Ad

في ركن بعيد في أحد محطات الإطفاء بكاليفورنيا، هناك مصباح كهربائي لا يزال يعمل لأكثر من 120 عامًا[1]. لم يكن الأمر صدفة بحتة! إلا أن العلم وصناعة المصابيح كان قد تطورا بشكل كبير، مما أتاح الفرصة لصناعة مصابيح تدوم لوقت طويل جدًا.

والسؤال هنا، لماذا لم نعد نرى مصابيح بتلك الكفاءة؟ بل إننا نضطر لشراء مصابيح متوهجة كل 3 أشهر تقريبًا. الإجابة هنا تقبع داخل الملفات السرية لكبرى شركات صناعة المصابيح الكهربائية حول العالم. حيث أن إنتاج مصابيح ذات كفاءة عالية وإن كانت تصب في مصلحة المستهلك إلا أنها ضربة موجعة لأصحاب الشركات الكهربائية. خلال هذا المقال، سنتعرف على المؤامرة الكبرى للمصباح الكهربائي وبداية ظهور«التقادم المخطط له –Planned Obsolescence».

المصباح الذي لم ينطفئ

اخترع الفرنسي «أدولف تشايليت-Adolphe Chaillet» مصباحًا كهربائيًا من خيوط الكربون في عام 1897م، وتم تصنيعه في شركة «شيلبي للصناعات الكهربائية-Shelby Electric». وفي عام 1901م تم التبرع بذلك المصباح لمحطة إطفاء «ليفرمور-livermore» في كاليفورنيا. وما زال يعمل إلى يومنا هذا حتى دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية وأُطلق عليه لقب «المصباح المئوي-centennial bulb». لم يكن ذلك المصباح الوحيد ولكنه الأقدم حيث توجد مصابيح أخرى مرّ عليها عقود وما زالت تعمل.[1]
يمكنك متابعة صوره مباشرة للمصباح المئوي عن طريق الرابط التالي: centennialbulb.org

اجتماع جينيف السري «مؤامرة المصباح الكهربائي»

في بداية عشرينيات القرن الماضي استطاعت الشركات الكهربائية إنتاج مصابيحٍ كهربائية تدوم لـ 2500 ساعة أو أكثر، ولكن أدى ذلك لانخفاض مبيعات تلك الشركات لأكثر من النصف، إذ انخفضت مبيعات شركة «osram» الألمانية من 63 مليون مصباح إلى 28 مليون خلال 1922م-1923م. مما اضطر كبرى شركات صناعات المصابيح في العالم مثل شركة «osram» الألمانية و«Philips» الهولندية و«France’s Compagnie des Lampes» الفرنسية و«General Electric» الأمريكية و«Tokyo Electric» اليابانية وغيرها من الشركات لإجراء اجتماع سري في العاصمة السويسرية في ديسمبر عام 1924م، لعقد مباحثات ومناقشات حول مستقبل صناعة المصباح الكهربائي. كونَت تلك الشركات اتحادًا عُرف بـ « اتحاد الفيبيس-Phoebus cartel».

وأسفر ذلك الاجتماع عن تخفيض العمر الافتراضي للمصابيح الكهربائية لـ 1000 ساعة فقط، وبعد إنتاج كل شحنة مصابيح يتم فحص عينة منها بمختبر في سويسرا، ومن يخالف تلك الاتفاقيات يتم توقيع عقوبة عليه من قِبل ذلك الاتحاد.

أدى ذلك الاتفاق لتغيير مسار صناعة المصابيح الكهربائية لعقود طويلة وكان ذلك على حساب المستهلك وعُرف بمؤامرة المصباح الكهربائي، وكانت بداية ظهور ما يعرف بـ «التقادم المخطط له –Planned Obsolescence». ا[4][3][2]

ما هو التقادم المخطط؟

عندما تقوم شركة بإطلاق منتج ما، يكون الهدف هو تحقيق أكبر عائدٍ أو ربحٍ على حساب المستهلك. ومن هنا انطلقت فكرة التقادم المخطط؛ وهو تخفيض العمر الافتراضي للمنتجات لزيادة المبيعات، فكما ذكرنا سابقًا، بعد اجتماع اتحاد الفيبيس زادت مبيعات اليابان من 45 مليون إلى 300 مليون مصباح كهربائي وحدها بين عامي 1922-1933 م، وذلك بإنتاج مصابيح ذات جودةٍ أقل عن عمد بعد مؤامرة المصباح الكهربائي. [2][5]

شركة «canon» واتهامها بالتقادم المخطط

اكتشف بعض المستهلكين تلف «رأس الفرشاة- print head» الخاص بشركة «canon» وكان سعر صيانة تلك القطعة يضاهي سعر شراء طابعة جديدة، مما يدفع المستهلكين لشراء طابعة أخرى. كان الغريب في الأمر هو تلف رأس الفرشاة بعد انتهاء فترة الضمان أو بعد طباعة 5000 ورقة تقريبًا [6]. وبالتالي تم اتهام شركة «Canon» بإنتاج طابعات بها عيب مقصود يظهر بعد انتهاء فترة الضمان. ودُفعت تسويةٌ في هذه القضية تُقارب المليون دولار. [7][4]

