عمارة

مقياس النيل وجماليات العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة

عُرفت الخلافة العباسية باهتمامها بالعلوم والفنون والعمارة ويعدُّ مقياس النيل أحد أبرز الأمثلة على الإبداع في تلك الفترة. وتم استخدامه لقياس مستوى مياه النيل من أجل التنبؤ بالفيضان السنوي للنهر وتقييم الإنتاج الزراعي للبلاد. سوف نستكشف في هذا المقال تاريخ وأهمية مقياس النيل.

تاريخ وأهمية مقياس النيل

بني مقياس النيل بأمرٍ من الخليفة العبّاسي المتوكّل في عام 861م [1]، ويقع في جزيرة الروضة في مصر، وبالتحديد في القاهرة على نهر النيل، وقد استُخدِم بشكلٍ عام لقياس مستويات الفيضان من أجل إعداد السدود والقنوات ، وتحديد مستويات الضرائب للإنتاجية الزراعية ، والاحتفال بفيضان النيل ، الذي كان حدثًا مهمًا من العصور الوسطى حتى نهاية القرن التاسع عشر [1] [ 3].

الشكل 1: مقياس النيل في جزيرة الروضة

البنية المعمارية لمقياس النيل

إنّ مقياس النيل مبنى موجودٌ تحت الأرض، وهو يتكوّن من جزئين أساسيَّين: الأول هو البئر المكون من ثلاثة طوابق وفي محوره العمود الرخامي ، وهو أداة قياس الفيضان. والثاني القنوات التي تتصل بالنيل من خلال ثلاث فتحات يوجد كلٌّ منها في طابق. يقع البئر في حفرة مربعة عميقة محفورة بعمق 13م وعرض 10م على الأقل، مما استلزَم إزالة ما لا يقل عن 1300متر مربّع من التراب والطين الصلب[2].

وتتدفق مياه النيل إلى البئر عن طريق ثلاثة قنوات تصب مياهها في البئر عن طريق ثلاثة “أفواه”. ,هذه الفتحات ذات أقواس مدببة تدعمها أعمدة مزخرفة ذات قواعد كروية. لا تعتبر هذه الأقواس أقدم الأمثلة المعروفة في مصر الإسلامية وحسب، بل وإنها تسبق تلك المستخدمة في العمارة القوطية في أوروبا بثلاثة قرون [4].

تم بناء المبنى بالكامل من الحجر المقطوع بدقة، وتحيط السلالم القريبة من الجدران بالمساحة الدائرية في الأسفل وحول المربع المكون من مستويين، وفي المحور المركزي يرتفع عمود مثمن من الرخام مقسَّم إلى أذرع، والتي كانت وحدة القياس في زمن بناء هذه المنشأة [2].

وقد نقشت على جدران البئر نصوص قرآنية [1] وأنماط هندسية ونباتية معقدة، وتصوير لعلامات الأبراج السماوية [4]، ويتميز كذلك بوجودِ علاماتٍ على العمود لقياس مستوى الماء، والتي استخدمت لتحديد ارتفاع الفيضان مع ارتفاع المياه في البئر، بالإضافة لوجود سلم حلزوني للنزول إلى الأسفل [1].

Related Post
الشكل 2: مقطع طولي في مقياس النيل
الشكل 3: البئر وعمود القياس
الشكل 4: الزخارف التي تزيّن مقياس النيل من الداخل

مؤشر للفيضان

كان من المتعارف عليه أن السنة ستكون جيدة إذا تم تسجيل قياس لمستوى الماء على العمود يبلغ 15 ذراع وسيئة إذا سجلت ما بين 12 و 15 ذراع. وعندما كان مستوى الماء يصل إلى رقمٍ بين 10 و 12 ذراع، كان سعر القمح يبلغ عشرة مثاقيل وكَيلاً واحدًا. وعندما كان المستوى يتجاوز 18 ذراعا ، فكانت المتاجر والمحلات والمنازل والحقول تواجه خطر الفيضانات. [2]

أعمال ترميم مختلفة

أجرى أحمد بن طولون (حكم في الفترة الممتدة بين عامي 868-884م) ترميم المقياس عام 873 م ، واستبدل شريطين من النقوش القديمة بأخرى أكثر حداثة على الجانبين الجنوبي والغربي. وقد قام بوضع اسمه في النقش الجديد ، لكنه أبقى على تاريخ البناء الأصلي كما هو [4].

وعلى مر العصور ، خضع المبنى للعديد من الترميمات والتجديدات (الفاطمية والمملوكية والعثمانية)، وتم تجديده في العصر الحديث عام 1925 عندما تم استبدال القبة المملوكية التي تتوج السطح الخارجي للمبنى بسقف مخروطي الشكل مغطى بألواح من الرصاص [4].

إرث ثقافي وحضاري

تقديراً لأهميته الثقافية والتاريخية، تمت إضافة مقياس النيل إلى قائمة الآثار الوطنية في مصر في عام 1951م. كما تم إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي المؤقت في عام 2001 ، والتي تعترف بالمواقع الثقافية والطبيعية التي لديها الإمكانية في أن تُضاف إلى قائمة التراث العالمي. وإن إدراج مقياس النيل في القائمة يسلط الضوء على قيمته الفريدة كدليل على براعة وإبداع الثقافات المصرية والإسلامية القديمة [2].

اقرأ أيضاُ: مدينة سامراء العباسية وجوامعها ذات المآذن الملويّة

المصادر

  1. Rawda Island Nilometer – Egyptian Monuments
  2. Rawda Island Nilometer – UNESCO World Heritage Centre
  3. Nilometer – Islamic Architectural Heritage
  4. Rawda Island Nilometer – Museum With No Frontiers
Author: Nour Al Barri

Architecture major & amateur artist. I love reading and I am interested in archeology and cultural heritage

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Nour Al Barri

Architecture major & amateur artist. I love reading and I am interested in archeology and cultural heritage

Share
Published by
Nour Al Barri

Recent Posts

إنجاز عربي عالمي: الأردني-الأمريكي عمر ياغي يفوز بنوبل الكيمياء 2025

عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs) الحلم…

يوم واحد ago

ثورة في عالم الاتصالات الكمومية: كيف تمكن عالم مصري من “ترويض” مبدأ عدم اليقين وتصويره في الزمن الحقيقي؟

ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…

يومين ago

نفق كمومي في يدك: نوبل الفيزياء 2025 تفتح آفاق الحوسبة الكمومية

مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…

يومين ago

مملكة دلمون: حضارة البحرين القديمة ومحطة التجارة الكبرى في الشرق الأدنى

تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…

3 أيام ago

جائزة نوبل 2025 في الطب تكرم رواد “التسامح المناعي المحيطي”

الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…

3 أيام ago

“الساقية” الذكية: كيف تحولت عجلة الري المصرية القديمة إلى مصنع للطاقة النظيفة؟

السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…

أسبوعين ago