Ad

هل يمكن لمفاعل انشطار نووي أن يظهر طبيعياً ؟

في قلب كل نجم في الكون يتم دمج الذرات الخفيفة إلى ذرات أثقل في مايعرف بالاندماج النووي، فالشمس مثلا تقوم حالياً بتحويل أطنان من الهيدروجين إلى هيليوم عن طريق الاندماج مما ينتج كميات مهولة من الطاقة وهو مايعطي للشمس ضوءها وحرارتها، هنا على اﻷرض تمكن البشر من تحقيق الإندماج النووي لكن مازال أمامنا شوط طويل ﻹستخدام الإندماج النووي كمصدر للطاقة، لكننا نعلم أن مفاعلات الاندماج النووي موجودة منذ أن وجدت النجوم وبالتالي فهي موجودة في الطبيعة منذ ملايين السنين، لكن ماذا عن مفاعلات الانشطار النووي التي يتم استخدامها حاليا ﻹنتاج الطاقة الكهربائية هل يمكن أن تنتج طبيعياً؟

ماهو الانشطار النووي؟

يحدث الانشطار النووي عندما تتحلل نواة ذرة مشعة مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم إلى ذرات أخف مع بعض النيوترونات السريعة نتيجة للطاقة الناتجة عن التحلل، إذا تم تخفيف سرعة هذه النيترونات عن طريق «moderator» عادة مايتم استخدام الماء أو الجرافيت أحياناً، إن اصطدام هذه النيوترونات بأنوية ذرات أخرى سيؤثر على إستقرارها ويؤدي إلى انشطارها، سيؤدي هذا إلى تفاعل تسلسلي، إذا تم التحكم به ستؤدي النيوترونات الناتجة من الانشطارات السابقة في المتوسط إلى انشطار عدد مماثل من الذرات ويتم إنتاج كمية كبيرة من الطاقة، يبقى اﻷمر على هذه الحالة لمدة طويلة إلى أن تنتهي الذرات القابلة للانشطار.

هل يمكن لمفاعل انشطار نووي أن يظهر طبيعياً ؟
ضورة توضح التفاعل التسلسلي
تفاعل تسلسلي

إذا لم يتم استخدام «moderator» للتحكم بسرعة النيوترونات والتحكم بسرعة التفاعل، سيخرج التفاعل عن السيطرة وهكذا يتم تصنيع القنابل النووية، لكن اليورانيوم الموجه لصناعة اﻷسلحة يحتوي عى كمية كبيرة من اليورانيوم-235 أكثر من %80 نسبة إلى اليورانيوم-238 أما اليورانيوم الموجه للاستخدام في المفاعلات النووية يحتوي على %3 فقط من اليورانيوم-235.

كيف يعمل المفاعل النووي؟

توجد عدة أنواع وتصميمات مختلفة لمفاعلات الانشطار النووي، المفاعل في الفقرة التالية يعرف ب «boiling water reactor».

يتم وضع أعمدة وقود نووي داخل غرفة المفاعل في غالب اﻷحوال يكون الوقود عبارة عن يورانيوم تمت معالجته ، يتم غمر غرفة المفاعل بالماء لاستخدامه كـ «moderator» وأيضا كمبرد «coolant» لتبريد المفاعل، كما توجد أيضا أعمدة التحكم التي تكون مصنوعة من مادة تمتص النيوترونات مثل الفضة، اﻹيريديوم أو الكادميوم، يتم استخدام أعمدة التحكم لإيقاف تشغيل المفاعل أو التحكم في التفاعل فعند إدخال أعمدة التحكم لغرفة المفاعل تقوم بامتصاص النيترونات وإبطاء التفاعل أو إيقافه.

عند ارتفاع درجة حرارة الماء نتيجة التفاعل النووي في قلب المفاعل يتبخر الماء، فيتم ضغط البخار وتحويله إلى عنفة المولد التي سيقوم البخار بتدويرها وإنتاج الطاقة الكهربائية، ويتم ضخ كمية من الماء لقلب المفاعل لتعويض الماء المتبخر.

هل يمكن لمفاعل انشطار نووي أن يظهر طبيعياً ؟
رسم توضيحي لمفاعل نووي
رسم توضيحي لمفاعل نووي

نظرياً، هل يمكن للطبيعة أن تنتج مفاعل انشطار نووي؟

اقترح الكيميائي و عالم الفيزياء النووية Paul Kuroda في عام 1956، أنه تحت شروط معينة يمكن أن تتحقق عملية الانشطار النووي و أن تستمر دون أي تدخل بشري، ولكن لظهور هذا التفاعل طبيعياً لابد من تحقق أربعة شروط:

  • لابد من وجود طبقة من اليورانيوم الخام تحتوي على كمية كبيرة من اليورانيوم، ولابد أن تكون سماكتها على الأقل ثلثي متر مما يسمح للتحلل الطبيعي لليورانيوم-238 بالتسبب في إنشطار اليورانيوم-235.
  • لابد أن تحتوي طبقة اليورانيوم على كمية معتبرة من اليورانيوم-235.
  • لابد من وجود «moderator» ﻹبطاء النيورترونات والحفاظ على على إستمرارية التفاعل.
  • لابد من وجود كمية قليلة من المواد التي يإمكانها إمتصاص النيوترونات كالفضة و اﻹيريديوم أو عدم تواجدها حتى لايتم إيقاف التفاعل عن طريق إمتصاص النيترونات.

من المستحيل أن يظهر مفاعل نووي طبيعي في الوقت الحاضر ﻷن نسبة اليورانيوم-235 في الطبيعة قليلة جداً ولاتسمح لتفاعل انشطار تسلسلي بالحدوث.

اليورانيوم في الطبيعة:

لليورانيوم 3 نظائر في الطبيعة U235 ،U238 وU234 ، يعتبر اليورانيوم-235 اﻷكثر قابلية للإنقسام إذا تم قصفه بنيوترون، يشكل هذا اليورانيوم %0.720 من كل اليورانيوم الموجود على الأرض، ويعد اليورانيوم-238 اﻷكثر إنتشاراً على اﻷرض بنسبة %99.275، أما اليورانيوم-234 فهو نادر جداً ولايشكل سوى %0.006 من كل اليورانيوم في القشرة اﻷرضية، يتم رفع نسبة اليورانيوم-235 إلى %3 المستخرج ﻷغراض الطاقة النووية لزيادة فعالية المفاعل النووي.

إن نسب نظائر اليورانيوم ليست ثابتة، ﻷن اليورانيوم مشع ويتحلل طبيعياً، أي أن نسب اليورانيوم في الماضي كانت مختلفة عن النسب التي نلاحظها اليوم، عند تكون اﻷرض قبل حوالي 4 مليار سنة كانت نسبة اليورانيوم-235 في الطبيعة هي 30%، أي أكثر مما هي عليه الآن، وبسبب تحلل اليورانيوم-235 قلت نسبته عبر الزمن، فقبل حوالي 2 مليار سنة كانت نسبة اليورانيوم-235 %3.6، نفس النسبة المستخدمة في المفاعلات النووية اليوم ﻹنتاج الطاقة الكهربائية.

إنطلاقاً من الشروط المذكورة في الفقرة السابقة وطبيعة اليورانيوم يمكن الإستنتاج أنه من الممكن نظرياً تواجد مفاعل إنشطار نووي طبيعي عمره 2 مليار سنة أو أكثر عندما كانت الشروط مناسبة لظهور هذا التفاعل.

المفاجأة:

في ماي 1972 لاحظ عمال في محطة معالجة لليورانيوم في فرنسا أثناء قيامهم بأحد القياسات الروتينية لنسب نظائر اليورانيوم في اليورانيوم الخام القادم من منطقة أوسلو بالغابون أحد مستعمرات فرنسا سابقاً، أن نسبة اليورانيوم-235 في العينات ليست النسبة المعتادة %0.720 وإنما %0.717، هذا اﻷمر أثار قلقهم وكان لابد من فحص مصدر العينات في الغابون، قد يبدو لك الفرق بين النسبتين فرقاً صغير جداً ولا يدعو للقلق لكن المشكلة أن كل عينات اليورانيوم في العالم نسبة اليورانيوم-235 متساوية كما أن الفرق بين النسبتين يعني أن هناك حولي 200 كيلوغرام مفقودة من اليورانيوم-235، فكان لابد من التحقيق في الموضوع إن كان طبيعيا أم أن الكمية المفقودة تمت سرقتها ﻷنها تكفي لصناعة حوالي 6 قنابل نووية.

لم يطل اﻷمر إلى أن تمكن العلماء من معرفة أن اﻷمر طبيعي وخصوصاً بعد إيجاد فضلات الإنشطار النووي في المناجم مثل السيزيوم والزينون، وهو مايثبت نظرية Paul Kuroda، كما تم إكتشاف 16 مفاعل إنشطار نووي طبيعي في أوكلو، وتم اكتشاف المفاعل السابع عشر فيBangombé حوالي 30 كلم جنوب أوكلو.

بسبب وجود طبقات يورانيوم تحتوي على كمية مناسبة من اليورانيوم-235 تحلل اليورانيوم-238 يتسبب في انشطار اليورانيوم-235 كمان أن اليورانيوم يوجد في صخور تسمح للماء بالتغلغل داخلها وتشكل أنهار تحت اﻷرض ، يلعب الماء دور ال«moderator» بإبطاء النيترونات والحفاظ على التفاعل التسلسلي لمدة معتبرة، بعد مدة من الانشطار النووي المستمر، ترتفع درجة الحرارة ويتبخر الماء مما يؤدي لتوقف التفاعل بسبب عدم وجود «moderator»، بعد توقف التفاعل تنخفض درجة الحرارة ويتجمع الماء مرة أخرى ويبدأ التفاعل من جديد، يجزم العلماء أنه على اﻷرجح أن التفاعل يدوم نصف ساعة، ثم يتوقف لمدة الساعتين والنصف ليبدأ من جديد.

رسم تخطيطي لمنطقة تواجد مفاعل انشطار نووي  طبيعي بأوكلو، الغابون
رسم تخطيطي لمنطقة تواجد مفاعل انشطار نووي طبيعي بأوكلو، الغابون

عمر هذا المفاعل النووي حوالي 2 مليار سنة كما أنه بقي مستمراً لمدة مليون سنة دون أن ينصهر أو يتسبب في كارثة بيئية بسبب مخلفات التفاعل المشعة، كما أن متوسط الطاقة التي كان ينتجها المفاعل أثناء إنشغاله حوالي 100 كيلو واط، كمية الطاقة هذه قليلة جداً مقارنة بما تنتجه المفاعلات التجارية التي صنعها البشر إذ أن أقلها إنتاجا للطاقة يمكن أن ينتج 500 ميجا واط.

للأسف الشديد فقد تم إستخراج اليورانيوم من هذه المواقع عن آخره، نظراً لغناها بكميات كبيرة من اليورانيوم الخام، لكن على الأقل أتيحت للعلماء فرصة فحص العينات ودراستها، كما أنه من الغريب جداً أنه لم يتم اكتشاف أي مفاعلات طبيعية أخرى غير هذه في أي مكان في العالم ليومنا هذا.

ماذا يمكن أن نتعلم من هذا الاكتشاف؟

قبل هذا الاكتشاف اعتقدنا طويلاً أن مفاعلات الانشطار النووي تم تصنيعها من قبل البشر إذ أن أول تفاعل تسلسلي لانشطار نووي تم القيام به من طرف الفيزيائي إنيريكو فيرمي وفريقه سنه 1942، لكن الطبيعة فاجئتنا بأن الانشطار النووي أنتج طبيعياً قبل ملياري سنة، كما يمكننا أيضاً أن نتعلم كيفية التخلص من مخلفات الطاقة النووية دون التسبب في كارثة بيئية ﻷن مفاعلات أوكلو استمرت في العمل لمدة مليون سنة دون ترك أثر سلبي على البيئة في المنطقة بسبب المخلفات النووية الخطيرة التي ينتجها الانشطار النووي.

المصادر:

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء

User Avatar

Abderrahmane Bakdi


عدد مقالات الكاتب : 6
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق