في نبذة مختصرة عن حياة وإبداعات فان جوخ تظهر أن حياته كانت غريبة، قل عليها مسرح من الجنون أو فيلماً حزيناً، مات فقيراً منتحراً عن عمرٍ يناهز السابعة والثلاثين، لم يبلغ أي شهرة في حياته، بل كان منبوذاً في أغلب مراحل عمره، وأغلب ما نعرفه عنه مصدره رسائلة لأخيه الأصغر ثيوديور الذي حمل مسؤولية فان جوخ لفترات طويلة، وكان داعماً له باستمرار. فيما يلي نستعرض نبذة مختصرة عن حياة و إبداعات فان جوخ.
محتويات المقال :
نشأته وحياته:
الفنان فان جوخ، واسمه كاملاً فنسنت ويليام فان جوخ. ولد في الثلاثين من مارس عام 1853 في هولندا لعائلة متوسطة الحال؛ فقد كان والده يعمل قساً، ولم يكن من عائلة معدمة كما يشاع. درس في مدرسة داخلية، وفي السادسة عشر من عمره انتقل للعمل مع عمه في تجارة اللوح الفنية فمكث بلندن من عام 1873 حتى عام 1875 ثم في باريس حتى عام 1876. كانت حياته مسرحاً كبيراً من الصدمات ففي عام 1874 اعترف بحبه لفتاة من لندن ولكنها رفضته. ومع مرور الوقت كان يزداد تقربه للفنانين ويزداد حبه الشديد للفن حتى كره تجارة اللوح بشدة، فلذلك تركها وذهب للعمل كمدس لغة، ثم كواعظ ديني لعمال مناجم الفحم، ولكن لفظه كلاً من العامة، والحكومة، وحتى رجال الدين؛ ذلك لتعصبه وتفسيراته الحرفية للكتاب المقدس فتعرض إيمانه لضربه عنيفة وصدمةٍ قوية حتى أنه قال:
لقد رموني بالجنون، ولأنني أردت أن أكون مسيحياً على حق اعتزلوني كالكلب، قائلين أني سأكون سبباً في الفضيحة.
توجه فان جوخ لدراسة الفن في العقد الأخير من حياته الذي يمثل عقد الإبداع على المستوى الفني، وأيضاً يمثل عقد الجنون، والمرض، والحزن على المستوى الشخصي؛ من حادثة قطع شحمة أذنه، لعزله بمصحة نفسية، لانتحاره، وأخيراً موته عام 1890. وكانت أعمال فان جوخ بمثابة اتحاد بين حبه للطبيعة ومعاناته الشخصية كما سيتضح فيما يلي.
لوحة الليلة المرصعة بالنجوم :
«لوحة الليلة المرصعة بالنجوم- starry night» رسمها فان جوخ عام 1889 أثناء إقامته في مصحة «سان بول دي موسل – Saint Paul de mausole» التي أقام بها بعد حادثة قطع شحمه أذنه، كان يرسم فيها بكدٍ شديد حتى يجد ما يلهيه عن مرضه العقلي، فأنتج إبداعاته بغزارة شديدة، ومن أشهرها تلك اللوحة التي توضح عشق فان جوخ لليل خاصة ليل الريف بعيداً عن غبار وعوادم سيارات ومصانع باريس، ولندن. تظهر اللوحة السماء وبها تموجات واضحة، والنجوم متباينة الألوان يغلب عليه اللون الأصفر الليموني، فلم يرى فان جوخ الليل كسائر الناس؛ لقد رآه مليئاً بالألوان من الأخضر والليموني والبنفسج وغيرها، فلم يكن ليكتفي بنقط بيضاء على خلفية زرقاء للتعبير عن النجوم في الليل. فبلغت تلك اللوحة من التميز ما يجعلها من إبداعات فان جوخ.
كيف أبدع في تصوير نفسه؟
رسم الذات أمر قديم لم يستحدثه فان جوخ فحتى رسامي عصر النهضة رسموا أنفسهم، لكن فان جوخ رسم نفسه العديد من المرات على مدار حياته حتى كان يتضح تطور شخصيته، ومعاناته بمرور اللوح والزمن؛ فتارة يرسم نفسه بألوان باهتة كئيبة، وتارة بألوان متباينة كثيرة. معبراً بذلك عن مدى تأثره بمدارس الرسم المختلفة وقتها، حتى أسس مدرسته الخاصة. ومن أغرب الأمثلة على ذلك هي رسمه لنفسه بضماضه على أذنه، وذلك بعد خروجه من أول أسبوعين قضاهم في مصحة سان بول دي موسل قبل أن يعود إليها مرة أخرى. وهنا يجب معرفة حكاية قطع شحمة أذنه. كان فان جوخ مقيم في قرية «آرل-Arles» حيث أقام في منزلٍ بها ودعى الفنان «Gauguin -غوغان» الذي وصل إلى هناك عام 1888 شهر أكتوبر ليقيم مع فان جوخ، ولكن حدة الاختلاف زادت بينهم حتى عزم غوغان على الرحيل، وفي أثناء ذلك قام فان بقطع شحمة أذنه بنفسه وتم عزله بعدها في مصحة نفسية يقال أنه أعطاها لإحدى سيدات بيوت الدعارة القريبين من مسكنه قائلاً: (احتفظي بذلك الشيئ جيداً) لكن ذلك غير مؤكد بالطبع. وفي عام 2008 كشف باحثو الفنون «هانز كوفمان وريتا ويلديجان» من خلال مراسلات فان جوخ مع أخوه ثيو، ومن خلال تقارير الشرطة أيضا أن غوغان هو من قطع شحمة أذن فان وليس فان بنفسه ولكن يبقى الأمر غير مؤكد.
حقل القمح :
تشير بعض التقارير أن تلك كانت آخر لوحاته، ولكن تغالط مصادر أخرى ذلك الكلام قائلة بأنه مجرد خرافة، على أي حال تظل لوحة قمة في الإبداع تظهر مدى الوحده التى عانى منها الفنان والحزن متمثلين في اللون الأصفر للقمح، وكذلك اللون الأسود للطيور الذي يوحي بالكآبة والتشاؤم ولكن تظهر أيضاً مدى حبه الريف واتساعه ورؤيته له على إنه مسرح فني خصب يصلح أن يكون جزء من إبداعات فان جوخ .
وفاته :
عاش فإن جوخ في أواخر إيامه في نُزل في فرنسا بالقرب من أخيه وعلى نفقته الخاصة. عاش يعاني من المرض، والوحده، والفشل. حتى أطلق النار على نفسه ولكن لم يمت وظل يومين حتى مات بعدها كئيباً مقتنعاً أنه لم يكن سوى عالة على من حوله، وأنه كان فاشل على مدار حياته لم يرى لوحاته تباع بالملايين، وينظر لها الناس بدهشة غريبة كما يحدث الآن. وتدهورت صحة أخيه بعدها بستة أشهر ومات أيضاً في عام 1891 وهما الآن مدفونين بجوار بعضهما البعض كما كانا طوال حياتهما.
مصادر:
اقرأ أيضاً :
الكورونا تتسبب في سرقة لوحة للفنان فان جوخ
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :