Ad

في القرن الرابع قبل الميلاد، عاش الطاغية ساتيروس في مدينة هيراكليا على البحر الأسود. لقد أصيب بسرطانٍ بين الفخذ وكيس الصفن، وهو ما أودى بحياته في نهاية المطاف عن عمر يناهز 65 عامًا. وهذه واحدة من أقدم حالات السرطان المسجلة.

شبّه اليونانيون والرومان القدماء مرض السرطان بسرطان البحر، وذلك بسبب شكل الأورام الذي يشبه هذا الكائن البرمائي. على مدى 2400 عام، تطور فهمنا للسرطان، لكن المرض لا يزال يمثل تهديدًا صحيًا كبيرًا، مع وجود 20 مليون حالة جديدة منهم 9.7 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم في عام 2022 وحده.

أولى الحالات وسبب التسمية

يعود تاريخ السرطان إلى العصور القديمة، حيث ظهرت الأدلة على المرض في النصوص والأدبيات الطبية من القرن الرابع قبل الميلاد. تم العثور على واحدة من أقدم حالات السرطان المسجلة في قصة ساتيروس المذكورة، وهذه الرواية القديمة هي تذكير مؤثر بأن السرطان كان جزءًا من تاريخ البشرية لآلاف السنين.

كان السرطان معروفًا في اليونان القديمة وروما، حيث وصفت النصوص الطبية أنواعًا مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي. وصف الطبيب اليوناني القديم جالينوس سرطان الثدي بأنه نمو صعب يتطور إلى سرطانات مخفية تسبب الألم والنحافة وفقدان حاسة الشم. تصف أعمال طبية أخرى من تلك الفترة سرطانات الصدر والحنجرة، بل وتسجل علاجات ناجحة.

ولكن من أين أتت كلمة “السرطان”؟ تكمن الإجابة في كلمتين يونانية ولاتينية؛ “كاركينوس- Karkinos” و”كانسر- Cancer” على الترتيب، حيث استخدم الأطباء من اليونان وروما القديمة كلمة “كاركينوس” أولًا قبل أن يستخدموا اللفظة اللاتينية “كانسر” المُعبرة عن الطبيعة العدوانية للمرض أو مظهر الأورام الذي يشبه المخلب.

وعلى الرغم من الوعي بمرض السرطان، إلا أن آراء اليونانيين والرومان القدماء حول أسبابه كانت متباينة كالعلاجات، إذ تم استخدام الأدوية المشتقة من النباتات والحيوانات والمعادن لمحاولة علاج المرض، في حين تم تجنب الجراحة في كثير من الأحيان بسبب ارتفاع خطر النزيف. ومع ذلك، ادعى بعض الأطباء، مثل جالينوس، أنهم نجحوا في علاج السرطان باستخدام مجموعة من الأدوية وتقنيات التطهير.

عندما نتعمق في تاريخ السرطان وحالاته، يصبح من الواضح أن هذا المرض كان خصمًا مخيفًا وعنيدًا لعدة قرون. ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم الكبير في الفهم والعلاج، يظل السرطان عدوًا هائلاً يحصد أرواح الملايين في جميع أنحاء العالم كل عام.

كيف تعامل الإغريق والرومان مع السرطان؟

لم يكن الإغريق والرومان القدماء غرباء على السرطان. في الواقع، كانوا على علم بالمرض وهم من أسموه كما أشرنا. ولكنهم لم يتوقفوا عند تسمية المرض فحسب، إذ كان لديهم أيضًا نظريات حول مُسبباته. إحدى النظريات الشائعة هي أن السرطان ينجم عن خلل في الأخلاط الأربعة: الدم، والبلغم، والمرارتان الصفراء والسوداء. إذا كانت الصفراء السوداء زائدة، كان يعتقد أنها تؤدي إلى السرطان. ومع ذلك، لم يتفق الجميع مع هذه النظرية، وأبرز المعارضين كان الطبيب إيراسيستراتوس.

على الرغم من عدم وجود إجماع على سبب السرطان، حاول اليونانيون والرومان القدماء علاج المرض. واستخدموا مجموعة من الأدوية، بما في ذلك العلاجات النباتية والعلاجات المشتقة من الحيوانات وحتى المعادن مثل الزرنيخ. ادعى بعض الأطباء، مثل جالينوس، أنهم نجحوا في علاج السرطان في مراحله المبكرة باستخدام هذه الأدوية، إلى جانب التطهير والمقيئات.

حدثت أيضًا محاولة إجراء عملية جراحية، على الرغم من أنها كانت عملاً محفوفًا بالمخاطر. غالبًا ما كان المرضى يموتون بسبب النزيف، وكانت أكثر العمليات نجاحًا هي التي أجريت على سرطانات الثدي. وصف الطبيب ليونيداس طريقة لـ “حرق” أو “كيّ” الورم، والتي تتضمن شق المنطقة السليمة حول الورم ثم كي الشق لوقف النزيف.

وعلى الرغم من هذه الجهود، كان يُنظر إلى السرطان بشكل عام على أنه مرض غير قابل للشفاء. لقد كان الأمر مخيفًا وغالبًا ما أدى إلى اليأس. حتى أن بعض المرضى، مثل الشاعر سيليوس إيتاليكوس، لجأوا إلى الانتحار لإنهاء معاناتهم. ومع ذلك، تمسك آخرون بالأمل.

ربما يكون قدماء الإغريق والرومان قد أحرزوا بعض التقدم في فهم وعلاج السرطان، لكن اكتشافاتهم كانت مجرد بداية لرحلة طويلة لكشف سر هذا المرض المعقد.

تاريخ مختصر لعلاجات السرطان

تعود أقدم علاجات السرطان المسجلة إلى الحضارات القديمة، حيث استخدم الأطباء مجموعة من العلاجات والتدخلات الجراحية لمكافحة المرض. في القرن الخامس قبل الميلاد، طور الأطباء اليونانيون مثل جالينوس وإراسيستراتوس علاجات كانت مبتكرة في عصرهم.

تم استخدام الأدوية المشتقة من النباتات والحيوانات والمعادن لعلاج السرطان في مراحله المبكرة. كان الخيار، وبصلة النرجس، وفول الخروع، والبيقية المرة، والملفوف من بين العلاجات النباتية المستخدمة. كما تم استخدام رماد السلطعون، وهو مكون مشتق من الحيوانات، في علاج السرطان، كما تم استخدام معادن مثل الزرنيخ.

ادعى جالينوس أنه باستخدام هذه الأدوية، إلى جانب التطهير المتكرر للمرضى باستخدام المقيئات أو الحقن الشرجية، كان ينجح أحيانًا في إخفاء السرطانات الناشئة. وذكر أيضًا أن هذا العلاج يمنع أحيانًا مراحل السرطان المتقدمة من الاستمرار في النمو.

كانت الجراحة خيارًا علاجيًا آخر، ولكن تم تجنبها عادةً بسبب ارتفاع خطر النزيف. أنجح العمليات كانت تلك التي أجريت على سرطانات الثدي، وتحديدًا طريقة “الكي” المذكورة، والتي كانت تقنية رائدة في وقتها، لكنها لم تكن خالية من المخاطر.

رغم العلاجات المتاحة في ذلك الوقت، ظل السرطان يُنظر إليه كمرضٍ لا شفاء منه، وكان تشخيصه يبعث الخوف واليأس في قلوب المرضى. دفع ذلك الكثيرين إلى التضرع للآلهة طلبًا للشفاء، مثلما فعلت إنوسنتيا، وهي سيدة نبيلة عاشت في قرطاج خلال القرن الخامس الميلادي، فقد اعتقدت أن شفاءها من سرطان الثدي كان بفضل تدخل إلهي.

وقد وضعت هذه العلاجات القديمة والتدخلات الجراحية الأساس لعلاجات السرطان المستقبلية، مما مهد الطريق للطب الحديث. وبينما نواصل كشف أسرار السرطان، من الضروري الاعتراف بالجهود الرائدة التي بذلها الأطباء القدماء الذين تجرأوا على تحدي المجهول.

تقدم ملحوظ في فهمنا للسرطان

ما وصل إليه اليونانيون والرومان أرسى أُسس الطب الحديث. ومن الضروري الاعتراف بالتقدم الذي تم إحرازه حتى الآن.

خلال 2400 عام منذ أن عانى الطاغية ساتيروس من السرطان، حققت البشرية تقدمًا هائلاً في فهم ومكافحة هذا المرض المروع. تميزت الرحلة من العلاجات القديمة إلى الطب الحديث بالاكتشافات الرائدة والعلاجات المبتكرة والجهود الدؤوبة لكشف أسرار السرطان.

واليوم، نعلم أن السرطان ليس مرضًا واحدًا، بل مجموعة معقدة تضم أكثر من 200 نوع مختلف، لكل منها خصائصه وتحدياته الفريدة. يتطلب التعقيد الهائل للسرطان اتباع نهج متعدد التخصصات، يجمع بين أحدث الأبحاث والتشخيصات المتقدمة والعلاجات المخصصة.

إن السعي الحديث لعلاج السرطان مدفوع بفهم عميق للبيولوجيا الجزيئية للخلايا السرطانية. حدد العلماء الطفرات الجينية الرئيسية التي تغذي نمو السرطان، ويعمل الباحثون على تطوير علاجات مستهدفة تستغل نقاط الضعف هذه. وقد برز العلاج المناعي، الذي يسخر جهاز المناعة في الجسم لمحاربة السرطان، باعتباره نهجا واعدا، حيث أظهرت بعض العلاجات بالفعل نجاحا ملحوظا.

وقد مكنت الإنجازات في الهندسة الطبية الحيوية من تطوير علاجات مبتكرة للسرطان، مثل أنظمة توصيل الأدوية القائمة على تكنولوجيا النانو والعلاجات الإشعاعية المتقدمة. علاوة على ذلك، أدى ظهور الطب الدقيق إلى تمكين الأطباء من تصميم علاجات لكل مريض على حدة، مع الأخذ في الاعتبار خصائصهم الجينية الفريدة وخصائص المرض.

وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن الحرب ضد السرطان لا تزال عصية. وبينما نتطلع إلى المستقبل، فمن الضروري أن نعترف بالدور الحاسم للتوعية العامة والتعليم والدعوة في مكافحة السرطان. ومن خلال تمكين الأفراد من السيطرة على صحتهم، وتعزيز أنماط الحياة الصحية، ودعم أبحاث السرطان، يمكننا تسريع وتيرة التقدم نحو مستقبل خال من السرطان.

تُبرز قصة السرطان مرونة الإنسان، والإبداع العلمي، والأمل الذي لا يتزعزع. وبينما نخترق حواجز الجهل والخوف، فإننا نقترب من عالم لا يعد فيه السرطان مرضاً يهدد الحياة، بل حالة يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها بل وحتى علاجها تمامًا. إن الرحلة طويلة، ولكن إمكانية تحقيق مستقبل خالٍ من السرطان تستحق النضال من أجلها.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


صحة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 550
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *