لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب هذه الأحداث السماوية، وهل يمكننا التنبؤ بموعد حدوثها؟ سلطت دراسة حديثة ضوءا جديدا على ألغاز المستعرات العظمى، وكشفت عن فرصة نادرة لمشاهدة المستعر الأعظم قبل حدوثه.
محتويات المقال :
نجوم على شفا الدمار
تولد النجوم وتعيش وتموت بطرق مذهلة، حيث تتميز وفاتها بأحد أكبر الانفجارات المعروفة في الكون. وكما تحتاج نار المخيم إلى الخشب لتظل مشتعلة، يعتمد النجم على الاندماج النووي – باستخدام الهيدروجين كوقود في المقام الأول – لتوليد الطاقة ومقاومة القوة الساحقة لجاذبيته.
ولكن عندما ينفد الوقود، يتلاشى الضغط الخارجي، وينهار النجم تحت ثقله، ويسقط بسرعة تقترب من سرعة الضوء، ويصطدم بالنواة ثم يرتد إلى الخارج. وفي غضون ثوانٍ، ينفجر النجم بعنف، ويقذف الحطام النجمي إلى الفضاء بسرعات أسرع بآلاف المرات من أقوى صاروخ تم بناؤه على الإطلاق. هذا انفجار مستعر أعظم.
مشاهدة المستعر الأعظم قبل حدوثه
المستعر الأعظم “SN 2009ip”
في عام 2009، رصد علماء الفلك حدثًا ساطعًا على بعد 65 مليون سنة ضوئية، والذي بدا للوهلة الأولى أشبه بانفجار مستعر أعظم.
لم يضيء الانفجار الذي أطلق عليه اسم “SN 2009ip” كما كان متوقعًا، وتم تصنيفه بعد فترة وجيزة من اكتشافه على أنه “مستعر أعظم مخادع”، وهو انفجار عملاق لا يدمر النجم في النهاية.
وعلى مدار السنوات الثلاث التالية، خضع النجم للعديد من أحداث “الوميض” السريعة، مثل تشغيل وإطفاء المصباح الكهربائي بسرعة. أخيرًا، في عام 2012، حدث مستعر أعظم غير متوقع. ولا تزال دراسة تطور انفجار المستعر الأعظم مستمرة حتى يومنا هذا، وما حدث بالضبط من عام 2009 إلى عام 2012 لا يزال لغزا.
المستعر الأعظم “SN 2009ip”
لقد اكتشف فريق بحثي نجمًا غريبًا في عنقود العذراء المجري، والذي يبعد عنا أيضًا بمحض الصدفة 65 مليون سنة ضوئية. وعلى عكس المستعر الأعظم “SN 2009ip”، كان النجم يفتقر إلى الهيدروجين وكان يتكون في المقام الأول من الهيليوم. وقد لوحظ أن النجم يزيد سطوعه ببطء شديد لأكثر من خمس سنوات قبل رصد المستعر الأعظم.
لقد منح المستعر الأعظم، المسمى “SN 2023fyq”، علماء الفلك فرصة نادرة لالتقاط الضوء الأول من انفجار المستعر الأعظم، المعروف باسم اندلاع الصدمة (shock breakout)، من المراصد في جميع أنحاء العالم وفي الفضاء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المراقبة اليومية لنشاط النجم.
وسلطت هذه الملاحظة النادرة الضوء على أسرار انفجارات المستعرات الأعظم، وتقدم نظرة ثاقبة للظروف التي سبقت هذه الأحداث الكونية وما بعدها. لا يزال السبب الكامن وراء نشاط ما قبل المستعر الأعظم غير واضح، لكن العلماء يعتقدون أن تفاعل النجوم المتعددة قد يكون المفتاح لفهم هذه التقلبات السريعة في السطوع.
النجوم المعزولة لا تتعرض للتقلبات
يقدم هذا النشاط التمهيدي فرصة مثيرة لكشف أسرار انفجارات المستعرات العظمى، وإلقاء الضوء على الظروف التي أدت إلى هذه الأحداث الكونية وتلتها.
لا يزال السبب الكامن وراء هذا النشاط الذي يسبق المستعر الأعظم غير واضح. ويُعتقد أن النجم الضخم المعزول لا يتعرض لمثل هذه التقلبات السريعة في السطوع. ففي اللحظات الأخيرة من حياة النجم، يخضع قلبه لتطور سريع، في محاولة يائسة لمقاومة قوة الجاذبية الساحقة باحتياطياته المتناقصة من الوقود.
ومع ذلك، فإن النجم كبير جدًا في هذه المرحلة لدرجة أن أي نشاط في القلب لا يتوفر له الوقت الكافي للوصول إلى السطح. إن ملاحظة هذه التغيرات الدرامية، التي تحدث بالقرب من موت النجم، تشكل تحديًا كبيرًا للنظريات الحالية.
فرضية مقنعة
تشير فرضية مقنعة إلى تفاعل النجوم المتعددة. تولد النجوم في سحب كثيفة من الغاز والغبار حيث يمكن أن تتشكل نجوم متعددة على مقربة من بعضها البعض. قد تتفاعل النجوم المجاورة مع بعضها البعض جاذبيًا – تتبادل المواد أثناء دورانها حول بعضها البعض.
قد يكون هذا الانتقال الكتلي مسؤولاً عن التغيرات في السطوع التي لوحظت في “SN 2009ip” قبل انفجاره ونقص الهيدروجين الذي لوحظ في “SN 2023fyq”. وقد يكون الرفيق المعني نجمًا ضخمًا آخر، أو ربما جسمًا أكثر غرابة، مثل الثقب الأسود.
ما الذي ينتظرنا في أبحاث المستعرات العظمى
من خلال دراسة هذه الانفجارات التي تسبق المستعر الأعظم، يمكن للعلماء الحصول على فهم أعمق للظروف التي أدت إلى هذه الأحداث الكونية.
الآثار المترتبة على هذا البحث بعيدة المدى. ومن خلال التعرف على هذه الإشارات، يمكن للعلماء تنبيه المجتمع العلمي والاستعداد لمشاهدة النجم وهو يمر بلحظاته الأخيرة الدرامية. قد يُحدث هذا ثورة في فهمنا للمستعرات الأعظم، مما يمكننا من التنبؤ بهذه الأحداث الكونية والاستعداد لها بشكل أفضل. وبينما نواصل كشف لغز انفجارات ما قبل المستعرات الأعظم، قد نكشف أسرارًا جديدة للكون، ونلقي الضوء على أسرار الانفجارات الكونية.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :