في اكتشاف رائد، حدد علماء الفيزياء في جامعة واترلو “خللًا كونيًا” في نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان. منذ ما يقرب من 100 عام، كانت النسبية العامة هي حجر الزاوية في فهمنا للجاذبية، لكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الجاذبية تتصرف بشكل مختلف على النطاق الكوني عما كان يعتقد سابقًا. قام فريق البحث بقيادة روبن وين، ونيايش أفشوردي، أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة واترلو، بتطوير نموذج جديد يعدل ويوسع صيغ أينشتاين الرياضية لحل التناقض والخلل الكوني في نظرية النسبية.
وتشير النتائج التي توصل إليها الفريق إلى أن الجاذبية تصبح أضعف بحوالي 1% عند التعامل مع المسافات بمليارات السنين الضوئية. ولهذا الاكتشاف آثار مهمة على فهمنا للكون على المستوى الكوني، بدءًا من تكوين مجموعات المجرات وحتى توسع الكون نفسه. يعد هذا الاكتشاف إنجازًا كبيرًا في مجال أبحاث الجاذبية، الذي يتمتع بتاريخ غني في جامعة واترلو، حيث أدى التعاون متعدد التخصصات بين علماء الرياضيات التطبيقية وعلماء الفيزياء الفلكية إلى أبحاث متطورة.
وبينما تعمق الباحثون في تناقضات النسبية العامة، طوروا نموذجًا جديدًا يوفق بين التناقضات الواضحة في النظرية. النموذج الجديد، الذي يطلق عليه اسم “حاشية لنظرية أينشتاين”، يحل التناقضات دون التأثير على الاستخدامات الناجحة للنسبية العامة. يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لفهم الكون، وقد يكون القطعة الأولى في اللغز الكوني الذي حيّر العلماء لعدة عقود. إن الآثار المترتبة عميقة، وقد تغير الطريقة التي نفهم بها الكون ومكاننا فيه.
محتويات المقال :
البعد الخفي للجاذبية، حيث الزمان والمكان متشابكان
تخيل أنك تقف على قمة جبل، وتحدق في الأفق الذي يحبس الأنفاس أمامك. وتمتد القمم المغطاة بالثلوج في كل اتجاه، وكل واحدة منها تشهد على قوة الجاذبية التي لا ترحم. يمكنك أن تشعر بوجودها، فهي سبب تعبك وإرهاقك بعد تسلق تلك القمة العالية. ولكن ماذا لو أخبرتك أن الجاذبية هي أكثر من مجرد قوة في الفضاء؟ ماذا لو أخبرتك أنها أيضًا منسوجة في نسيج الزمن نفسه؟
قد يبدو هذا وكأنه جزء من الخيال العلمي، لكنه مفهوم أساسي كان مختبئًا على مرأى من الجميع لأكثر من قرن من الزمان. في عام 1905، أحدثت نظرية ألبرت أينشتاين في النسبية الخاصة ثورة في فهمنا للمكان والزمان. وأظهر أن الزمان والمكان ليسا كيانين منفصلين، بل أبعاد متشابكة تشكل نسيجًا واحدًا موحدًا يسمى الزمكان.
لننتقل سريعًا إلى عام 1915، عندما توسع أينشتاين في عمله السابق في تطوير النسبية العامة. كشفت هذه النظرية الرائدة أن الكتلة والطاقة تشوه الزمكان، مما يجعل الأجسام تتحرك على طول مسارات منحنية نختبرها كجاذبية. ولكن هنا الجزء الرائع: هذا الانحناء لا يؤثر فقط على أبعاد الفضاء الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع)، ولكن أيضًا على البعد الرابع للزمن.
فكر في الأمر مثل كرة بولينج ثقيلة على الترامبولين. تقوم الكرة بتشويه سطح الترامبولين بضغطه للأسفل، مما يؤدي إلى انحناء يؤثر على حركة الأجسام القريبة فيهبط أي جسم على نفس الترامبولين للأسفل تجاه كرة البولينج. وبالمثل، فإن الأجسام الضخمة مثل النجوم والثقوب السوداء تشوه الزمكان، مما يتسبب في تحرك الأجسام الأصغر على طول مسارات منحنية نختبرها كجاذبية. لكن هذا الالتواء يؤثر أيضًا على الزمن، مما يجعله يتحرك بسرعات مختلفة اعتمادًا على قوة مجال الجاذبية. ولهذا السبب يبدو أن الزمن يتباطأ بالقرب من الأجسام الضخمة، وهي ظاهرة تعرف باسم تمدد الزمن الثقالي.
هذا المفهوم المحير للعقل له آثار بعيدة المدى على فهمنا للكون. على سبيل المثال، يساعد في تفسير سبب حاجة الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى مراعاة تمدد زمن الجاذبية للحفاظ على مداراتها الدقيقة. كما أنه يلقي الضوء على سلوك الثقوب السوداء، تلك الوحوش الكونية التي تشوه الزمكان بشدة لدرجة أنه لا يمكن حتى للضوء أن يفلت من قبضتها.
وبينما نتعمق أكثر في ألغاز الجاذبية، فإننا مجبرون على مواجهة حدود فهمنا الحالي. ما الذي يكمن وراء حدود النسبية العامة، وكيف يمكننا التوفيق بين التناقضات التي تظهر على النطاق الكوني؟ تظل الإجابات، مثل نسيج الزمكان نفسه، متشابكة بمهارة، في انتظار أن يتم كشفها من قبل الجيل القادم من العلماء والمنظرين.
قرن من النسبية العامة
لقد كانت نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين بمثابة حجر الزاوية في فهمنا للجاذبية لأكثر من قرن من الزمان. منذ بدايتها، خضعت لاختبارات وملاحظات صارمة، وخرجت سالمة، وعززت مكانتها كركيزة أساسية للفيزياء الحديثة. تكمن أناقة النظرية في قدرتها على دمج الزمان والمكان، ونسجهما في نسيج يحدد بنية كوننا ذاته.
لقد لعبت النسبية العامة دورًا أساسيًا في فهمنا للكون، بدءًا من الانفجار الكبير وحتى الثقوب السوداء الغامضة. تم اكتشاف التموجات التي تنبأت بها، موجات الجاذبية في عام 2015، مما زاد من اليقين في النظرية. ومع ذلك، عندما نغامر بالدخول إلى المساحة الشاسعة من مجموعات المجرات وما وراءها، يبدأ تناقض دقيق في الظهور. الجاذبية، التي كانت ذات يوم تطبيقًا مثاليًا لنظرية أينشتاين، بدأت مشاهداتها في الانحراف، مُظهِرة تناقضًا حيّر العلماء لعقود من الزمن. وقد أثار هذا “الخلل الكوني” موجة جديدة من الأبحاث، حيث اتحد الفيزيائيون وعلماء الفلك لكشف أسرار الجاذبية.
وكانت جامعة واترلو، وهي مركز لأبحاث الجاذبية المتطورة، في طليعة هذا المسعى. كان التعاون متعدد التخصصات بين علماء الرياضيات التطبيقية وعلماء الفيزياء الفلكية حافزًا لتحقيق اختراقات، حيث يسعى المجتمع العلمي لتحسين فهمنا للجاذبية. ومع تعمقنا في الكون، تصبح الحاجة إلى تفسير أكثر شمولاً للجاذبية واضحة بشكل متزايد. إن النموذج الرائد لفريق البحث، وهو تعديل لصيغ أينشتاين، يحمل المفتاح لحل التناقضات والخلل الكوني في نظرية النسبية.
الخلل الكوني: كشف النقاب عن تناقض الجاذبية
لعقود من الزمن، كان العلماء على دراية بوجود تناقض غريب في جاذبية الكون. كان الأمر كما لو أن تأثيرات الجاذبية أصبحت أضعف عند قياسها على مسافات هائلة، تمتد لمليارات السنين الضوئية. لقد حيرت هذه الظاهرة الغامضة علماء الفيزياء وعلماء الفلك، مما يهدد بقلب فهمنا للكون رأسا على عقب. تمت صياغة مصطلح “الخلل الكوني” لوصف هذا الشذوذ، والذي يبدو أنه يتعارض مع المبادئ الأساسية للنظرية النسبية العامة لأينشتاين.
لفهم حجم هذا الخلل، فكر في توسع الكون. تخيل بالونًا ضخمًا ينتفخ باستمرار وإلى ما لا نهاية، فتتحرك المجرات الموجودة داخل البالون أو على سطحه بعيدًا عن بعضها البعض بوتيرة متسارعة باستمرار. كلما كانت المجرة بعيدة عنا، كلما تحركت بسرعة أكبر، واقتربت من سرعة الضوء. قادت هذه الملاحظة العلماء إلى إدراك أن تأثير الجاذبية يجب أن يكون أضعف عند المقاييس الكبيرة للغاية.
لقد بحث فريق البحث في جامعة واترلو في قلب هذه المعضلة، ساعيًا إلى التوفيق بين التناقض بين النسبية العامة وسلوك الجاذبية المرصود. ومن خلال إعادة فحص نظرية أينشتاين، تمكنوا من تطوير نموذج جديد يعدل الصيغ الرياضية لاستيعاب الخلل الكوني في نظرية النسبية. يقدم هذا الإنجاز منظورًا جديدًا للكون، ويسلط الضوء على العلاقات المعقدة بين الجاذبية والفضاء والزمن.
فكر في الخلل الكوني باعتباره شذوذًا خفيًا في نسيج الزمكان. يبدو الأمر كما لو أن الكون يهمس بسر، ويكشف عن بنية أساسية لم يلاحظها أحد حتى الآن. ومن خلال الاستماع إلى هذا الهمس، قد يكشف العلماء أسرارًا جديدة عن الكون، وتكشف تدريجيًا أسرار الجاذبية والكون.
ظهور نموذج جديد للجاذبية
لقد كان الكشف عن أسرار الجاذبية مسعى دام قرنًا من الزمان للفيزيائيين. كان فريق البحث، بقيادة روبن وين، يعمل بلا كلل لفك اللغز، وتعديل وتوسيع صيغ أينشتاين الرياضية لحل هذا التناقض الكوني. تخيل أنك تقوم بتفكيك ساعة سويسرية مصنوعة بدقة، وتعديل آلياتها المعقدة، وإعادة تجميعها للحصول على ساعة أكثر دقة. وهذا ما فعله الفريق بنظرية أينشتاين. النموذج الجديد ليس بديلاً عن النسبية العامة، بل هو تحسين، أو حاشية، إذا صح التعبير. إنه تكيف يفسر سلوك الجاذبية على المستوى الكوني بشكل أفضل. لا يؤثر هذا النموذج على التطبيقات الناجحة للنسبية العامة؛ إنه ببساطة يوفر فهمًا أكثر دقة للجاذبية في السياقات المتطرفة.
لكي نفهم أهمية هذا التعديل، دعونا نضعه في منظوره الصحيح. تخيل أنك تقيس سرعة سيارة تسير على طريق مستقيم. والآن تخيل أن الطريق يمتد لمليارات السنين الضوئية. كلما ذهبت أبعد، كلما بدا أن السيارة تتحرك بشكل أسرع، حيث تصل إلى سرعة الضوء تقريبًا. وهذا ما نراه مع المجرات التي تبتعد عنا. لقد تنبأت نظرية أينشتاين بهذا، لكن النموذج الجديد يحسن فهمنا لدور الجاذبية في هذه الرقصة.
المصدر: A cosmic glitch in gravity – IOPscience
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :