الإجهاد والتوتر هما عدوان مألوفان يمكنهما أن يجعلانا نشعر بالمرض، ولكن هل تعلم أن البكتيريا الموجودة في أمعائك قد تكون السبب؟ كشفت دراسة رائدة أجريت على الفئران عن وجود صلة مفاجئة بين الدماغ والأمعاء، وكشفت الدراسة أن الدماغ المجهد يمكن أن يوقف عمل غددًا معينة في الأمعاء، مما يؤثر على بكتيريا الأمعاء ويضعف جهاز المناعة في الجسم.
الباحثون وراء هذه الدراسة، التي نُشرت في 8 أغسطس في مجلة (Cell)، هم عالم الأعصاب إيفان دي أراوخو وفريقه في معهد ماكس بلانك للسيبرنيطيقا الحيوية في توبنغن، ألمانيا. وقد أشاد عالم الأعصاب جون كريان في جامعة كوليدج كورك في أيرلندا بالبحث باعتباره إنجاز مثير للإعجاب تم تحقيقه بمهارة كبيرة.
إذًا، ما الذي يحدث بالضبط في أجسامنا عندما نكون متوترين، وكيف يؤثر ذلك على صحتنا؟ تكمن الإجابة في شبكة الاتصال المعقدة بين دماغنا وأمعائنا، وهي العلاقة التي اكتسبت الاهتمام في السنوات الأخيرة. في هذه الدراسة، وقد ركز الباحثون على أعضاء صغيرة تسمى غدد برونر في الأمعاء، والتي تنتج المخاط وتحتوي على العديد من الخلايا العصبية.
محتويات المقال :
في أوائل القرن التاسع عشر، اقترح عالم وظائف الأعضاء الفرنسي كلود برنارد مفهوم “البيئة الداخلية” (Internal environment)، الذي ينص على فكرة الحفاظ على توازن وظائف الجسم من خلال التواصل بين الأعضاء المختلفة. وفي القرن العشرين، بدأ العلماء في الكشف عن دور الناقلات العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين، في تنظيم الأمعاء. حيث وجد أن هذه الرسائل الكيميائية يتم إنتاجها ليس فقط في الدماغ ولكن أيضًا في القناة الهضمية، مما يؤدي إلى إدراك أن العضوين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا.
لكن الاتصال بين الأمعاء والدماغ هو أكثر من مجرد تبادل كيميائي بسيط. إنه حوار معقد ثنائي الاتجاه يتضمن مسارات وأنظمة متعددة. على سبيل المثال، العصب الحائر (Vagus nerve)، وهو مسار اتصال رئيسي بين الأمعاء والدماغ، ينقل الإشارات في كلا الاتجاهين. كما تشير الأبحاث إلى أن ميكروبيوم الأمعاء يمكن أن يؤثر على الحالة المزاجية، والوظيفة الإدراكية، وحتى السلوك.
هذا التفاعل المعقد أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة العامة. حيث يلعب ميكروبيوم الأمعاء، الذي يضم تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة، دورًا حيويًا في تعديل جهاز المناعة، وإنتاج العناصر الغذائية الأساسية، والتأثير على المزاج والسلوك. ومن ناحية أخرى، يمكن لوظيفة الدماغ تشكيل بيئة الأمعاء، حيث يؤدي الإجهاد، على سبيل المثال، إلى تغيير توازن بكتيريا الأمعاء. ويمكن أن تكون عواقب هذا الخلل بعيدة المدى، حيث تساهم في حالات مثل متلازمة القولون العصبي والقلق والاكتئاب.
غدد برونر (Brunner’s glands)، وهي غدد صغيرة موجودة في جدران الأمعاء الدقيقة، كانت تشكل لغزًا في المجتمع العلمي. وبينما كان دورها في إنتاج المخاط واحتواء العديد من الخلايا العصبية معروفًا، إلا أن وظيفتها المحددة ظلت غامضة. وذلك حتى قرر عالم الأعصاب إيفان دي أراوخو وفريقه التحقيق في دورهم في الاتصال بين الأمعاء والدماغ.
اكتشف الفريق أن إزالة غدد برونر في الفئران جعلتها أكثر عرضة للإصابة بالعدوى وزيادة الالتهابات. وكشف تحليل الفريق أن إزالة غدد برونر أدى إلى القضاء على البكتيريا من جنس العصية اللبنية (Lactobacillus genus)، التي تعيش في الأمعاء الدقيقة. وتلعب هذه بكتيريا دورًا حاسمًا في الحفاظ على أمعاء صحية عن طريق تحفيز إنتاج البروتينات التي تعمل كمادة عازلة بين الخلايا المبطنة للأمعاء.
وبدون غدد برونر، تصبح الأمعاء “متسربة”، مما يسمح للجزيئات الغريبة بالدخول إلى مجرى الدم ويقوم الجهاز المناعي بمهاجمة هذه الجزيئات الغريبة، مما يسبب الالتهاب والمرض الذي شوهد في الفئران التي لا تحتوي أمعائها على غدد برونر.
عندما نكون تحت الضغط، ينشط دماغنا بشكل مفرط، ويفرز هرمونات يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى على أجسامنا. أحد التأثيرات الضارة للتوتر هو قدرته على إسكات غدد معينة في أمعائنا، مما يؤثر في النهاية على توازن البكتيريا التي تعيش هناك. فعندما تم وضع الفئران تحت ضغط مزمن، بدأت الخلايا العصبية في غدد برونر في التوقف عن العمل. وهذا بدوره أثر على بكتيريا العصية اللبنية التي تعيش في الأمعاء الدقيقة.
ولكن كيف يرسل الدماغ إشارة إلى الأمعاء لإيقاف عمل هذه الغدد؟ تكمن الإجابة في العصب الحائر، الذي يربط اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهي منطقة مسؤولة عن الاستجابة للعاطفة والضغط النفسي، بغدد برونر. وعندما يتعرض الدماغ للتوتر، فإنه يرسل إشارة عبر العصب الحائر، مما يؤدي إلى إيقاف عمل غدد برونر بشكل فعال وتعطيل التوازن الدقيق للبكتيريا في الأمعاء. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى الالتهاب والمرض.
إن هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم وعلاج الاضطرابات المرتبطة بالتوتر. كما أن لديه القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع أمراض الأمعاء الالتهابية (IBD)، وهي مجموعة من الالتهابات التي تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. حيث سنكون قادرين على منع أو تخفيف الأعراض المنهكة لأمراض الأمعاء الالتهابية عن طريق استهداف المسار المحدد الذي يربط الدماغ بالأمعاء.
ويمكن أن يكون لنتائج هذه الدراسة أيضًا آثار بعيدة المدى على فهمنا للعلاقة المعقدة بين الدماغ والأمعاء والجهاز المناعي. ومن خلال تحديد الآليات المحددة التي يؤثر بها التوتر على بكتيريا الأمعاء، يمكن للباحثين الآن استكشاف استراتيجيات علاجية جديدة تركز على تعديل الاتصال بين الدماغ والأمعاء.
علاوة على ذلك، يثير هذا البحث أسئلة مهمة حول دور تجارب الحياة المبكرة، مثل تناول حليب الثدي، في تشكيل الاتصال بين الدماغ والأمعاء. ومن خلال دراسة آثار الإجهاد المزمن على الرضع، قد يكشف الباحثون عن رؤى جديدة حول كيفية تشكيل بيئتنا وتجاربنا لقابليتنا للاضطرابات المرتبطة بالتوتر في وقت لاحق من الحياة.
How the stressed-out brain can weaken the immune system | nature
Stress-sensitive neural circuits change the gut microbiome via duodenal glands | cell
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…