Ad

تستعد وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) لصنع التاريخ من خلال مهمتها القادمة إلى المريخ، والتي سيتم تشغيلها بواسطة جهاز رائد يعمل بالطاقة النووية يستغل التحلل الإشعاعي للأمريسيوم. وستمكن هذه التكنولوجيا المبتكرة المركبة الفضائية من العمل دون الاعتماد على الكهرباء المولدة من الألواح الشمسية، مما يجعلها تغير قواعد اللعبة لاستكشاف الفضاء السحيق. من المقرر إطلاق المهمة، التي تشمل المركبة روزاليند فرانكلين، في عام 2028 وستكون المرة الأولى التي تستخدم فيها وكالة الفضاء الأوروبية الأمريسيوم 241، وهو منتج ثانوي لتحلل البلوتونيوم، لتشغيل وحدات التدفئة الخاصة بها. استغرق هذا الإنجاز سنوات من العمل، حيث تعمل وكالة الفضاء الأوروبية على وحدات تسخين النظائر المشعة الخاصة بها منذ عام 2009. وقد دخلت الوكالة في شراكة مع وكالة ناسا لتوفير القدرة على إطلاق إكسومارس، بالإضافة إلى محركات الكبح لمركبة الهبوط، ووحدات تسخين النظائر المشعة للمركبة الجوالة. ولكن ما الذي يجعل هذه المهمة رائدة للغاية، وكيف ستمهد الطريق لاستكشاف الفضاء في المستقبل؟

استكشاف المريخ: البحث عن الحياة خارج الأرض

لقد استحوذ المريخ على الخيال البشري لعدة قرون. في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، كان علماء الفلك مثل جيوفاني شياباريلي وبيرسيفال لويل مفتونين بقدرة الكوكب الأحمر على إيواء الحياة. إن إمكانية العثور على حياة خارج الأرض هي التي دفعت البشرية إلى استكشاف الفضاء. ويظل المريخ هو المرشح الأكثر ترجيحًا. لكن ما الذي يجعل المريخ مميزًا إلى هذا الحد؟

منذ حوالي 3.5 مليار سنة، كان المريخ عالمًا مائيًا مشابهًا للأرض حيث تدفقت الأنهار، وتألقت البحيرات على سطحه. وتثير هذه البيئة المشابهة لبيئة الأرض سؤالًا مثيرًا للاهتمام: هل ظهرت الحياة على المريخ كما ظهرت على الأرض؟ تهدف مهمة المريخ القادمة (ExoMars) لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، إلى الإجابة عن هذا السؤال من خلال البحث عن آثار الحياة القديمة على سطح المريخ.

فسطح المريخ بيئة قاسية. يمكن أن تنخفض درجات الحرارة إلى -125 درجة مئوية (-193 درجة فهرنهايت) في الليل، ويكون الغلاف الجوي رقيقًا جدًا بحيث لا يدعم الماء السائل. هذه البيئة القاسية دفعت علماء مثل كارل ساجان من وكالة ناسا وأورسون ساذرلاند من وكالة الفضاء الأوروبية إلى التساؤل: هل كانت الحياة موجودة على المريخ في الماضي؟ وهل يمكن أن تكون موجودة اليوم؟

إن استكشاف المريخ ليس هدفًا جديدًا. حيث حلقت مركبة الفضاء مارينر التابعة لناسا لأول مرة بنجاح حول المريخ في عام 1964، تلتها مهمات فايكنغ في السبعينيات. ومنذ ذلك الحين، غامرت العديد من المركبات الفضائية، بما في ذلك مركبة كيوريوسيتي روفر التابعة لناسا، بالذهاب إلى الكوكب الأحمر. تخطو مهمة (ExoMars) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية خطوة جريئة إلى الأمام، مع التركيز على البحث عن علامات الحياة وفهم بيئة المريخ.

إن المركبة الجوالة روزاليند فرانكلين، وهي جزء من مهمة (ExoMars)، مجهزة بشكل فريد لاستكشاف سطح المريخ بشكل لم يسبق له مثيل. سيسمح لها مثقابها الذي يبلغ طوله مترين بالحفر عميقًا تحت سطح المريخ، بحثًا عن البصمات الحيوية – علامات الحياة – التي يمكن أن تكون مختبئة تحت التربة الحمراء الصدئة للكوكب.

وحدات تسخين النظائر المشعة

يعود مفهوم تسخير الحرارة الناتجة عن التحلل الإشعاعي إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما جرب العلماء لأول مرة استخدام النظائر المشعة لتشغيل المحولات الكهربائية الحرارية. كانت هذه الأجهزة المبكرة ضخمة وغير فعالة، لكنها مهدت الطريق لتطوير وحدات تسخين النظائر المشعة الأكثر تطورًا (RHUs) وأصبحت فيما بعد مكونات أساسية لاستكشاف الفضاء.

في الستينيات، بدأت الولايات المتحدة في استخدام البلوتونيوم 238، وهو نظير مشع يبلغ نصف عمره 87.7 عامًا، لتشغيل وحدات RHU لمركباتها الفضائية. تم استخدام وحدات RHU الأولى في السبعينيات، للمهام بين الكواكب حيث كانت طاقة الشمس شحيحة. منذ ذلك الحين، أصبحت وحدات RHU مكونًا قياسيًا في العديد من المهام الفضائية، حيث توفر مصدرًا موثوقًا للحرارة للحفاظ على المكونات الإلكترونية للمركبة الفضائية.

ومع ذلك، فإن إنتاج البلوتونيوم 238 محدود، وكان توفره بمثابة عنق الزجاجة للعديد من وكالات الفضاء. وقد دفعت هذه الندرة إلى البحث عن نظائر بديلة يمكنها تشغيل وحدات RHU. تعمل وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) على تطوير وحدات RHU التي تستخدم الأمريسيوم-241، وهو منتج ثانوي لتحلل البلوتونيوم، كبديل أكثر وفرة وفعالية من حيث التكلفة.

يمثل قرار استخدام الأمريسيوم-241 في وحدات RHUs التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية علامة بارزة في تاريخ استكشاف الفضاء بالطاقة النووية. من خلال الاستفادة من التحلل الإشعاعي للأمريسيوم، ستوفر وحدات RHUs التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية مصدرًا موثوقًا للحرارة لمركبة روزاليند فرانكلين، مما يضمن قدرة المهمة على العمل بكفاءة في بيئة المريخ القاسية.

تسخير اضمحلال الأمريسيوم

لفهم أهمية التحلل الإشعاعي للأمريسيوم، دعونا نتعمق في عالم النظائر المشعة. النظائر المشعة هي ذرات تخضع للتحلل الإشعاعي، وتطلق الطاقة في شكل حرارة وإشعاع. وفي سياق استكشاف الفضاء، تقوم وحدات RHUs بتحويل هذه الحرارة إلى بيئة دافئة ومريحة للأجهزة الإلكترونية في المركبات الفضائية. تُستخدم الحرارة الناتجة عن عملية التحلل للحفاظ على درجة حرارة ثابتة، مما يضمن عمل المكونات الإلكترونية بشكل صحيح، حتى في درجات الحرارة الباردة جدًا في الفضاء.

الأمريسيوم-241، النظير المحدد المستخدم في وحدات RHU التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، هو منتج ثانوي لتحلل البلوتونيوم. في حين أنه يحتوي على طاقة أقل لكل جرام من البلوتونيوم 238، فإن الأمريسيوم 241 له ميزتان مهمتان: أنه أكثر وفرة وأرخص في الإنتاج. ويؤدي هذا إلى حل محتمل أكثر فعالية من حيث التكلفة، خاصة عند النظر في الكميات الكبيرة اللازمة لتوليد نفس الكمية من الحرارة.

يمثل استخدام وكالة الفضاء الأوروبية لتحلل الأمريسيوم علامة بارزة في تطوير وحدات RHUs. ومن خلال تسخير قوته، تستطيع الوكالة تقليل اعتمادها على الشركاء الخارجيين وتمهيد الطريق لمزيد من استكشاف الفضاء المستقل. باعتبارها أول منظمة تستخدم الأمريسيوم-241 في وحدات RHUs، فإن وكالة الفضاء الأوروبية تتخطى حدود ما هو ممكن في تكنولوجيا الفضاء.

تمتد آثار هذا الابتكار إلى ما هو أبعد من مهمة ExoMars. يمكن أن تشمل التطبيقات المستقبلية للتحلل الإشعاعي للأمريسيوم تطوير البطاريات النووية القادرة على توفير الكهرباء للمركبات الفضائية. مشروع ENDURE، وهو عبارة عن تعاون بين وكالة الفضاء الأوروبية ومنظمات أوروبية أخرى، يعمل بالفعل على تحقيق هذا الهدف. وبحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، يمكن أن تعمل هذه البطاريات على تشغيل مهمات القمر التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، مما يزيد من توسيع أفق الاستكشاف للوكالة.

مركبة روزاليند فرانكلين روفر قد تكشف عن أسرار الكوكب الأحمر

تعتبر المركبة روزاليند فرانكلين، التي سميت على اسم عالمة الأحياء البريطانية وعالمة البلورات بالأشعة السينية، أعجوبة هندسية مصممة لكشف أسرار الكوكب الأحمر. باعتبارها أول مركبة متجولة للمريخ في أوروبا، فهي مجهزة بمجموعة فريدة من الأدوات للبحث عن علامات الحياة القديمة على المريخ. وفي قلب المركبة يوجد مثقاب يبلغ طوله مترين يسمح لها بالحفر عميقًا تحت سطح المريخ، وجمع العينات التي يمكن أن تحمل المفتاح لفهم تاريخ الكوكب.

تخيل أنك قادر على الحفر في تربة المريخ، مثلما يكشف عالم الآثار عن القطع الأثرية القديمة، ويكشف عن أدلة يمكن أن تعيد كتابة الكتب المدرسية عن ماضي الكوكب الأحمر. هذا هو بالضبط ما تستطيع المركبة روزاليند فرانكلين القيام به. ومن خلال مثقابها المتقدم، تستطيع المركبة جمع عينات من أعماق تصل إلى مترين، وهو ما يتجاوز بكثير قدرات سابقاتها.

ولكن ما يجعل هذه المركبة استثنائية حقًا هو قدرتها على تحليل العينات في ذات اللحظة. تسمح الأدوات الموجودة على متن المركبة، مثل مطياف الأشعة السينية لجسيمات ألفا، للعلماء بدراسة التركيب الكيميائي للصخور والتربة المريخية، مما يوفر نظرة ثاقبة للتاريخ الجيولوجي للكوكب. تعتبر هذه القدرة حاسمة في البحث عن علامات الحياة، لأنها تمكن المركبة من تحديد البصمات الحيوية (الإشارات الكيميائية التي يمكن أن تشير إلى وجود الحياة).

لا تقتصر مهمة المركبة روزاليند فرانكلين على البحث عن الحياة على المريخ فحسب، بل تتعلق أيضًا بفهم بيئة الكوكب وجيولوجيته. ومن خلال دراسة الصخور والتربة المريخية، يمكن للعلماء الحصول على رؤية قيمة حول تطور الكوكب، بما في ذلك قدرته على دعم الحياة. بفضل الأجهزة المتقدمة وقدرات الحفر التي تتمتع بها المركبة، فهي مستعدة لتحقيق اكتشافات رائدة يمكن أن تعيد كتابة فهمنا للكوكب الأحمر.

البطاريات النووية وما بعدها

تخيل مستقبلًا حيث يمكن للمركبات الفضائية أن تغامر بالدخول إلى أبعد مسافة من نظامنا الشمسي، دون أن تثقل كاهلها قيود الألواح الشمسية أو خلايا الوقود المرهقة. البطاريات النووية، التي تسخر قوة التحلل الإشعاعي، ستمكن البعثات من استكشاف المناطق الأكثر ظلمة وبرودة في مجرتنا، وفتح الأسرار التي كانت مخفية لعدة قرون.

ويعمل مشروع ENDURE، المسؤول عن تطوير وحدات RHUs الأمريسيوم، بالفعل على إنشاء هذه البطاريات النووية. وبحلول نهاية العقد، يهدفون إلى الحصول على بطاريات الأمريسيوم القادرة على توفير الكهرباء للمركبة الفضائية، وتحديدًا لسلسلة من مهمات وكالة الفضاء الأوروبية إلى القمر في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي. وستسمح هذه التكنولوجيا بمصادر طاقة أكثر كفاءة وأطول أمدا وأكثر موثوقية، مما يفتح الأبواب أمام فرص استكشاف غير مسبوقة.

باستخدام البطاريات النووية، يمكن للمركبات الفضائية الآن المغامرة في الجانب المظلم من القمر، أو استكشاف البيئات الباردة لقمر المشتري، أوروبا. إن القدرة على تزويد المركبات الفضائية بالطاقة لفترات طويلة ستمكن العلماء من دراسة جيراننا من الكواكب بشكل لم يسبق له مثيل، وكشف أسرار حول تكوين وتطور نظامنا الشمسي.

ونحن نقف على عتبة هذه التكنولوجيا الثورية، علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي العجائب التي تنتظرنا في الكون؟ ما هي الأسرار التي سنكتشفها عندما نغامر في المجهول؟ إن التقدم الذي حققته وكالة الفضاء الأوروبية في مجال الطاقة النووية لا يشكل مجرد علامة فارقة؛ إنها بوابة إلى مستقبل حيث يمكن للبشرية استكشاف واكتشاف ودفع حدود ما اعتقدنا أنه ممكن.

المصادر:

nature

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك فضاء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 92
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق