في عام 2017، حقق علماء الفلك في مرصد “Pan-STARRS1” اكتشافًا رائدًا. وأثناء البحث عن كويكبات قريبة من الأرض، اكتشفوا جسمًا يندفع بالقرب من شمسنا بسرعة مذهلة تبلغ 23.8 ميلًا في الثانية. تم العثور على هذا الجسم الغامض، الذي سمي فيما بعد أومواموا (Oumuamua)، ويبلغ طوله حوالي 400 مترًا ويشبه الفطيرة. لكن ما جعل الأمر مميزًا للغاية هو أنه أتى من خارج نظامنا الشمسي. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف المزيد من الزوار بين النجوم (interstellar visitor)، بما في ذلك المذنب المارق “2I/Borisov” في عام 2019. وقد أثارت هذه اللقاءات سؤالًا رائعًا، هل يمكن لنظامنا الشمسي ضم كوكب جديد؟
وفقا لدراسة جديدة، قد تكون الإجابة نعم. الكواكب المارقة، التي تم إنشاؤها في نفس أقراص الكواكب الأولية مثل الكواكب العادية، يمكن أن تُطرد من نظامها الأصلي أثناء لقاءات قريبة مع أنظمة أخرى. ويقترح الفريق الذي يقف وراء الدراسة أنه من الممكن لنظامنا الشمسي التقاط هذه الكواكب، مما قد يكون له تأثير كبير على فهمنا لتكوين الكواكب وهندسة جوارنا الكوني. ولكن كيف تتم عملية الالتقاط هذه، وما هي عواقب وجود كوكب مارق في نظامنا الشمسي؟
محتويات المقال :
ما هي الكواكب المارقة؟
الكواكب المارقة، والمعروفة أيضًا بالكواكب الحرة العائمة أو الأجسام بين النجوم، هي أجسام سماوية ذات كتلة كوكبية لا تدور حول نجم. بل إنها تتجول في الفضاء، غير مرتبطة بأي نظام نجمي. تتحدى هذه الأجسام الغامضة فهمنا التقليدي لتكوين الكواكب ووجودها.
ولا تزال أصول الكواكب المارقة موضع نقاش بين علماء الفلك. تشير إحدى النظريات إلى أنها طُردت من أنظمة نجومها الأم أثناء تفاعلات جاذبية عنيفة مع كواكب أو نجوم أخرى. وهناك احتمال آخر مفاده أنها تشكلت بشكل مستقل، خارج أي نظام نجمي، من انهيار سحب كثيفة من الغاز والغبار.
إن اكتشاف الكواكب المارقة له آثار كبيرة على فهمنا لتكوين الكواكب وإمكانية الحياة في الكون. وفي حين أن الظروف القاسية على الكواكب المارقة، مثل درجات الحرارة الشديدة ونقص ضوء الشمس، قد تبدو غير مضيافة للحياة كما نعرفها، فإن بعض العلماء يتكهنون بأن بعض الكواكب المارقة ذات الظروف الجوية المناسبة ومصادر الحرارة الداخلية قد تكون موطنًا للحياة.
نظامنا الشمسي احتوى على 5 كواكب
يتم إنشاء الكواكب المارقة، والمعروفة أيضًا باسم الكواكب الحرة، في نفس أقراص الكواكب الأولية مثل الكواكب العادية، ولكن يمكن أن يتم إخراجها من نظامها الأصلي أثناء مواجهات قريبة مع أنظمة أخرى. وفقًا لأفضل نماذج التكوين لدينا، يمكن أن يحدث هذا القذف بسبب تفاعلات الجاذبية مع النجوم المجاورة أو الأجسام الكوكبية الأخرى.
الأمر يشبه لعبة بلياردو كوكبية كونية، حيث تصطدم الكواكب الصغيرة وتنتشر في جميع أنحاء المجرة. خلال هذه العملية الفوضوية، قد تجد بعض الكواكب نفسها مطرودة من نظامها الأصلي، وتُركت لتنجرف عبر مساحة شاسعة من الفضاء.
والآن يدرك علماء الكواكب أن نظامنا الشمسي خضع لفترة من التغيير الكبير بعد استقرار أولي دام 850 مليون سنة. وخلال هذه الفترة، هاجرت الكواكب العملاقة، مما أدى إلى تغيير تكوين النظام.
كما تشير النماذج العددية إلى أن النظام الشمسي المبكر ربما احتوى على خمسة كواكب عملاقة. ومن المرجح أن يكون أحد هذه الكواكب، الذي يبلغ حجمه تقريبًا حجم كوكب نبتون، قد طُرد من النظام أثناء عملية الهجرة هذه. ووفقًا للفريق، قد يكون هذا الكوكب الافتراضي الآن كوكبًا مارقًا أو كامنًا على حافة النظام الشمسي باعتباره “الكوكب التاسع”. كما يُعتقد أن هذا الحدث تسبب في تشتت العديد من الأجسام في حزام كايبر، مما شكل البنية الحالية لنظامنا الشمسي.
نطاق هيل
نطاق هيل (Hill sphere) هو مفهوم في ميكانيكا الأجرام السماوية يحدد المنطقة المحيطة بجسم سماوي حيث يهيمن تأثيره الجاذبي على تأثير جسم أكبر. وبعبارات أبسط، إنها مجال تأثير الجاذبية لجسم أصغر يدور حول جسم أكبر.
داخل هذه النطاق، يمكن لجسم أصغر، مثل القمر أو القمر الصناعي، أن يحافظ على مدار مستقر حول الجسم الأساسي. ومع ذلك، إذا تجاوز الجسم مجال هيل، فإنه يصبح عرضة لقوة الجاذبية لجسم أكبر وقد يتم سحبه بعيدًا.
يعتمد حجم نطاق هيل على عدة عوامل، بما في ذلك كتلتي الجسمين والمسافة بينهما. فكلما زادت كتلة الجسمين أو زادت المسافة بينهما، زادت مساحة نطاق هيل.
ضم نظامنا الشمسي لكوكب جديد
إن إمكانية التقاط كوكب مارق هي عملية معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للجاذبية وديناميكيات نظامنا الشمسي. ووفقا للباحثين، يمكن أن يحدث التقاط بنسبة قليلة لكوكب أو جسم مارق من خلال فتحات صغيرة في مجال هيل الشمسي، وهي المنطقة المحيطة بالشمس حيث تهيمن جاذبيته.
أثناء انتقال نظامنا الشمسي عبر مجرة درب التبانة، فإنه يواجه مناطق حيث تخلق قوى الجاذبية للمجرة والشمس “فتحات” أو “نوافذ” تسمح بالتقاط الكواكب المارقة. واكتشف الباحثون أن هناك مناطق محددة في الفضاء، تبعد حوالي 3.81 سنة ضوئية عن الشمس، إما باتجاه مركز المجرة أو مباشرة مقابلها، حيث يضعف تأثير جاذبية الشمس. وتسمح هذه الفتحات في مجال هيل في النظام الشمسي باحتجاز محتمل لأجسام بين النجوم، مثل المذنبات أو الكواكب المارقة. ويقترح الفريق أن نظامنا الشمسي ربما يكون قد استولى بالفعل على مثل هذه الأجسام في الماضي.
كما يقدر الفريق أن هذه الفتحات ضيقة نسبيًا، حيث يبلغ عرضها حوالي 10-20 درجة فقط، مما يجعل من الصعب على كوكب مارق أن يدخل نظامنا الشمسي من خلالها. ومع ذلك، إذا مر كوكب مارق عبر إحدى هذه الفتحات، فسيتم احتجازه في مدار فوضوي، والذي سيتحول ببطء إلى أسر دائم عبر العديد من المدارات.
ويشير الباحثون إلى أن هذا النوع من الالتقاط لن يؤدي إلى اصطدام بالشمس، بل سيستقر الكوكب المارق في مدار، مما قد يؤدي إلى اضطراب مدارات الكواكب الأخرى في هذه العملية. وهذا يثير احتمالات مثيرة لاكتشاف مثل هذا الحدث، والذي يمكن أن يوفر رؤى قيمة حول ديناميكيات نظامنا الشمسي وتكوين الكواكب المارقة.
عواقب ضم نظامنا الشمسي لكوكب جديد
قد يؤدي وصول كوكب مارق إلى الإخلال بالتوازن الدقيق لمدارات نظامنا الشمسي. ومن شأن قوة الجاذبية لهذا الكوكب الجديد أن تتسبب في تحول مدارات الكواكب الموجودة، مما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في مساراتها. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في مناخ الأرض، حيث قد تتقلب كمية الطاقة الشمسية التي نتلقاها.
كما يمكن للكوكب المارق الذي تم الاستيلاء عليه أن يوفر للعلماء فرصة فريدة لدراسة عالم غريب عن قرب. ومن خلال تحليل تكوينه وغلافه الجوي وأقماره المحتملة، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول تكوين وتطور أنظمة الكواكب خارج نظامنا.
وفي الختام، فإن الاستيلاء على كوكب مارق من قبل نظامنا الشمسي سيكون حدثا رائدا، مليئا بالتحديات والفرص. وبينما نواصل استكشاف المجرة وفهم أسرار تكوين الكواكب، قد نجد أنفسنا نرحب بعضو جديد في مجتمعنا السماوي.
المصادر
Scientists Reveal How Our Solar System Could Capture a New Planet | iflscience
Permanent capture into the solar system | celestial mechanics and dynamical astronomy
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :