Ad

هناك بعض البشر نجدهم دائمًا مفتونين بالرغبة في البحث عن الخوف من أجل الترفيه. حيث ينفقون الأموال على كتب الرعب أو يلعبون ألعاب الفيديو المخبفة أو يشاهدون أفلام الرعب في السينما. لكن ما الذي يدفعنا للانجذاب لما يخيف؟ هل هو مجرد فضول مرضي أم أن هناك شيء أكثر من ذلك؟

لفهم علم النفس وراء حبنا للخوف، نحتاج إلى التعمق في العلم الكامن وراء العواطف، والروابط الاجتماعية، وغرائز البقاء. ومن خلال دراسة الدور التطوري للخوف، وتاريخ الترفيه المرعب، والتأثيرات الفسيولوجية لتجارب الخوف الخاضعة للسيطرة، يمكننا الكشف عن الأسباب التي تجعل الناس مثلي (وربما أنت أيضًا) يجدون المتعة في الخوف.

الخوف كأداة للبقاء

الخوف هو عاطفة إنسانية أساسية متأصلة في حمضنا النووي منذ الأيام الأولى للبشرية. إنها استجابة أساسية تحذرنا من المخاطر المحتملة، وتحثنا على اتخاذ إجراءات لحماية أنفسنا والآخرين من الأذى. ولكن لماذا تطور الخوف ليصبح جزءًا مهمًا من مشاعرنا؟

لفهم أصول الخوف، دعونا نعود بالزمن إلى الوراء. في العصر البدائي، واجه البشر العديد من التهديدات، من الحيوانات المفترسة إلى الكوارث الطبيعية. وكانت القدرة على التعرف على هذه المخاطر والاستجابة لها أمرًا بالغ الأهمية للبقاء على قيد الحياة. أثار الخوف استجابة القتال أو الهروب، مما أدى إلى إطلاق الأدرينالين والكورتيزول في مجرى الدم، وإعداد الجسم للرد بسرعة وكفاءة.

استجابة الخوف البدائية هذه لم تساعد الأفراد على الهروب من الخطر فحسب، بل لعبت أيضًا دورًا حيويًا في تشكيل السلوك البشري والديناميكيات الاجتماعية. في المراحل الأولى من التطور البشري، شجع الخوف من الحيوانات المفترسة والمخاطر البيئية الأفراد على تشكيل مجموعات، وتقاسم الموارد، والعمل معًا لزيادة فرصهم في البقاء على قيد الحياة. وقد عززت هذه الاستجابة الجماعية للخوف التعاون والولاء والترابط الاجتماعي، مما وضع الأساس لمجتمعات معقدة.

ومع تطور البشر، استمر الخوف في لعب دور حيوي في حياتنا العاطفية. لقد تكيفنا للاستجابة للتهديدات الجديدة، من الرفض الاجتماعي إلى عدم اليقين الاقتصادي. واليوم، يظل الخوف عنصرًا أساسيًا، حيث يعمل بمثابة نظام تحذير ينبهنا إلى المخاطر المحتملة ويحفزنا على اتخاذ الإجراءات اللازمة.

تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة

توفر تجارب الخوف المسيطر عليها، مثل قراءة كتاب مرعب أو مشاهدة فيلم مخيف، إثارة فريدة يصعب العثور عليها في الحياة اليومية. عندما تكون في موقف يحاكي الخوف، يستجيب جسمك كما لو كنت تواجه تهديدًا حقيقيًا. حيث يتدفق الأدرينالين في عروقك، وتنشط استجابة الكر أو الفر (fight-or-flight response). ويزداد معدل ضربات قلبك، وتتنفس بشكل أعمق وأسرع، ويرتفع ضغط دمك. ويستعد جسمك للدفاع عن نفسه ضد الخطر أو الهروب بأسرع ما يمكن.

وبمجرد التعامل مع التهديد وإزالته، يطلق جسمك الدوبامين، وهو ناقل عصبي يخلق مشاعر المتعة والراحة. هذا الاندفاع من الأدرينالين والدوبامين هو ما يجعل تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة جذابة للغاية. إنها طريقة لتجربة إثارة الخوف دون أي خطر حقيقي.

فكر في الأمر مثل ركوب الأفعوانية. أنت مقيد، وتشعر بالخوف عندما تصعد إلى القمة، ثم تهبط إلى الأسفل، وتصرخ من الإثارة. إن إندفاع الأدرينالين شديد، لكنك تعلم أنك آمن طوال الوقت. وعندما تنتهي الرحلة، تشعر بالارتياح والبهجة، وعلى استعداد للقيام بكل ذلك مرة أخرى.

في تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة، يتمكن جسمك من ممارسة استجابته الطبيعية للخوف دون أي عواقب حقيقية. إنها بمثابة جلسة تدريبية، مما يساعدك على الاستعداد للتهديدات المحتملة في المستقبل. ومع مكافأة إضافية تتمثل في الدوبامين.

الانجذاب لما يخيف

كيف يؤدي الخوف إلى إنشاء روابط قوية؟

إن الانجذاب لما يخيف ليست مجرد تجربة فردية؛ إنها أيضًا ظاهرة اجتماعية تجمع الناس معًا. عندما نشعر بالخوف، تستجيب أجسادنا بطريقة تجعلنا نسعى للحصول على الراحة والحماية من الآخرين. هذا هو المكان الذي يبدأ فيه نظام “الاهتمام والصداقة” (tend and befriend system)، حيث يُطلق الأوكسيتوسين، المعروف أيضًا باسم “هرمون الحب”، الذي يعزز الترابط الاجتماعي.

في تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة، مثل المنازل المسكونة أو أفلام الرعب، من المرجح أن نشكل روابط قوية مع الأشخاص من حولنا. وذلك لأن أجسادنا مهيأة للرد على التهديدات من خلال البحث عن الدعم الاجتماعي والراحة. عندما نشعر بالخوف مع الآخرين، ترتفع مستويات الأوكسيتوسين لدينا، مما يخلق شعورًا بالعمل الجماعي والصداقة الحميمة. ولهذا السبب يختار العديد من الأشخاص زيارة المنازل المسكونة أو مشاهدة الأفلام المخيفة مع الأصدقاء، فهي طريقة لتعزيز الروابط الاجتماعية وإنشاء تجارب مشتركة.

في الواقع، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يختبرون الخوف المسيطر عليه معًا يظهرون انخفاضًا في القلق وزيادة مشاعر الثقة والتعاون بعد ذلك. وذلك لأن تجربة الخوف المشتركة تثير شعورًا بالدعم والتفاهم المتبادلين، مما قد يكون مفيدًا لصحتنا العقلية والجسدية.

الانجذاب لما يخيف يساعدنا في التعامل مع تهديدات الحياة الواقعية

الانجذاب لما يخيف في تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة يمكن أن يكون لها فائدة مدهشة. فهي يمكن أن تساعد في إعدادنا لمواجهة تهديدات الحياة الحقيقية. حيث أظهرت إحدى الأبحاث أن محبي الرعب كانوا أكثر مرونة نفسيًا من الذين لا يحبون الرعب خلال جائحة كوفيد-19. وذلك لأنهم “تدربوا” على التعامل مع الخوف والقلق من خلال تجارب الخوف الخاضعة للسيطرة، مما جعلهم مجهزين بشكل أفضل للتعامل مع تهديدات الحياة الواقعية.

علاوة على ذلك، يمكن أن يساعدنا مواجهة الرعب في التدرب ذهنيًا على كيفية التعامل مع أسوأ السيناريوهات، مما يسمح لنا بالشعور بالتحكم بشكل أكبر في خوفنا. وهذا صحيح بشكل خاص عندما نرى الشخصيات في قصص الرعب تتغلب على التحديات وتهزم الأشرار، مما يمنحنا الأمل والإلهام لقدرتنا على التعامل مع الشدائد.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتعرض للخوف والرعب أن يوفر مساحة آمنة لمعالجة وإطلاق المشاعر المكبوتة المرتبطة بالخوف والقلق. ومن خلال مواجهة التهديدات الخيالية والتعامل معها، يمكننا التحكم في عواطفنا بشكل أفضل والاستجابة بشكل أكثر فعالية لمخاطر الحياة الحقيقية.

لذا، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالرغبة في الابتعاد عن فيلم مخيف أو منزل مسكون، تذكر أن ذلك قد يكون أفضل طريقة لإعداد نفسك لما هو غير متوقع.

المصدر

Some people love to scare themselves in an already scary world − here’s the psychology of why | the conversation

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 557
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *