Ad

على الرغم من توافر بعض الأدوية التي تقلل من مشاكله وتطيل عمر مرضاه، إلا أن مجرد ذكر اسمه يثير الذعر في قلب السامع لما يسببه من وفيات ولعدم وجود علاج ناجع ينهي وجوده في جسم المصاب به أو لقاح يقي من الإصابه به حتى الآن. ترى ما هي العوائق التي تحول دون تطوير لقاح ضد الإيدز AIDS ؟ هذا هو محور نقاش هذه المقالة.

مقدمة عن فيروس نقص المناعة البشري HIV المسبب للإيدز

تنتج متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) Acquired Immune Defieciency Syndrome (AIDS) عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري ( إتش آي في ) (HIV) Human Immunodeficiency Virus.
بشكل عام يتركب فيروس إتش آي في HIV من غلاف خارجي دهني به بروتينات سكرية ويحتوي بداخله قفص به المادة الوراثية للفيروس والتي هي عبارة عن جزيئين متماثلين من الحمض النووي الريبوزي (رنا RNA) والذي يتحول بفعل إنزيم النسخ العكسي Reverse transcriptase إلى جزيء حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (دنا DNA). ومن ثم يستخدم هذا الجزيء مكونات خلية العائل في إنتاج نسخ من الفيروس. [2]

رسم يوضح تركيب فيروس نقص المناعة المكتسب البشري [3]


هل توجد علاجات للإيدز؟

في وقتنا الراهن توجد علاجات تقلل من تكاثر الفيروس بالجسم جاعلةً من الإيدز مرضاً مزمناً يحتاج علاج يستمر لفترات طويلة دون أن يبرأ المرء منه. وهو بلا شك وضع أفضل بكثير من كونه مرض بلا علاج. فحالياً يستخدم المريض علاجات تعرف بمضادات الفيروسات الإرتجاعية Antiretroviral agents ويتم متابعة المريض بفحوصات ما بعد العلاج لمتابعة أعداد الفيروس ومن ثم معدلات تكاثره والتي تعبر عن فاعلية الدواء. كما تتوفر أيضاً علاجات تستخدم للوقاية من المرضى لحماية مقدمي الخدمة الطبية والمخالطين من انتقال المرض لهم. [4]

مشاكل علاجات الإيدز

يتميز فيروس إتش آي في HIV بقدرته الشديدة على التحور وإنتاج سلالات مقاومة للعلاج. لذلك غالباً ما يستخدم خليط من هذه المضادات الفيروسية لتجنب تولد مقاومة ضدها. كما أن علاجاته تتسبب في أعراض جانبية مثل: اضطرابات بالقلب والأوعية الدموية والكلى والكبد والعظام وحتى الجهاز العصبي. ومع كل هذا لا تتمكن تخليص الجسم من الفيروس بشكل كامل. بل إن إيقاف العلاج قد ينتج عنه عودة الفيروس بشكل شرس وربما يكون مقاوماً للعلاج؛ كل هذا وغيره يجعل تطوير لقاح للوقاية من الإيدز يبدو هو الحل الأكثر نجاحاً للقضاء على هذا المرض والحيلولة دون انتشاره.

لقاح الإيدز

على الرغم من توفر كل تلك الوسائل العلاجية والوقائية إلا أن ذلك لم يحل دون زيادة أعداد المصابين بالمرض. مما يوحي بأهمية اكتشاف لقاح للوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب.

تم اكتشاف فيروس إتش أي في HIV في الفترة 1983-1984. وكان يُعتقد أنه في خلال عامين فقط سيتم تطوير لقاح للوقاية منه. لكن بعد ما يقارب الأربعين عاماً بدون لقاح فعّال يتضح لنا صعوبة هذا التحدي. إن الهدف من تطوير لقاح ضد هذا الفيروس هو إما لعلاج الإيدز أو للوقاية منه. وفي الحقيقة هناك عدد هائل من اللقاحات التي تم إجراء بعض التجارب عليها وثبت أنها تحفز إنتاج أجسام مضادة ورد فعل مناعي من الخلايا التائية ضد الفيروس. لكن للأسف كل هذه اللقاحات فشلت في اجتياز اختبارات الكفاءة بشكل كلي. مما يعني أنها فشلت في تقليل الحمل الفيروسي (عدد الفيروسات) بالدم وفي منع الإصابة بشكل فعّال. [5، 6]

بشكل عام مرت أبحاث إبتكار لقاح للإيدز بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مناعة الأجسام المضادة:

في هذه المرحلة وهي بداية من اكتشاف الفيروس وحتى حوالي عام 2000 ميلادي تركزت معظم الأبحاث حول تحفيز جهاز المناعة نحو إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس. حيث يتم تعريض الجهاز المناعي لقطعة من الفيروس أو الفيروس ميتاً. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب قدرة الفيروس الفائقة على التحور والتغيير في الأهداف التي تستهدفها الأجسام المضادة بشكل يمنع جهاز المناعة من التنبه لها.

المرحلة الثانية: مناعة الخلايا التائية القاتلة:

تتميز المناعة التي تنتج عن الخلايا التائية القاتلة أنها لا تحيد فقط الفيروس وتحول دون انتشاره بإمساكه خارج الخلية؛ وإنما تقتل الخلايا المصابة بالفيروس. لكن هذا النوع من المناعة يحتاج وقت حتى يتكون وبالتالي يتمكن الفيروس من الانتشار. المشكلة ليست أن هذا اللقاح فشل في تكوين حماية فعالة فحسب، وإنما أنه زاد من احتمالية العدوى بالفيروس.

المرحلة الثالثة: مناعة الخلايا البائية غير البالغة Naive B cells :

منذ الألفينات وهذا هو التوجه السائد في تطوير لقاحات ضد فيروس إتش آي في HIV. حيث وجد العلماء أن عدد قليل من البشر قادر على انتاج أجسام مضادة تحمي من سلالات مختلفة من الفيروس. لكن هذه الأجسام المضادة لا يتم انتاجها إلا بعد العدوى بالفيروس. لذا فكر العلماء في اللجوء للخلايا البئية غير البالغة. الخلايا البائية غبر البالغة هي خلايا لم تتعرض لمستضدات. وبالتالي لم تكون اجسام مضادة من قبل. لذا فكر العلما في أن يقوموا بإحداث تحورات في هذه الخلايا تجعلها تنتج تلك الاجسام المضادة النادرة. ومن ثم يمكن استخدامها في تطوير مناعة تحمي من الفيروس وتمنع العدوى. ولا يزال هذا النوع من اللقاحات تحت الدراسة. [6]

تحديات تطوير لقاح الإيدز

يمكننا بالتالي تلخيص التحديات التي تواجه ابتكار لقاح للإيدز فيما يلي:

1-المعدلات المرتفعة في تكوين الطفرات

تحتوي الشفرة الوراثية لفيروس إتش آي في HIV على 9 جينات فقط ترمز ل16 بروتين ويشمل ذلك الجين المسئول عن البروتينات المكونة للغلاف الفيروسي. [4] يعتبر غلاف الفيروس هو الهدف الذي ترتبط به الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة وتوقف تكاثر الفيروس. لذلك فإن أكبر عائق يواجه العلماء ويحول دون تطوير لقاح الإيدز هو أن الفيروس يتطور بمعدلات سريعة جداً تجعل الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاح تفقد فاعليتها في الإرتباط بالبروتينات على سطحه، حيث تتسبب تلك الطفرات في تغييرات في تركيب الجليكوبروتين (البروتينات السكرية) المكون لغلاف الفيروس. [4، 5]

2-التنوع الجيني بين انواع وتحورات الفيروس

كذلك يضاف إلى تحديات ابتكار لقاح لفيروس إتش آي في HIV أن هناك تنوع جيني رهيب بين تحوراته وأنواعه حيث قد تصل نسب االاختلاف في التركيب االجيني بين الأنواع إلى 40%. وفي أفريقيا وحدها وٌجد أن 10 : 20 % من الإصابات تكون بتحورين أو أكثر من الفيروس. مما يُصعب من فكرة عمل لقاح يحمي من كل التحورات. [4، 5]

3-إعادة التركيب الجيني Genetic recombination:

يضاف إلى خواص فيروس إتش آي في HIV أنه يمكن لخليتين منه أن يتبادلا مواقع الجينات على شفرتيهما الوراثية. مما ينتج عنه تحورات جديدة مختلفة. وبالتالي قد تتمكن هذه المتحورات الجديدة من الهروب من جهاز المناعة وإحداث العدوى. [8]

4-عدوى إتش آي في HIV عدوى مزمنة والفيروس قادر على الاختباء:

بالإضافة إلى كون المرض مزمن مما يتيح فرصة أكبر للتحورات، فإن الفيروس يمتلك أيضاً قدرة على الإختباء داخل الجسم. حيث لدى الفيروس قدرة على دمج شفرته الوراثية بالشفرة الوراثي لخلايا المصاب وحينها لن يتمكن الجهاز المناعي من التعرف عليه ومن ثم قد يظل مختبئاً حتى تتاح له الفرصة للتكاثر. ومن ثم لابد من مناعة مبكرة جدا تتمكن من التعرف على الفيروس ومنعه من الانتشار.[7]

5-قلة النماذج الحيوانية:

ومن التحديات أيضاً قلة النماذج الحيوانية التي يمكن إكثار الفيروس بها ومن ثم تجربة اللقاح عليها. [4، 5] حيث أن الحيوان الوحيد من الرئيسيات الذي يمكن تنمية فيروس إتش آي في HIV فيه هو الشمبانزي وهو مهدد بالانقراض. وخطوة اختبار اللقاحات على الرئيسيات مهمة قبل اختبارها على البشر. لكن تم تطوير فيروس شبيه يصيب قرود المكاك بحيث يكون سطحه مغطى بغلاف فيروس إتش آي في HIV ويمكنه عدوى قرود المكاك كوسيلة للتغلب على هذا النقص في النماذج الحيوانية. من المهم أيضاَ اختبار اللقاحات على نماذج كالفئران و الأرانب او الخنازير ولكن معظم هذه النماذج ليست مناسبة لفيروس إتش آي في. لذا تم تطوير نموذج من الفئران يمكن اختبار هذه اللقاحات عليه إلى حد ما. ومن ثم يتضح أنه رغم وجود نماذج يمكن إجراء اختبارات عليها إلا أن خصائصها تجعلها مكلفة نسبياً ولا تجعلها متوفرة على نطاق واسع يسمح باختبارات أكثر وأوسع. [9]

See the source image
صورة لشامبنزي.
See the source image
صورة لقرد مكاك.

6-ضعف تمويل شركات الأدوية العملاقة للأبحاث:

كذلك فإن قليل من شركات الأدوية الكبرى تستثمر في أبحاث لقاحات تحمي من إتش آي في HIV.
[4، 5]

شكل يلخص عقبات وتحديات تطوير لقاح ضد الإيدز.
ملخص لعقبات تطوير لقاح الإيدز.

مع اكتشاف لقاحات كوفيد-19 بسرعة غير مسبوقة ونتيجة للتمويل الكثيف وتخفيف القيود والبيروقراطية على الأبحاث، انتشر تفاؤل بين العلماء حول إمكانية السير بشكل أسرع نحو تطوير لقاح الإيدز المنشود.

المصادر:

  1. الصورة البارزة: https://www.news24.com
    صورة الشمبانزي: Le chimpanzé souriant prend la pose (parismatch.com)
    مصدر صورة قرد المكاك: http://cdn.animalhi.com/
  2. 1. VIROLOGY OF HUMAN IMMUNODEFICIENCY VIRUS
  3. HIV 1: epidemiology, pathophysiology and transmission
  4. Major Scientific Hurdles in HIV Vaccine Development: Historical Perspective and Future Directions
  5. Challenges in the development of an HIV-1 vaccine 
  6. The four-decade quest for an HIV vaccine yields new hope 
  7. After 40 years of AIDS, here’s why we still don’t have an HIV vaccine
  8. 25 Years Later: The AIDS Vaccine Search Goes On
  9. Human immunodeficiency virus antibodies and the vaccine problem – Chiodi – 2014 – Journal of Internal Medicine – Wiley Online Library

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Gamal Ashraf
Author: Gamal Ashraf

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


غير مصنف حياة طب صحة أحياء

User Avatar

Gamal Ashraf


عدد مقالات الكاتب : 12
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *