قد تحمل الخرسانة وهي مادة البناء الأكثر استخدامًا في العالم، المفتاح لتزويد منازلنا ومبانينا بالطاقة في المستقبل. حيث قام فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بتطوير تقنية متقدمة تستخدم نوعًا من الخرسانة لإنشاء مكثف فائق. والمكثف الفائق هو جهاز يمكنه تخزين الطاقة وإطلاقها بسرعة. تتمتع هذه التقنية المبتكرة بالقدرة على حل أحد أكبر التحديات التي تواجه تحول العالم إلى الطاقة النظيفة؛ وهي كيفية تخزين مصادر الطاقة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فكيف ستغير المكثفات الفائقة الخرسانية عالمنا؟
محتويات المقال :
عصر جديد من تخزين الطاقة
أصبحت الحاجة إلى حلول فعالة ومستدامة لتخزين الطاقة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خاصةً مع تحول العالم بشكل متزايد إلى مصادر الطاقة المتجددة. ولم تعد بطاريات الليثيوم أيون التقليدية، التي تعتمد على موارد شحيحة وتعاني من عيوب بيئية عديدة، هي الخيار الوحيد. إذ أدى البحث عن مواد بديلة للبطاريات إلى تطوير تقنيات جديدة، بما في ذلك المكثف الفائق للأسمنت الكربوني. يستخدم هذا الابتكار المتطور ثلاث مواد أساسية رخيصة الثمن وهي: الماء، والأسمنت، وأسود الكربون من أجل إنشاء جهاز تخزين طاقة عالي الكفاءة.
الخرسانة الموصلة
تخيل عالمًا حيث المباني والبنى التحتية ليست مجرد هياكل، ولكنها أيضًا أجهزة لتخزين الطاقة. قد يبدو هذا كالخيال العلمي، لكن العمل المبتكر الذي قام به داميان ستيفانيوك وفريقه في معهد MIT يجعل هذه الرؤية أقرب إلى الواقع. نحن أمام ابتكار يمكن أن يحدث ثورةً في الطريقة التي نخزن بها الطاقة. قد تبدو الفكرة بعيدة المنال، ولكنها مبنية على مفهوم بسيط وقوي، حيث يمكن للخرسانة أن تكون موصلة للكهرباء. ومن خلال تسخير موصلية أسود الكربون، قاموا بإنشاء مكثف فائق يمكنه تخزين الطاقة وتزويد منازلنا بها.
في عالم علم المواد، تشير الموصلية إلى قدرة المادة على توصيل الكهرباء. ويعتقد معظم الناس أن المعادن مثل النحاس أو الحديد هي مواد موصلة جيدة، لكن اكتشف الباحثون أن أنواعًا معينةً من الكربون يمكن أيضًا أن تكون موصلة بدرجة عالية. تُعرف هذه الخاصية باسم الموصلية الإلكترونية، وهي ما يجعل أسود الكربون مادةً فريدةً جدًا.
كيف تعمل المكثفات الفائقة الخرسانية؟
قبل أن نتمكن من تسخير قوة الخرسانة الموصلة، علينا أن نفهم كيف تعمل. يعتبر أسود الكربون مادة مسامية للغاية، مما يعني أنه يحتوي على مساحة سطحية كبيرة غنية بالعيوب والشوائب. تخلق هذه العيوب والشوائب شبكة من المسارات الموصلة، مما يسمح للإلكترونات بالتدفق عبر المادة بسهولة. ويخلق أسود الكربون عند دمجه مع مسحوق الأسمنت والماء نوعًا من الخرسانة المليئة بشبكات من المواد الموصلة تشبه الجذور الصغيرة المتفرعة باستمرار. تسمح هذه الشبكات، المعروفة باسم مسارات الترشيح، للإلكترونات بالتدفق بحرية في جميع أنحاء المادة. مما يجعلها موصلًا عالي الكفاءة للكهرباء.
يتكون المكثف الفائق الخرساني من لوحين موصلين مصنوعين من أسمنت أسود الكربون بينهما غشاء. تم نقعهما في ملح إلكتروليت يسمى كلوريد البوتاسيوم. عند تطبيق تيار كهربائي على اللوحين المنقوعين بالملح، تتراكم الأيونات المشحونة إيجابيًا من كلوريد البوتاسيوم على اللوحين المشحونين سلبيًا. ولأن الغشاء يمنع تبادل الأيونات المشحونة بين اللوحين، يؤدي فصل الشحنات إلى إنشاء مجال كهربائي.
إيجابيات المكثفات الفائقة الخرسانية
يتمتع المكثف الفائق المصنوع من الأسمنت الكربوني بالقدرة على التغلب على تحديات تخزين الطاقة الحالية. على عكس البطاريات التقليدية، يمكنها الشحن والتفريغ بسرعة، مما يجعلها مثالية للتطبيقات التي تتطلب إطلاقًا سريعًا للطاقة. كما يمكن زيادة حجم المكثف الفائق إلى أحجام أكبر، مما يسمح له بتخزين كميات كبيرة من الطاقة. علاوةً على ذلك، يمكن دمجها في البنية التحتية القائمة، مثل المباني والطرق، مما يوفر حلاً قابلاً للتطبيق لتخزين الطاقة اللامركزية.
تعد التطبيقات المحتملة لهذه التكنولوجيا واسعة. تخيل الشوارع والطرق السريعة التي يمكنها تخزين الطاقة المولدة من الألواح الشمسية أو توربينات الرياح، ثم إطلاق تلك الطاقة لتشغيل السيارات الكهربائية أثناء مرورها. أو المباني التي يمكنها الاستفادة من الطاقة الشمسية أثناء النهار وإطلاقها في الليل، مما يقلل من اعتمادنا على الشبكة.
كيف تختلف المكثفات الفائقة الخرسانية عن البطاريات؟
تتميز المكثفات الفائقة بكفاءة عالية في تخزين الطاقة، ولكنها تختلف عن البطاريات في بعض النواحي المهمة. يمكنهم الشحن بسرعة أكبر ولا يعانون من نفس مستويات التدهور في الأداء. ومع ذلك، فإنها تطلق أيضًا الطاقة التي تخزنها بسرعة، مما يجعلها أقل فائدة للأجهزة التي تتطلب إمدادًا ثابتًا للطاقة على مدى فترة طويلة من الزمن مثل الهواتف المحمولة، أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أو السيارات الكهربائية.
على الرغم من ذلك، يمتلك المكثف الفائق للأسمنت الكربوني القدرة على التغلب على هذا القيد. فعن طريق ضبط خليط أسود الكربون والأسمنت، يستطيع الباحثون ضبط الجهاز لإنتاج إطلاق أبطأ وأكثر ثباتًا للطاقة. وهذا قد يُمكّن الجهاز من تزويد المنزل بالطاقة طوال اليوم، بدلاً من مجرد توفير دفعة منها.
تحديات تواجه التقنية الجديدة
لا تزال هناك تحديات يتعين التغلب عليها قبل أن يتم اعتماد هذه التكنولوجيا. يعد إيجاد طريقة لإنتاج هذه المواد بكميات كبيرة أحد أكبر التحديات، حيث أن زيادة إنتاج أسود الكربون والأسمنت يمكن أن يكون مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً.
التحدي الآخر هو إيجاد طريقة لتحقيق استقرار المادة مع مرور الوقت، حيث أن المكثفات الفائقة الخرسانية يمكن أن تتحلل بسرعة إذا لم يتم تخزينها أو صيانتها بشكل صحيح. وهذا يتطلب فهمًا أعمق للخصائص الكيميائية والفيزيائية للمادة، بالإضافة إلى تطوير تقنيات تصنيع جديدة وبروتوكولات اختبار.
في الوقت الحالي، يمكن للمكثف الفائق الخرساني تخزين قرابة 300 واط في الساعة لكل متر مكعب – وهو ما يكفي لتشغيل مصباح LED بقوة 10 وات لمدة 30 ساعة. قد يبدو ناتج الطاقة منخفضًا مقارنة بالبطاريات التقليدية. لكن الأساس الذي يحتوي على 30-40 مترًا مكعبًا من الخرسانة قد يكون كافيًا لتلبية الاحتياجات اليومية من الكهرباء لمنزل سكني.
يسمح إضافة المزيد من الكربون الأسود للمكثف الفائق بتخزين المزيد من الطاقة، لكنه يجعل الخرسانة أيضًا أضعف قليلاً. بسبب ذلك نحتاج لإيجاد مزيج مثالي بينهما. وبينما يمكن أن تساعد المكثفات الفائقة الخرسانية في تقليل اعتمادنا على الليثيوم، إلا أنها تأتي بتأثيرها البيئي الخاص. لأن إنتاج الأسمنت مسؤول عن 5-8٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من النشاط البشري على مستوى العالم.
على الرغم من هذه التحديات، فإن المكافآت المحتملة كبيرة. ومن الممكن أيضاً أن تلعب دوراً حاسماً في التخفيف من آثار تغير المناخ. فمن خلال تمكين اعتماد مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، ومع استمرار الباحثين في التغلب على التحديات ودفع حدود هذه التكنولوجيا. قد نشهد قريبًا المكثفات الخرسانية الفائقة جزءًا نعتاد عليه في حياتنا اليومية، لتزويد المنازل والشركات بالطاقة في جميع أنحاء العالم.
مستقبل الخرسانة الموصلة
في حين أن فكرة الخرسانة الموصلة قد تبدو مبتكرة، إلا أنها مبنية على عقود من البحث في خصائص أسود الكربون. ومع ذلك، فإن توسيع نطاق هذه التكنولوجيا أمر بالغ الأهمية، لأنه يحمل القدرة على إحداث ثورة في طريقة تخزين الطاقة. يعمل الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على تحسين الصيغة، وتحسين مزيج أسود الكربون والأسمنت لتحقيق أفضل توازن بين التوصيل والسلامة الهيكلية.
المصدر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :