محاكم التفتيش الإسبانية، الاسم الأكثر رعبًا في أذهان المورسكيون والمارانوس. تاريخ مليء بالسادية غير المبررة إلا بعنصريةٍ لا مثيل لها. لم تكن محاكم التفتيش الإسبانية هي الأولى، بل سبقتها محاكم التفتيش في القرون الوسطى وعقبتها محاكم التفتيش الرومانية. ولكن كانت محاكم التفتيش الإسبانية هي الأقسى والأكثر عنفًا. نشأت محاكم التفتيش في الأساس لتردع البدع والسحر والشعوذة، وتحافظ على الديانة المسيحية من المساس بأي بدعةٍ أو هرطقة.
محاكم التفتيش الإسبانية، الاسم الأكثر رعبًا في أذهان المورسكيون والمارانوس. تاريخ مليء بالسادية غير المبررة إلا بعنصريةٍ لا مثيل لها. لم تكن محاكم التفتيش الإسبانية هي الأولى، بل سبقتها محاكم التفتيش في القرون الوسطى وعقبتها محاكم التفتيش الرومانية. ولكن كانت محاكم التفتيش الإسبانية هي الأقسى والأكثر عنفًا. نشأت محاكم التفتيش في الأساس لتردع البدع والسحر والشعوذة، وتحافظ على الديانة المسيحية من المساس بأي بدعةٍ أو هرطقة.
محتويات المقال :
هي مؤسسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية، تأسست في عام 1478م للمحافظة على الدين المسيحي من التشوه بالبدع والسحر. كانت في البداية تعمل بشكلٍ سلمي، ولكن سرعان ما تحولت إلى أقسى الطرق وحشية. كان أحد أهم الأهداف محاكم التفتيش هي الوحدة الدينية، لذلك انتشرت في شبه الجزيرة الأيبيرية لنشر المسيحية بين اليهود والمسلمين. فبعد أن كان مبدأ الكنيسة هو الحرية الدينية، وجدت أن في انتشار اليهود والمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية خطرًا على الكنيسة. [1]
انتشرت محاكم التفتيش في شبه الجزيرة الأيبيرية في القرن السادس عشر. كان عددهم 14 محكمة في إسبانيا فقط. هذا بخلاف محاكم التفتيش في البرتغال التي وجهت خصيصًا لليهود البرتغاليين. استمرت محاكم التفتيش عدة قرون في إسبانيا والبرتغال حتى القرن التاسع عشر مليئة بالتجاوزات. وبعد أن كانت محاكم التفتيش تسعى لخدمة الكنيسة، باتت تُستغل لخدمة الحكومة والمحافظة على النظام السياسي. [1]
في عام 1391م تعرض اليهود إلى عنف ومذابح شديدة أدت إلى تحول العديد منهم إلى المسيحية خوفًا من القتل. وأصبح يطلق على اليهود المتحولين للمسيحية المارانوس. تمامًا كما أُطلق على المسلمين المتحولين لقب المورسكيون كنوعٍ من التحقير، ولتسهيل عملية التقصي عنهم. تخيل المتحولون أنهم قد هربوا من محاكم التفتيش، ولكن مع كل أسفٍ اعتبرتهم محاكم التفتيش أكثر خطرًا على الكنيسة. فقد كانوا يمارسون ديانتهم سرًا، لذلك أصبحوا بعد تحولهم تحت عدسة محاكم التفتيش. [1]
كان المورسكيون مثلًا يستعملون الكتب التي لقبت بالجاميادوس لنقل تعاليمهم الإسلامية سرًّا. وكذلك استطاعوا إدخال عددًا من المسيحيين في دينهم. كان كلٌ من الموررسكيون والمارانوس يعيشون بشخصيةٍ مزدوجة. فكان لكل منهم اسمًا مسيحيًّا إلى جانب اسمه الحقيقي، يحضرون الصلاة في الكنيسة، ليعودوا إلى مخابئهم ويمارسون دياناتهم. وكما أثر اتحاد مملكتي قشتالة وأراغون على المورسكيين، أثر كذلك على اليهود. وقد استغلت إسبانيا قرارات البابا سيكستوس الرابع بإعطائهم صلاحية اختيار المحققين في تلك القضية لمصالحهم الشخصية، وليحافظوا على ملكهم. حتى أن البابا سيكستوس حاول التدخل بعد أن وصله أخبار عن وحشية محاكم التفتيش الإسبانية ولكن دون جدوى. [1]
كان الراهب توماس دي توركيمادا أول محقق عام في محاكم التفتيش الإسبانية. وكانت لتوركيمادا أصول يهودية. ورغم ذلك، كان توجهه الأول هو اليهود المتحولين. في عام 1472م، خيّر توماس اليهود بين التحول أو الطرد. تحول العديد من اليهود خوفًا من العنف والسادية التي اتسمت بها محاكم التفتيش عامةً، وسادية الراهب توماس خاصةً. وطرد إثر ذلك حوالي 160,000 يهودي من أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية. كما أمر توركيمادا بحرق 2000 من المخالفين كعقوبة قصوى، نتيجة أسبابٍ مختلفة، كالشذوذ الجنسي، والكفر، أو تعدد الزوجات. [1،2]
في عام 1614م ومع تزايد اضطهاد المسلمين، ونقض معاهدة تسليم غرناطة، طرد 300,000 مسلم من أراضي إسبانيا. كان الأسقف فرانسيسكو خيمينيز الأكثر عداوةً ضد المورو المسلمين، وساعد في تحولهم القسري للمسيحية. لم يستطع المورو المتحولون الاندماج بسهولة مع الديانة الجديدة، ولذلك قاموا بثورات عديدة تصدى لها الأسقف خيمينيز. لم يكن توجه محاكم التفتيش مقتصرًا على اليهود والمسلمين، بل شمل كذلك العلماء والكيميائيين، وبعض الفصائل المسيحية المخالفة للكنيسة كالبروتستانتية. [1،2]
اختلفت الديانة المسيحية عن الديانات الأخرى، فقد جعلت الكنيسة نفسها وسيط بين الإله وبين الشعب حينها. لذلك كانت الكنيسة وحدها من تحدد ماهية الهرطقة، وتحدد كذلك العقوبة اللازمة لها. كانت الهرطقة التي تعاقب عليها الكنيسة، هي أي مذهب مخالف للأرثوذوكسية. وكانت العقوبة في البداية تعتمد على الطرد، ثم تطورت لتصل إلى الإعدام. وفي القرن السادس عشر ظهرت الكنيسة الكاثوليكية التي نددت بأنها هي الأساس، وهي من يجب أن تحدد ماهية الهرطقة وطرق العقاب. [1،2]
اعتبرت الكنيسة آن الكيمياء من السحر، لذلك كان المهرطق إما ساحر أو عالم أو عابد. وليس لك إلا أن تبتعد عن كل ما هو جديد أو غريب قد لا ترضى عنه الكنيسة. وكان عادة ما يجهل المتهم من قبل محاكم التفتيش ماهية هرطقته، فقد تكون تهمة بالكفر لمجرد اغتساله كالمسلمين يوم الجمعة. كذلك كانت تحاول محاكم التفتيش جذب المخطئين عن طريق تقديم العفو أو تقليل العقوبة في حالة الاعتراف، ولكن لم يحدث ذلك. على العكس تمامًا، استغلت محاكم التفتيش تلك الاعترافات في اكتشاف المتآمرين الآخرين. لم تسمح محاكم التفتيش للماثلين أمامها بالدفاع عن أنفسهم. وكانت نتيجة لتلك المحاكمات هي التطهير عن طريق التعذيب في احتفالية كبرى يطلق عليها «أوتو دا في- auto-de-fé». [1،2]
يجتمع المدانين في حدث عام يدعى أوتو دا في، ويتم إلباسهم الخيش فوق رؤوسهم، مع فتحة تكشف لهم عينًا واحدة. تقام لهم محاكمة غير عادلة بالمرة، لا يسمح لهم باستدعاء من يدافع عنهم في تهمة يواجهونها لأول مرة. تتم مطالبتهم بالاعتراف عمًا بدر منهم، ولا يستطيعون الإجابة لجهلهم بماهية ما قد اقترفوه. وعندما ينكرون التهم ويلتزمون الصمت، يعاقبون لإخفائهم الحقيقة وتماديهم بالكذب. ويعترف العديد بأي تهمة موجهة له نتيجة للتهديد، أو العنف المستخدمين في الاستجواب. [1،2]
في نهاية القرن السادس عشر، لم تكتف محاكم التفتيش من معاقبة اليهود والمسلمين داخل حدود شبه الجزيرة الأيبيرية فقط. بل لاحقتهم وقتلت العديد منهم، كذلك جدد فيليب الثاني العداوة ضد المورو المسلمين وباع من نجى من القتل كعبيد. [1،2]
حاولت الكنيسة ردع المحققين، ومنعهم من استخدام العنف، ولكن فشلت في ذلك فقد استمر العنف وأصبح ممنهجًا. كذلك حاول بعض اليهود تقديم المال لإنهاء تلك المحاكم، وباءت تلك المحاولات أيضًا بالفشل. وكذلك حاول المسلمون أن يتصدوا لتلك المحاكم عن طريق الثورات التي تصدى لها الأسقف خيمينيز، وعاقب كل من سوّلت له نفسه بأن يقف أمام محاكم التفتيش. وفي عام 1485م قام البعض بتسميم المحققين، ونجحوا في ذلك. إلا أن توركيومادا استطاع أن يكتشف هويتهم، وقام بإحراق 42 شخصًا نتيجة لأفعالهم تلك. أجبرت الكنيسة توركيومادا على تقاسم مهمة محاكم التفتيش مع أربعة رجال دين آخرين، للتخفيف من أعمال العنف التي يقوم بها. [1،2]
وفي عام 1808م، بعد ما يقارب الأربع قرون، غزا نابليون إسبانيا، وأصدر قرارًا بإلغاء محاكم التفتيش. وبعد هزيمة نابليون، حاول فرديناند إعادة محاكم التفتيش، ولكن قوبلت محاولاته بالرفض من قبل فرنسا. كان آخر من تم قتله من قبل محاكم التفتيش، المعلم الإسباني كايتانو ريبول، بتهمة تدريسه مبادئ الربوبية. حدث ذلك في عام 1826م رغم عدم وجود محاكم تفتيشٍ رسمية في ذلك الوقت. استمرت محاكم التفتيش، ولكن تغيرت أسماءها عدة مرات حتى يومنا الحالي، وتغيرت كذلك طرقها ومفاهيمها. [2]
المصادر
1- Britannica
2- History.com
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…