قرابة 12 مليار مشاهدة لفيديوهاته، أكثر من 31 مليون متابع على صفحة الفيس بوك حتى لحظة كتابة المقال، كيف استطاع الشاب اليمني هاشم الغيلي أن يصل إلى العالمية ويصبح من نجوم صفحات التواصل الاجتماعي، عبر تقديم فيديوهات ذات محتوى معقد بشرح بسيط ومشوق؟ مجيباً عن الأسئلة العلمية الملهمة والمثيرة للاهتمام.
محتويات المقال :
حياة هاشم الغيلي
ولد هاشم الغيلي في اليمن عام 1990، كانت أسرته تعمل في الزراعة، وكانت تعقد العزم على أن يخلف أبيه في حراثة الأرض وزراعتها والعناية بها، لكنه رسم لنفسه طريقاً مختلفاً، يطمح فيه أن يواصل تحصيله الدراسي، فجعل التعليم أولويته وقرر ملاحقة حلمه. بعد حصوله على شهادته الثانوية، قرر أن يكمل دراسته الجامعية رغم معارضة والده للفكرة، وتمكن من الحصول على منحة دراسية حكومية إلى باكستان، لدراسة بكالوريوس التقانة الحيوية في جامعة بيشاور.
عاد إلى اليمن بعد إكمال دراسته في باكستان عام 2012، وعمل في مخبر أحياء دقيقة تابع لأحد المؤسسات الحكومية. لكن مع ازدياد شغفه بعلم التقانة الحيوية قرر أن يستقيل من عمله عام 2013 ليبحث عن منحة لدراسة الماجستير.
تلقى الرفض من 100 جامعة!
سافر إلى ألمانيا عبر منحة «DAAD» وكانت المنحة مشروطة بالحصول على قبول جامعي، قضى عدة أسابيع في مراسلة الجامعات، أرسل 100 طلب لمختلف المؤسسات البحثية والجامعات، قوبلت 60% منها بالرفض، ولم يتم الرد على الأخرى، وعدم حصوله على قبول ضمن الفترة المحددة يعني أنه سيخسر المنحة، ويعود إلى بلده، لأنه لن يستطيع تحمل تكاليف الدراسة على نفقته الخاصة.
أعاد المحاولة، ولكن هذه المرة قام بمراسلة 70 بروفيسور من جامعات ألمانية مختلفة، طالباً منهم أن يطلعوا على أوراقه، على أمل أن يتم قبوله من أحدهم. وكالعادة، وصله الرفض من الجميع، إلا البروفيسور «سباستيان شبرينغر Sebastian Springer» من جامعة «جاكوبس بريمين Jacobs University Bremen»، والذي حدد موعداً معه ليطلع على أوراقه، ثم قام بقبوله رغم انتهاء موعد التقديم.
تلقى هاشم الكثير من الدعم من الدكتور شبرينغر، مما ساعده على تخطي العقبات الكثيرة التي واجهته، والتي كان أبرزها: صعوبة إنجاز العمل المخبري بالنسبة له، كون دراسته في باكستان – كما الحال في معظم البلدان العربية – كانت معتمدة بشكل كبير على الجانب النظري فقط.
رد الجميل للجامعة التي احتضنته
لم ينسى هاشم المعروف الذي قدمته له الجامعة والبروفيسور شبرينغر، فقد زار جامعته مؤخراً وقام بتقديم تبرع بخمسين ألف يورو لأغراض البحث العلمي، قالت الجامعة أنه أكبر تبرع فردي قدم لها (المصدر هنا). عند سؤاله عن السبب في مقابلة مع شبكة الجزيرة الإخبارية، قال هاشم:
“أنا ابن عائلة لا تنسى المعروف، وهذا كان كالشكر بالنسبة إلي”.
وقال في كلمة له في الجامعة بهذه المناسبة إن المبلغ ليس كبيراً، لكنه يأمل أن يكون واحداً من تبرعات عدة سيقدمها.
حياته العملية
كان لديه خياران اثنان، إما الالتحاق ببرنامج الدكتوراة، أو العمل الذي يحبه في مجال نشر وتبسيط العلوم، فاختار شغفه، وهو ما كان سبب نجاحه. حيث بدأ بنشر الفيديوهات العلمية من خلال العمل على صفحته Hashem Al-Gaili. يشرف هاشم لوحده على العمل، حيث ينتج ويصمم وينشر، كل ذلك بجهد شخصي. نال شهرةً ورواجاً في الوسط العلمي على الإنترنت حتى وصل عدد متابيعه إلى 31 مليون، ووصل عدد مشاهدات فيديوهاته إلى 12 مليار مشاهدة، حيث يعد الغيلي اليوم أحد أشهر المتواصلين العلميين Science Communicator، عمل مع شركة Futurism Media الأمريكية الإخبارية المتخصصة في التواصل العلمي كمدير محتوى. وكانت الشركة ترغب في انتقاله للعمل لديها في نيويورك في وقت سابق، لكن توقيت الانتقال تزامن مع حظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس دونالد ترامب على مواطني ٦ دول منها اليمن، فتم إلغاء خطة النقل تلك.
محتوى علمي مميز
كيف يمكن تحويل المريخ إلى جنة خضراء؟، هل السكر يسبب الإدمان؟ وأسألة أخرى كثيرة تحولت إجاباتها إلى فيديوهات مشوقة وممتعة على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر صور توضيحية ورسومات ثلاثية الأبعاد بأفكار تداعب خيال المهتمين باكتشاف كل ما هو جديد.
أحد أبرز الفيديوهات التي كانت مؤثرة في حياة الناس هو الفيديو الذي نشره في أيار عام ٢٠١٦، عن وعاء مصمم بطريقة يستطيع الناس في المناطق التي تعاني من شح المياه – في إفريقيا مثلاً – نقل كميات أكبر من المياه عبر مسافات طويلة دون بذل مجهود كبير، من خلال دحرجتها عوض حملها على رؤوسهم مثلاً. وكان هاشم قد نشر في التعليق الأول للفيديو الذي تمت مشاركته أكثر من نصف مليون مرة ومشاهدته ٤٥ مليون مرة، رابطاً للتبرع للجهة المصنعة.
وذكر موقع جامعة “جاكوبس” التي تخرج منها (هنا)، أن الشركة العاملة في المجال الخيري، في جنوب إفريقيا، شكرت هاشم، وقالت إنه ساعدها كثيراً، مادحة تأثير الفيديو الكبير الذي صنعه، والذي تسبب بإفادة مجتمعات أخرى كثيرة من هذه الأداة المسماة “هيبو رولر”.
من مزارع بسيط إلى العالمية
في خطاب تخرجه من جامعة جاكوبس، في مدينة بريمن الألمانية في عام ٢٠١٥، بتخصص التقانة الحيوية الجزيئية وبرفقة طلاب الماجستير، روى هاشم قصة حياته قائلاً: إنه عندما كان في عمر السادسة، كان يعود من المدرسة في اليمن الساعة الواحدة ظهراً، ثم يعمل حتى وقت متأخر من الليل في المزرعة، واصفاً الدراسة والعمل في المزرعة سوية بأنه كان تحدياً صعباً. قال إن والده كان مصراً على أن يصبح مزارعاً وتعلم أساليب الزراعة منه، وأضاف أن والديه اقتنعا في النهاية بوجوب منحه الحرية الكاملة في الاختيار عندما رأيا إصراره على تحقيق قفزات كبيرة في الحياة، ودعماه بكل ما كان يملكانه على طول الطريق. ولفت إلى أن رحلته نحو تحقيق أحلامه كانت معقدة ومليئة بقائمة طويلة من التحديات، لكنه قرر استكمالها على أية حال لتحقيق ما يريده. ودعا زملاءه الخريجين لعدم التقليل من شأن قدراتهم كأفراد لإحداث فارق وأثر إيجابي في مجتمعهم، مذكراً بمقولة مفضلة لديه:
“إن كنت تظن أنك أصغر من أن تكون فعالاً، فإن ذلك يعود إلى أنه لم يسبق لك أن كنت في غرفة واحدة مع بعوضة”.
مشاريعه المستقبلية
ويضع هاشم ضمن خططه على المدى الطويل إنشاء مؤسسة “هاشم الغيلي” غير الربحية للتعليم والابتكار، تهدف لدعم مشاريع علمية في البلدان النامية ودعم طلاب محرومين، ليكون لديهم فرصة، في أن تمضي حياتهم على النحو الذي جرى معه، وملىء الفراغ بين صناع القرار والعلماء لاتخاذ قرارات عقلانية، وتطوير أساليب التعليم القديمة.
هاشم الغيلي المثال اليمني الذي نفتخر به، ويجب أن نعلم أن التعليم أساس كل شيء، وكما قال الغيلي مرة “كل طفل في اليمن يولد ليكون مزارعاً، لذلك كان من الصعب إقناع والدي بأن طموحي يكمن في العلم” لكنه الآن اقتنع.
المصادر
مقابلة مع شبكة الجزيرة الإخبارية
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :