محتويات المقال :
اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere” ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].
وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:
أبقراط“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].
ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.
يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:
جون ستيوارت ميل“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]
ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].
قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟
في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:
لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟
الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.
العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:
ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:
يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].
والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].
تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:
2. الإضرار بمصالح الناس.
3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.
4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.
5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.
وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].
المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…