شركة «Apple» واتهامها بالتقادم المخطط

أما شركة «Apple» لها تاريخ طويلٌ مع التقادم المخطط له. حيث أنتج شابٌ أمريكي فيلمًا قصيرًا بعنوان « ipod’s dirty secret»، وقد شاهده 6 ملايين شخصٍ خلال شهرٍ واحد من عام 2003. عرض هذا الشاب مشكلته مع الـ «ipod» الخاص به، حيث وجد أن بطاريته تتوقف عن العمل تمامًا بعد 18 شهر أي بعد انتهاء فترة الضمان. وعندما توجهه لأحد فروع «Apple» لإصلاح الـ «ipod» الخاص به، وجد أنه لا يمكن تغيير البطاريات بل عليه شراء واحدة آخرى. وبعد الضجة الكبيرة بسبب هذا الفيديو اضطرت شركة «Apple» لعمل صيانة واستبدال بطاريات أجهزتها.

لم ينتهي الأمر عند هذا الحد بالنسبة لشركة «Apple»،، حيث لاحظت الشركة اهتمام بعض المستهلكين بالمنتجات القديمة، وعدم إقدامهم على شراء منتجات جديدة. فقامت«Apple» في عام 2017م بإصدار تحديثٍ للهواتف القديمة بغرض إضافة بعض المزايا الجديدة، لكنها في الحقيقة كانت تؤثر وبشكل مباشر على أداء البطارية وأدت إلى خفض أداء الهواتف بشكل ملحوظ. إلا أن الخدعة كُشفت، وتم إلزام «Apple» بدفع تعويض 500 مليون دولار تقريبًا. وقدمت أبل اعتذارًا رسميًا عما حدث، وأتاحت للمستخدم التحكم في بعض إعدادات الهاتف.

طرق مختلفة لعمل التقادم المخطط

اختلفت الطرق والأساليب في التقادم المخطط. حيث قامت بعض الشركات بتقليل خامة منتج ما عمدًا لتقل متانة المنتج، وبالتالي زيادة مبيعاته، مثل معظم منتجات ألعاب الأطفال ومنتجات الملابس.

وقد يأتي التقادم المخطط بتغيير شكل المسامير أو بعض البراغي في المنتجات الأحدث وعدم توفير أدوات للبراغي و المسامير القديمة. مما يجعل من الصعب صيانة المنتج القديم والاضطرار لشراء آخر جديد.

ومن جانب آخر تقوم شركات الملابس والإلكترونيات، بضخ المليارات في إعلاناتٍ لعرض موضة جديدة وإصدارات أحدث. مما يضطر البعض لشراء تلك المنتجات حتى وإن لم يكونوا بحاجة لها، وإنما لمواكبة الصيحة الجديدة وحتى لا يشعروا بأنهم من بقايا العصر القديم.[4]

وقد يأتي التقادم المخطط كما لو أنه يصب في مصلحة المستهلك. حيث تقوم بعض شركات الإنترنت مثلًا بزيادة سرعات الإنترنت وعدم زيادة سعر الاشتراك.قد يراه بعض المستهلكين مفيدًا، ولكن كما أشرنا سابقًا أنه لا منفعة لمستهلك على حساب الشركات المنتِجة. إذا أنه عندما تزداد سرعة الإنترنت يستهلك المستخدم باقته بشكل أسرع، مما يضطره لشراء باقة إضافية أخرى والذي يزيد من عائدات الشركة.

كيف نتجنب فخ التقادم المخطط؟

اختلفت الطرق والأساليب في التقادم المخطط، وإن كانت أمرًا مزعجًا للبعض إلا أنه واقع نعيشه ومعظم الدول لا تجرمه. لذا فالمانع الوحيد لتنفيذ بعض أشكال التقادم المخطط هو وعي المستهلك. عندما يدرك هل هو مستفيد حقًا من ذلك المنتج؟ أم أنه أداة لدرّ الأرباح على تلك الشركات دون استفادة حقيقية من المنتج؟

المصادر

  1. Centennialbulb
  2. spectrum.ieee
  3. leagle
  4. bbc
  5. كتاب “Made to Break: Technology and Obsolescence in America
  6. tomshardware
  7. forbes

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية اقتصاد تاريخ شركات

User Avatar

Al Amir El Tantawy

طالب بكلية طب أسنان، مهتم بالبيولوجيا والفيزياء والتاريخ الطبيعي وعلم النفس. إذا وصلت إلى هنا فأنت أكيد شغوف بالعلم، لذا تفقَّد كل ما هو جديد على موقعنا.


عدد مقالات الكاتب : 20
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق