في عام 1656، طرح الفيلسوف ويليام مولينو تجربة فكرية على جون لوك. إذا اكتسب شخص أعمى منذ ولادته فجأة القدرة على الرؤية، فهل سيتعرف على الأشياء التي لم يعرفها من قبل إلا من خلال اللمس؟ هذا السؤال، المعروف باسم معضلة مولينو، نوقش من قبل الفلاسفة والعلماء والباحثين لعدة قرون. وفي جوهرها، تتحدى معضلة مولينو فهمنا للإدراك والمعرفة والتفاعل المعقد بين حواسنا والدماغ.
محتويات المقال :
فهم الحواس
تستخدم أدمغتنا المعلومات التي نجمعها من خلال الحواس لإنشاء تجربة أو “”صورة ذهنية”” للعالم، مما يسمح لنا بالتنقل في محيطنا. وتنشأ معضلة مولينو من حقيقة أن الحواس المختلفة تزودنا بأنواع مختلفة من المعلومات حول العالم، وليس من الواضح دائمًا كيف يتم الجمع بين هذه الأنواع المختلفة من المعلومات لإنشاء صورة متماسكة. على سبيل المثال، توفر لنا الرؤية معلومات حول الشكل واللون والحركة، بينما يوفر لنا اللمس معلومات حول الملمس ودرجة الحرارة والتخطيط المكاني.
إذا كان الشخص الذي تعلم الفرق بين الكرة والمكعب عن طريق اللمس وحده، على سبيل المثال، قد اكتسب بصره، فهل سيتعرف على الفور من خلال البصر أيهما الكرة وأيهما المكعب؟ أو بعبارة أكثر عمومية قد نسأل، هل يمكن دمج المعلومات البصرية واللمسية على النحو الذي يخلق إدراكًا واحدًا موحدًا للأشياء؟
إن هذه المشكلة لها آثار مهمة على فهمنا للإدراك وطبيعة المعرفة. فهي تتحدى افتراضاتنا حول كيفية معرفتنا للعالم، وتجبرنا على التفكير في التفاعل المعقد بين الحواس المختلفة والدماغ.
مناقشات فلسفية لحل معضلة مولينو
على مر السنين، تعامل الفلاسفة مع معضلة مولينو بطرق مختلفة. فقد زعم البعض أن المشكلة غير قابلة للحل، بينما اقترح آخرون حلولاً. وفيما يلي بعض أبرز هذه الحلول
حجة الملاحظة التجريبية
تقترح أن الطريقة الوحيدة لفهم معضلة مولينو فهمًا حقيقيًا هي من خلال الملاحظة. بعبارة أخرى، الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان الشخص الأعمى سابقًا قادرًا على التعرف على الأشياء فورًا من خلال البصر هي معرفة ما إذا كان الشخص الذي يستعيد بصره يتعرف بالفعل على الأشياء فورًا. في حين أن هذه الطريقة تبدو واضحة ومباشرة، إلا أنها تثير مخاوف أخلاقية ويصعب تنفيذها في بيئة خاضعة للرقابة.
حجة وحدة الحواس
توفر وجهة نظر مختلفة، مما يشير إلى أن الحواس المختلفة تساهم جميعها في فهم موحد للعالم. يفترض هذا الرأي أن الدماغ يجمع المعلومات من الحواس المختلفة لتكوين صورة متماسكة. وبالتالي، سيكون الشخص الأعمى سابقًا قادرًا على التعرف على الأشياء من خلال البصر، حتى لو كان قد اختبرها سابقًا من خلال اللمس فقط، لأن كل هذا جزء من نفس الفهم الموحد.
حجة المرونة العصبية
تقترح أن الدماغ يمكن أن يعيد تنظيم نفسه استجابة للمدخلات الحسية الجديدة. ووفقا لهذا الرأي، فإن دماغ الشخص الذي كان أعمى سابقا سوف يتكيف مع المعلومات البصرية الجديدة، مما يمكنه في نهاية المطاف من التعرف على الأشياء من خلال الرؤية دون أن يعلمه أحد الفرق. ومع ذلك، فإن هذه النظرية لا تخلو من النقد، لأنه من غير الواضح مدى تكيف الدماغ بشكل كامل مع المدخلات الحسية الجديدة.
حجة الارتباط
تنص هذه الحجة على أن الشخص سيكون قادرًا على ربط المظهر المرئي لشيء ما بالإحساسات اللمسية التي اختبرها سابقًا، وبالتالي سيكون قادرًا على التعرف على الأشياء بصريًا. وتختلف هذه النظرة عن الاحتمالية السابقة في أن الدماغ أو العقل قادر على إنشاء اتصالات بين أنواع مختلفة من المعلومات الحسية، وبالتالي سيكون الشخص الأعمى قادرًا على إنشاء اتصالات مع الذكريات اللمسية من أجل التعرف بصريًا على الأشياء.
حجة عدم القابلية للقياس
زعم بعض الفلاسفة أن معضلة مولينو هي مثال على عدم التناسب بين أنواع مختلفة من التجارب الحسية. بعبارة أخرى، يزعمون أن التجارب البصرية واللمسية لشيء ما مختلفة إلى الحد الذي لا يمكن مقارنتها أو دمجها بشكل مفيد. ووفقًا لهذا الرأي، لن يتمكن الشخص الأعمى من التعرف تلقائيًا على الأشياء من خلال البصر، لمجرد أن التجربة البصرية مختلفة جوهريًا عن التجربة اللمسية؛ وبالتالي سيتعين عليه تعلم الأشياء التي يراها من الصفر.
التأثيرات في العالم الحقيقي
على الرغم من أن معضلة مولينوتبدو نظرية، إلا أنها تنطوي على آثار مهمة في العالم الحقيقي، وخاصة فيما يتعلق بالاستبدال الحسي، وهي التكنولوجيا التي توفر المعلومات الحسية لأولئك الذين يعانون من إعاقات. على سبيل المثال، قد يترجم الجهاز البيانات المرئية إلى صوت، مما يمكن الأفراد المكفوفين من “الرؤية” من خلال المدخلات السمعية.
وفي حين أن الاستبدال الحسي يوفر إمكانات للأشخاص الذين يعانون من فقدان الحس، فإنه يدفع أيضًا إلى استفسارات فلسفية حول الإدراك والحدود الحسية. تتعلق معضلة مولينو بهذا المجال بشكل مباشر. وبينما تركز على هذا التحول الحسي المحدد، فإنها تثير أسئلة أوسع حول قدرة الدماغ على دمج المدخلات الحسية المتنوعة.
إن دراسة معضلة مولينو والمفاهيم الفلسفية ذات الصلة تعمق فهمنا للتحديات والحلول المحتملة في تطوير الاستبدال الحسي الفعال. من خلال التعرف على قيود الدماغ في التكامل الحسي، يمكننا تصميم تقنيات محسّنة لقنوات حسية محددة مناسبة بشكل أفضل لنقل أنواع معينة من المعلومات. يمكن أن يؤدي هذا إلى أجهزة أكثر فعالية، مما يمكن الأفراد الذين يعانون من إعاقات حسية من الوصول إلى المعلومات وتجربة العالم بطرق جديدة.
ما هي علاقة معضلة مولينو بالتكنولوجيا؟
في حين أن مشكلة مولينوكس غالبًا ما تتم مناقشتها في سياق الإحساس البشري، إلا أنها لها أيضًا آثار أوسع نطاقًا على الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وعلوم البيانات، والحوسبة السحابية. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تكون بها معضلة مولينو ذات صلة بكل من هذه المجالات
أحد أهم الآثار المترتبة على ذلك هو الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي. تشير معضلة مولينو إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المصممة لأداء مهام حسية محددة، مثل التعرف على الأشياء أو اكتشاف الأنماط في البيانات، قد تواجه صعوبة في تعميمها على مهام أو مواقف جديدة. وذلك لأن هذه الأنظمة غالبًا ما يتم تدريبها على مجموعات بيانات محددة وقد تفتقر إلى المرونة اللازمة للتكيف مع المعلومات الحسية الجديدة.
علاوة على ذلك، تسلط المعضلة الضوء على القيود المفروضة على خوارزميات التعلم الآلي التي يتم تدريبها على مجموعات بيانات محددة. في حين أن هذه الخوارزميات قد تكون فعالة جدًا في التعرف على الأنماط في البيانات التي تم تدريبها عليها، إلا أنها قد تواجه صعوبة في التعميم على مجموعات البيانات أو المواقف الجديدة. يُعرف هذا بمشكلة “فرط الملائمة” – حيث يصبح نموذج التعلم الآلي متخصصًا للغاية بالنسبة لمجموعة البيانات المحددة التي تم تدريبه عليها ولا يتمكن من التعميم على البيانات الجديدة.
وللمشكلة أيضًا آثار على علم البيانات. من خلال تسليط الضوء على القيود المفروضة على الاعتماد على بيانات محددة لفهم العالم، تشير المعضلة إلى أن علماء البيانات بحاجة إلى دمج مصادر أخرى للمعلومات، مثل معرفة الخبراء وتفسيراتهم، أو مجموعات البيانات المتنوعة، من أجل فهم البيانات المعقدة والمتكررة في كثير من الأحيان.
وأخيرا، فإن معضلة مولينو لها آثار على الحوسبة السحابية. ويقترح أن يتم تصميم أنظمة الحوسبة السحابية بمزيد من اللامركزية والمرونة، من أجل مراعاة مجموعة واسعة من أنواع البيانات واحتياجات المعالجة التي تنشأ في مواقف مختلفة.
المصدر
Seeing & Knowing | philosophy now
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :