Ad

منذ اكتشاف النشاط الإشعاعي على يد هنري بيكيريل سنة 1896، بدأت تتولى تطبيقات هذا الاكتشاف. وقد استغل العلماء المواد المشعة الموجودة في الطبيعة في عملية التأريخ، حيث ظهرت عدة طرق لتأريخ مختلف أنواع الأجسام في الطبيعة. فما هو التأريخ الإشعاعي؟ وماهي أهم الطرق المستخدمة فيه؟

ما هو التأريخ الإشعاعي؟

من أجل فهم تاريخ الحضارات الإنسانية الغابرة، يستعمل العلماء طرقا مختلفة في تقدير عمر الصخور والتحف التي تعود لهذه الحضارات. وتعتبر المواد المشعة من أدق الوسائل التي قد تستعمل لهذا الغرض. وهذا ما يعرف بالتأريخ الإشعاعي، حيث تُستغَلُّ ظاهرة النشاط الإشعاعي لبعض المواد من أجل تحديد عمر الصخور والعظام والخشب وغيرها [1].

ومن أجل تأريخ عمر أحد الأجسام إشعاعيًا، يُشترط أن يحتفظ هذا الجسم بمادة مشعة داخله منذ تشكله إلى لحظة القيام بعملية التأريخ. وبحساب نسبة المادة المشعة التي تحللت إلى تلك التي لم تتحلل، يمكن تحديد عمر الجسم الذي يختزن هذه المادة المشعة [1].

حيث تمثل p1 كمية المادة المشعة لحظة تشكل الجسم وتمثل p2 كمية المادة المشعة عند لحظة التأريخ. أما λ فتمثل ثابت الانحلال الإشعاعي لهذه المادة المشعة.

كيف يعمل التأريخ الإشعاعي؟

يُؤرَّخ عمر الأشياء إشعاعيًا بحساب نسب النظائر المشعة فيها. فمن أجل تقدير عمر صخرة بركانية مثلًا، ننتقي مجموعة النظائر المشعة التي نجحت الصخرة في تخزينها، منذ تشكلها إلى وقتنا الحالي. ونقيس نسبة النظائر، التي لم تتحلل إشعاعيًا بعد، إلى العدد الأصلي، الذي كان أثناء تشكل الصخرة. وتمثل هذه النسبة عمر الصخرة [1].

وتختزن الأجسام الموجودة في الطبيعة المواد المشعة داخلها بعدة طرق. فمن المواد المشعة من يدخل في تركيبة جسم ما عن طريق التفاعلات النووية الطبيعية، التي تحدث بين الأشعة الكونية الآتية من الفضاء الخارجي وهذا الجسم. ومن المواد المشعة ما ينتج عن تحلل مادة مشعة إلى أخرى. ومنها ما يتسلل داخل الجسم  بتوغل عنصر كيميائي مع نظائره المشعة داخل بنية الجسم [1].

وتعد تركيبة النظائر المشعة داخل عينة طبيعية ما (صخرة أو عظم أوغيرها) لسانًا يتكلم بالأحداث التي مرت بها هذه العينة منذ تشكلها. فاختلال أحد النسب في أحد الصخور مثلا، يمَكن  من التنبأ بالظروف المناخية التي مرت بها الصخرة [1].      

أهم طرق الـتأريخ الإشعاعي

تختلف طرق التأريخ الإشعاعي حسب العنصر المشع المستعمل في عملية التأريخ. ومن بين أشهر هذه الطرق، نجد طريقة البوتاسيوم-أرجون وطريقة اليورانيوم-الرصاص وطريقة الكربون المشع. ويحدد العلماء نوع الطريقة الذي سيستعمل في عملية التأريخ حسب نوع العينة. فالمعادن الغنية بالبوتاسيوم تعتمد طريقة البوتاسيوم-أرجون. وتُؤرَّخ بقايا الكائنات الحية (الخشب والعظام) بطريقة الكربون المشع. بينما، تحتاج الصخور، التي تشكلت مع تشكل النظام الشمسي في تحديد عمرها إلى استعمال طريقة اليورانيوم-الرصاص [2].

1- طريقة البوتاسيوم-أرغون في التأريخ الإشعاعي

تعتمد طريقة البوتاسيوم-أرجون على تحلل البوتاسيوم-40 المشع إلى الأرغون-40. ويستعمل في تأريخ المعادن القديمة التي تحتوي على البوتاسيوم، والتي تتميز بوجود فائض من الأرغون-40.  يتحلل البوتاسيوم-40 إلى الأرغون-40 بشكل أساسي عن طريق ظاهرة «التقاط الإلكترون-Electron capture». وبفضل قانون النشاط الإشعاعي، يمكن استنتاج المدة الزمنية التي بدأت عملية التحلل، وبالتالي عمر المعدن المراد تأريخه [2].

حيث تمثل كل من [40Ar] و[40K] كميتي الأرغون-40 والبوتاسيوم-40 في اللحظة t. وتمثل λEC ثابت التحلل الإشعاعي لتحلل البوتاسيوم-40 إلى الأرغون-40، وتمثل λ ثابت التحلل الإشعاعي الكلي لتحلل البوتاسيوم-40.

ويقوم استعمال هذه الطريقة على فرضيتين. أولاهما، أن العينة المراد تأريخها عبارة عن نظام مغلق، أي أن العينة لم تستقبل أو تُسرب أيا من المادة المشعة (البوتاسيوم-40) أوالمادة الناتجة عن التحلل (الأرغون-40) بعد تشكلها. وأخراهما، أن العينة لا تحتوي أي كمية من الأرغون-40 بعد تشكلها. ونظرا لصعوبة تحقق هاتين النظريتين بشكل كامل، فإن وضع بعض التصحيحات ضروري للحصول على عمر العينة بدقة كافية [2].

وعلى الرغم من التصحيحات، فإن التغيرات الطقسية، من ضغط وحرارة، قد تؤدي إلى فقدان أو زيادة في الأرغون-40 داخل العينة، وبالتالي تقديرات خاطئة لعمرها. لذلك، تُؤرَّخ بهذه الطريقة الصخور القادرة على تحمل الظروف المناخية القاسية، كالصخور البركانية مثلًا [2].

2- طريقة الكربون المشع في التأريخ الإشعاعي

تستعمل طريقة الكربون المشعة في تأريخ عمر بقايا الكائنات الحية. وتقوم على تحلل الكربون المشع الموجود في هذه الكائنات. ينتج الكربون المشع عن تفاعل الأشعة الكونية، الآتية من الفضاء الخارجي، مع ذرات النيتروجين الموجودة في الهواء. ويدخل في تركيب ثنائي أكسيد الكربون، الذي يدخل بدوره في تركيب الكائنات الحية. يظل الكربون المشع يتراكم داخل الكائنات الحية حتى يصل إلى حد ثابت. يمثل هذا الحد حالة تكافؤ بين الكربون المشع الداخل إلى الجسم وذلك المتحلل إشعاعيًا. عند موت الكائن الحي، يتوقف دخول الكربون إلى الجسم، فيختل التوازن بين الكربون المتكون والمختفي. هكذا، يبدأ الكربون المشع، داخل الكائن، يتناقص تدريجيا بالتحلل الإشعاعي. ويحدد عمر الكائن من  النسبة بين كمية الكربون المشع عند موت الكائن وكميته أثناء عملية التأريخ [2].

حيث تمثل λ ثابت التحلل الإشعاعي للكربون المشع، وتمثل A0 النشاط الإشعاعي للكربون المشع في العينة لحظة موتها، وتمثل A النشاط الإشعاعي للكربون المشعي في اللحظة  t، أي لحظة القيام بالتأريخ.

وللتأريخ بطريقة الكربون المشع، نفترض أن العينة غير ملوثة بالكربون المشعة الناتج عن التجارب النووية أو غيرها من المصادر للصناعية للكربون المشع. ويتم إدخال بعض التصحيحات للحصول على نتائج أكثر دقة، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار تغير نسبة الكربون المشع في الغلاف الجوي عبر الزمن. وتتنوع المواد التي يمكن تأريخها بهذه الطريقة من الفحم والخشب إلى الحبوب والبذور وغيرها[2].

وقد استعملت طريقة الكربون المشع في تأريخ أثاث الفرعون زوسر الموجود في مدينة سقارة المصرية. من أجل القيام عملية القياس، أخذ العلماء 20 غراما من خشب الأثاث الفرعوني. ثم قاسوا كمية الكربون الموجود في قطعة الخشب باستخدام عداد لقياس النشاط الإشعاعي. فكان العمر المقدَّر هو 2330 سنة قبل الميلاد بهامش خطأ يقدر بـ 350 سنة. بعد تطور أدوات القياس، تم تأريخ القطعة مجددًا يشكل أكثر دقة، فقُدِّر عمرها بـ 4115 سنة قبل الميلاد مع هامش خطأ بحوالي 34 سنة [2].  

3- طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص في التأريخ الإشعاعي

تستخدم طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص نظائر اليورانيوم والثوريوم المشعة، التي تتحول بعد سلسلة من التحللات الإشعاعية إلى نظائر مستقرة للرصاص، في عملية التأريخ الإشعاعي. وتتميز هذه الطريقة بوجود ثلاث سلاسل للتحلل، حيث يتحول كل من اليورانيوم-238 واليورانيوم-235 والثوريوم-232 إلى الرصاص-206 والرصاص-207 والرصاص-208، على التوالي. وهكذا، يمكننا من حساب عمر نفس الصخرة بثلاث سلاسل مختلفة، والتي يجب أن تعطي نفس العمر في الحالة المثلى. بالإضافة إلى هذا، تسمح هذه الطريقة بحساب عمر الصخرة دون الحاجة إلى معرفة كمية نظيري اليورانيوم 235U و238U، حيث يتم الاستعاضة عنها بنسبة اليورانيوم-235 إلى اليورانيوم-238 (تساوي 1/137.88).  لهذا، تعتبر هذه الطريقة أكثر الطرق دقة، حيث يصل مستوى الدقة فيها إلى (1/10,000) من عمر العينة. لكن هذا، لا يعني أن النتائج تكون دائمًا دقيقة، فقد يؤثر تسرب الرصاص خارج العينة على القياسات [2][3].

ورغم وجود نظائر اليورانيوم والثوريوم في كثير من المعادن، إلا أنه لا يمكن تطبيق طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص إلا على تلك القادرة على الاحتفاظ بهذه نظائر. بالإضافة إلى هذا، يجب ألا يقل عمر العينة عن المليون سنة [2][3].

المصادر

[1] Radioactivity and Radiometric Dating

[2] Radioactive Dating Methods

[3] Uranium–Lead Dating 

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية فيزياء

User Avatar

مريم بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 27
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق