Ad

حصل العديد من الصحفيين على جائزة نوبل للسلام في تاريخها الممتد 120 عامًا، فهم النسور الحارسة لحرية التعبير ومراقبي الحكومات المستقلين وحلقة الوصل بين ما يحدث بالفعل وما يراه الناس، فإذا انقطعت الحلقة وتلوثت بالمصالح الشخصية والأهواء السياسية؛ فقد المجتمع بصره وتخبط في ظلام الكذب والخداع والدعاية السياسية التي لا تضع مصالح الشعب فوق مصالح الحكومات أغلب الوقت بل العكس.

أحيانا ما يتم يتم تكريم الصحفيين والمؤسسات الإعلامية من خلال الترشيحات لجائزة نوبل للسلام، عام 2021 صرح زعيم حزب العمال النرويجي والممثل البرلماني «يوناس غار ستور-Jonas Gahr Støre» إنه رشح منظمة «مراسلون بلا حدود» و«لجنة حماية الصحفيين» والسيدة «ماريا ريسا-Maria Ressa» للجائزة، وبالفعل فازت ماريا ريسا بها في نفس العام! مناصفة مع «ديمتري موراتوف» عن:

«جهودها في حماية حرية التعبير التي هي شرط مسبق للديمقراطية والسلام الدائم»

ماريا ريسا
ماريا ريسا

من هي ماريا ريسا؟

ولدت ماريا أنجيليتا ريسا [إيسا بلغتها الأم؛ التجالوك] في مانيلا، الفلبين في 2 أكتوبر 1963، توفي والدها قبل تمام عامها الأول وانتقلت والدتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية تاركة ابنتيها مع عائلة أبيهم.

وبعد أن وتزوجت والدتها رجل إيطالي/أمريكي عادت إلى الفلبين لتأخذ الطفلتين إلى الولايات المتحدة عندما كانت ريسا في العاشرة من عمرها، مما أتاح لها فيما بعد أن تدرس علم الأحياء الجزيئي والمسرح في جامعة برينستون وتتخرج بدرجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية والمسرح عام 1986، وتحصل على زمالة فولبرايت لدراسة المسرح السياسي في جامعة ديليمان بالفلبين.

عملها، لماذا فازت بجائزة نوبل للسلام 2021

في البداية عملت ريسا في قناة تلفاز حكومية في الفلبين إلى أن شاركت في تأسيس شركة الإنتاج المستقلة Probe عام 1987، وشغلت في الوقت نفسه منصب مدير مكتب CNN في مانيلا حتى عام 1995، ركزت ماريا على التحقيقات الإرهابية في جنوب شرق آسيا، فكتبت «بذور الإرهاب: رواية شاهد عيان لأحداث مركز عمليات القاعدة في جنوب شرق آسيا» و«من بن لادن إلى الفيسبوك: 10 أيام من الاختطاف، 10 سنوات من الإرهاب».

قبل حصولها على جائزة نوبل للسلام ولشجاعتها وعملها على تصحيح المعلومات المضللة و«الأخبار الزائفة-Fake news»

  • حصلت ماريا على لقب شخصية العام لعام 2018 من مجلة تايم.
  • كانت من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة عام 2019.
  • تم اختيارها كواحدة من أكثر نساء القرن تأثيرًا من مجلة تايمز.
  • كانت جزءًا من الـ 100 امرأة الأكثر إلهامًا وتأثيرًا في استطلاع بي بي سي لعام 2019.
  • كانت ضمن أكبر 50 مفكراً في العالم طبقًا مجلة بروسبكت.
  • كما حصلت عام 2020 على جائزة صحفي العام وجائزة جون أوبوشون لحرية الصحافة، جائزة الصحفي الأكثر تنوعًا، وجائزة توشولسكي، وجائزة الحقيقة، وجائزة الحريات الأربع.
غلاف مجلة التايمز عام 2018
غلاف مجلة التايمز عام 2018

عملت ريسا كصحفية في آسيا لمدة 35 عامًا حتى شاركت في تأسيس شبكة «ريبلر- Rappler» وهو موقع إخباري رقمي يقود الكفاح من أجل حرية الصحافة في الفلبين، بصفتها الرئيس التنفيذي لريبلر عانت ماريا من مضايقات سياسية واعتقالات مستمرة من قبل حكومة الرئيس «رودريغو دوتيرتي-Rodrigo Duterte»، وأجبرت على دفع كفالة عشر مرات للبقاء حرة.

«ريبلر- Rappler»

أنشأت ريسا موقع «ريبلر- Rappler» عام 2012 مع ثلاث مؤسِّسات أخريات وفريق صغير مكون من 12 صحافيًا ومطورًا، وبدأت كصفحة على Facebook باسم MovePH في أغسطس 2011، ثم تطورت إلى موقع ويب كامل.

في 1 يناير 2012 أصبح الموقع من أوائل المواقع الإخبارية ذو الوسائط المتعددة في الفلبين وبوابة إخبارية رئيسية في الفلبين، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية قبل أن تحصل مؤسسته على جائزة نوبل للسلام.

 (معركة رابلر من أجل الحقيقة والديمقراطية هي موضوع الفيلم الوثائقي لمهرجان صندانس السينمائي لعام 2020 «ألف قطع-A Thousand Cuts»).

العمدة: دوتيرتي

«نحن تاسع أكثر مدينة آمنة في العالم كيف تعتقد أنني فعلت ذلك؟ كيف وصلت إلى هذا اللقب بين أكثر مدن العالم أمانًا؟ قتلتهم جميعا (المجرمين)». – دوتيرتي، 15 مايو 2015.

دوتيرتي

دوتيرتي

قبل وصوله لحكم الفلبين كان دوتيرتي عمدة مدينة ديفو ولقب بـ «المُعاقِب» لشهرته بعمليات القتل خارج نطاق القضاء لما يزيد عن 1400 مجرم مزعوم وأطفال الشوارع على أيدي مجموعة حرّاس «فرق الموت» ورغم نفى دوتيرتي مسؤوليته عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء إلا أنه صرح في يوليو 2005 أن

«يظل الإعدام بإجراءات موجزة للمجرمين الوسيلة الأكثر فعالية للقضاء على عمليات الاختطاف والمخدرات غير المشروعة».

«إذا كنت تقوم بنشاط غير قانوني في مدينتي، إذا كنت مجرمًا أو عضوًا في نقابة تعتدي على الأبرياء في المدينة، طالما أنني العمدة، فأنت هدف شرعي للاغتيال». دوتيرتي عام 2009

عام 2015 أكد دوتيرتي ارتباطاته بعمليات القتل خارج نطاق القضاء في دافاو، وحذر من أنه في حالة انتخابه رئيسًا قد يقتل ما يصل إلى مئة ألف مجرم! بعد التأكيد المذكور، تحدى دوتيرتي مسؤولي حقوق الإنسان لرفع دعوى ضده إذا كان بإمكانهم تقديم أدلة على صلته بجماعات الحرّاس.

الرئيس: دوتيرتي

في 9 مايو 2016 فاز دوتيرتي في الانتخابات الرئاسية الفلبينية بعد أن وعد بتخفيض الجريمة وقتل عشرات آلاف المجرمين. وقد ركزت سياسته الداخلية على مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات عن طريق بدء حملة لقتل التجار.

وبعد انتقادات خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بأن عمليات القتل خارج القانون قد ازدادت منذ انتخابه، هدد دوتيرتي بسحب الفلبين من الأمم المتحدة وتشكيل منظمة جديدة مع الصين والدول الأفريقية، وأعلن عزمه على اتباع «سياسة خارجية مستقلة» وسعى إلى إبعاد الفلبين عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا.

دوتيرتي والحرب على المخدرات

ظل دوتيرتي البالغ من العمر 76 عامًا يتمتع بشعبية منذ انتخابه عام 2016 حتى الأن؛ فتقدر شعبيته بتأييد بالغ 91٪ من الشعب لكن ريسا تشكك في دقة هذا الرقم نظرًا للسياق السياسي.

«في بيئة يسودها العنف والخوف، هل سيصرح الناس حقًا إنهم لا يثقون بالرئيس دوتيرتي؟ هل سيقولون إنهم لا يثقون في الشرطة؟». -ريسا

لكن مهما كانت شعبية دوتيرتي في الداخل فإن حربه المثيرة للجدل على المخدرات قد تسببت في إدانات دولية مستمرة؛

«إن على الجمهور قتل المدمنين»! -دوتيرتي.

يقدر مكتب «مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان-OHCHR» أنه منذ يوليو 2016 قتل ما لا يقل عن 8600 شخص في حرب المخدرات التي شنتها حكومة دوتيرتي وتقدر جماعات حقوق الإنسان عدد القتلى الفعلي بما يصل إلى 27 ألف قتيل!.

في تغطيتها لحملة مكافحة المخدرات نشرت رابلر إن إدارة دوتيرتي لم تبلغ عن عمليات القتل، وظلت شبكة «ABS-CBN» أكبر كيان إعلامي في البلاد تنشر عن عمليات القتل بشكل حاسم، حتى تم إيقافها العام الماضي بعد أن رفض الكونجرس تجديد ترخيصها، الأن تعمل بعض قنواتها ومحطاتها الإذاعية عبر الإنترنت.

ومع وجود عدد أقل من المواقع الإخبارية التقليدية يتجه المزيد من الجماهير إلى وسائل التواصل الاجتماعي المليئة بالأخبار المضللة الكاذبة التي تنشرها كتائب دويترتي الاليكترونية بهدف التضليل المعلوماتي!.

ريسا ودوتيرتي

«في أقل من عامين قدمت الحكومة الفلبينية 10 أوامر قبض ضدي لذا اضطررت إلى دفع الكفالة 10 مرات كي أستمر في القيام بعملي، كل هذه التهم تحمل عقوبة قصوى تراكمية تبلغ من 100 عام إلى 103 عام!». ريسا

وعلى الرغم التهديدات  وفرض العقوبات عليها تركز ريسا على التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي وكيف يؤثر على «تراجع الديمقراطية» في حين أنها تتعرض بانتظام للهجوم من قبل متصيدي الإنترنت؛ فمنذ وصول الرئيس «رودريغو دوتيرتي-Rodrigo Duterte» إلى السلطة عام 2016 يصلها حوالي 90 رسالة كراهية في الساعة وفق تحليل أجراه المركز الدولي للصحفيين.

تعزز حملات وسائل التواصل الاجتماعي سياسات الرئيس وتهاجم منتقديه، وأشار باحثون إلى ارتفاع نسبة المعلومات المضللة والتصيد الذي يستخدمه السياسيون على أنه «أشكال جديدة من الحملات الرقمية» لكن حكومة الرئيس دوتيرتي دائمًا ما تصرح: «ليس لدينا سياسة لنشر المعلومات المضللة للجمهور» بما في ذلك توظيف المتصيدون لتشويه سمعة المعارضين، لكن ريسا مصرة على أن الكراهية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت مشكلة كبيرة.

 «إذا لم يتم السيطرة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فلن نتمتع بنزاهة انتخابية ففي  ظل ما عشناه خلال السنوات الست الماضية من إدارات دوتيرتي ستموت الديمقراطية الفلبينية قريبًا». ريسا

تصاعد فتور العلاقة بين رابلر ودوتيرتي على مر السنوات فالرئيس مازال يتهم شركة ريبلر بأنها مملوكة للأميركيين وتنشر أخبار كاذبة، وبموجب القانون الفلبيني تعتبر الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام غير قانونية، في حين تصر ريسا إنها مملوكة من قبل فلبينيين، وتنفي الاتهامات بالكامل، قائلة:

«لم نعتبر أنفسنا أبدًا مناهضين للحكومة، نحن فقط نقوم بوظائفنا».

تجارب كمبردج اناليتكا؟!

يُعتقد أن الفلبين كانت ساحة اختبار لتجارب وسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب النفسي والسياسي، حيث ذكرت تقارير استقصائية أن شركة استشارية بريطانية تدعى «كمبردج اناليتكا-Cambridge Analytica» تملك 1.17 مليون حساب على Facebook لخداع المستخدمين والمنصة.

تم اتهام Cambridge Analytica من قبل باستخدام البيانات الشخصية للإعلانات السياسية المستهدفة التي شملت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016.

تقول ريسا: «منصة فيسبوك نفسها صرح إن الفلبين كانت نقطة البداية وأخبرني «كريستوفر ويلي-Christopher Wylie» المُبلغ عن مخالفات Cambridge Analytica؛ أن  اناليتكا وشركتها الأم [SCL Group] كانت تعمل في الفلبين  في أوائل عام 2012 /2013».

وجهان لعملة واحدة، التلاعب الرقمي
وجهان لعملة واحدة، التلاعب الرقمي

أعلنت شركة Cambridge Analytica إفلاسها في 2018 بعد فضائح متعددة ومعارك قضائية ومازلت تنفي أنها استفادت من البيانات الخاصة بالانتخابات الأمريكية حسبما ذكرت رويترز، لكن الفلبيين مازالت تواجه جيوشًا من متصيدي نشر المعلومات المضللة ورسائل الكراهية  التي غالبًا ما تستهدف منتقدي الحكومة.

وتحذر ريسا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الاستبداد الرقمي، قائلة: «جزء من السبب الذي يجبر بقية العالم على النظر إلى ما يحدث في الفلبين أنه أتً إليك لا محالة  وسوف يهدد ديموقراطيتك يومًا ما، هذا هو مستقبلنا البائس» 

«نحن نخسر معركة حقوقنا»-ماريا ريسا

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أدب جوائز

User Avatar

Dina Fawzy

Art historian, Writer, Teacher, and Science enthusiast. with a deep love for both teaching and learning, here Researching and waiting for great things to be discovered, and exciting changes to happen in the world of Art, Science, and Technology.


عدد مقالات الكاتب : 31
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق