموسيقى الكلاسيكية، وقد لاحظ الأثر نفسه بعد تعريضها لموسيقى الراجا (Raga music)، وهي موسيقى قائمة على آلتي الكمان والفلوت. أما تشغيل موسيقى الراجا لمحاصيل الحقول فقد زاد من نموها بنسبة تتراوح بين 35% و60%. كما بيّن دكتور سينغ أن الحبوب المعرّضة للموسيقى الكلاسيكية قد نمت بشكل أسرع وأعطت عددًا أكبر من الورق. [2]
في العام 1974، نشرت دوروثي ريتالاك كتابها “The Sound of Music and Plants” الذي وصفت فيه مجموعة من الاختبارات التي أجرتها لدراسة كيفية تأثير أنواع مختلفة من الموسيقى على النبات. وبيّنت النتائج أن تعريض النباتات لنوتة ثابتة على مدى ثمان ساعات يوميًا قد أدى إلى تراجع نموه وموته أحياناً. أما تعريضها لنفس النوتة بشكل متقطع أدى إلى زيادة في نموها. كما بينت نتائج مختلفة بحسب نوع الموسيقى، ففي حين كانت الموسيقى الكلاسيكية والجاز تحفز نمو النبات، كانت مويبقى الروك ذات تأثير سلبي عليه. تجدر الإشارة إلى أن العديد من العلماء يعتبرون ان اختبارات دوروثي ريتالاك تفتقد للمصداقية العلمية، ولا يمكن اعتبارها كمصدر علمي موثوق. [3]
أما دراسات الباحث الهندي “غوتاما ريدي” فقد بيّنت أن موسيقى الراغا الهندية حسنت نمو النباتات والمزروعات كالسبانخ والصويا والقمح. كما حفزت إنبات بذور الكوسى والبامية. [1]
في دراسة أخرى أُجريت في جامعة غوجارات في الهند، تبيّن أن النباتات التي تعرّضت للموسيقى الهادئة نمت بشكل أسرع، وذلك بنسب متفاوتة بحسب نوع النبات. كما أظهرت النباتات المعرضة للموسيقى عددًا أكبر من الأوراق والزهور. كما تفتحت الزهور فيها بوقت مبكر مقارنة بالنباتات التي لم تتعرض لأي موسيقى. [4]
إذن فإن هذه الدراسات تشير إلى أن الموسيقى تؤثر في النبات ونموها.
رغم وجود عدد من الدراسات التي تشير إلى تأثر النبات بالموسيقى، إلا أن سبب هذا التأثير ما زال غامضًا وغير واضح. الفرضية الأكثر ترجيحاً هي حساسية النبات لتغير ضغط الهواء. فالموسيقى عبارة عن موجات صوتية مؤلفة من جزيئات الهواء المضغوطة. وبالتالي فإن الموجات الصوتية قد تكون قادرة على التأثير على مستقبلات تغير ضغط الهواء عند النبات.
يعتبر عدد من الباحثين أن حساسية النبات على الأصوات والتذبذبات قد تكون لها أسباب تطورية. فقد بينت الدراسات أن النباتات تتواصل من خلال الذبذبات، وهي تنمو بشكل أفضل عندما تكون محاطة بنباتات أخرى. كما أن النبات قد يكون قادرًا على الاستجابة للذبذبات التي تتسبب بها الرياح، ليحمي نفسه منها، فينمو بشكل أبطأ في فترة الرياح لكي يستطيع مقاومتها.
ولكن تأكيد سبب تأثر النبات بالموسيقى واختلاف هذا التأثير بحسب نوع النبات ونوع الموسيقى مازال بحاجة للبحث والتقصي العلمي.
ليست الموسيقى حكرًا على البشر، فالدراسات تبيّن يومًا بعد يوم أن الموسيقى تؤثر في باقي الكائنات الحية من الحيوانات والنباتات. ولكن تأثر الكائنات بالذبذبات يفتح الأسئلة حول كيفية احساس النبات بالأصوات وتواصلها مع بعضها. فإلى مدى سيستطيع العلم إجابتنا حول هذه الأسئلة في المستقبل؟
[1]: Researchgate..ne
[2]: agriculture.com.ph
[3]: dovesong.com
[4]: Academia.edu
إقرأ أيضًا: كيف توثر الموسيقى في الحيوانات؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…