في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)، وهي فكرة وجود إله واحد يكمن وراء جميع الظواهر، موضوعًا للنقاش بين المثقفين المسلمين منذ العصور الوسطى. ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي، قدم فلاسفة مثل شهاب الدين السهروردي وابن عربي مساهمات كبيرة في تطوير هذا المفهوم، وتشكيل مسار التصوف الإسلامي والصوفية. حيث حاولوا حل معضلة فهم طبيعة الواقع التي لا يمكن وصفها. هيا نتعرف على شرح السهروردي وابن عربي لطبيعة الإله
محتويات المقال :
التوحيد في الإسلام
في الإسلام، يعتبر مفهوم التوحيد حجر الزاوية في الإيمان. إنها وحدانية الله المطلقة وغير المشروطة، الخالية من أي شركاء. وهذا المبدأ الأساسي منصوص عليه بوضوح في القرآن الكريم. حيث يؤكد القرآن على وحدانية الله وتفرده، ويرفض أي فكرة عن الشرك أو الثنائية.
إن مفهوم التوحيد له آثار بعيدة المدى على اللاهوت والفلسفة الإسلامية. إنه يعني أن الله هو الخالق والحافظ والحاكم الوحيد للكون، وأن الوجود كله يعتمد عليه. كما تؤكد هذه الفكرة على أهمية عبادة الله وحده وطاعته دون إسناد أية صفات إلهية إلى غيره.
علاوة على ذلك، فإن التوحيد له آثار مهمة على علماء اللاهوت والفلاسفة المسلمين، لأنه يتحداهم للتوفيق بين الصفات البشرية المنسوبة إلى الله في القرآن ووحدانية الله المطلقة. وقد أدى هذا إلى تطوير مدارس فكرية لاهوتية وفلسفية مختلفة داخل الإسلام، تحاول كل منها فهم وشرح طبيعة الله وعلاقته بالخليقة.
التجسيم في اللاهوت الإسلامي
إن التجسيم يخاطر بتقليص سمو الله إلى أبعاد بشرية. ومن خلال نسب الصفات الإنسانية إلى الإله، قد نقوم عن غير قصد بتجسيم الله، مما يجعل الإله أقل إلوهية وأكثر ارتباطًا بالتجربة الإنسانية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى الانتقاص من جلالة الله وطمس الحدود بين العالمين البشري والإلهي.
وللتحايل على هذه المشكلة، استخدم بعض المسلمين استراتيجيات مختلفة. البعض، مثل المعتزلة، اختاروا نهجا أكثر عقلانية، مؤكدين على وحدة الله المطلقة وتجاوزه الفهم البشري. بينما اتخذ آخرون، مثل الأشاعرة، موقفًا أكثر حرفية، حيث قبلوا الأوصاف المجسمة في القرآن باعتبارها ضرورية لفهم الإنسان، ولكنهم أكدوا على تفرد الله وتميزه عن الخلق.
في هذا النقاش المعقد، سعى الفلاسفة المسلمون مثل ابن سينا والغزالي إلى إيجاد حل وسط. لقد طوروا مفاهيم متطورة للصفات الإلهية، وميزوا بين الصفات الأساسية والعلائقية، ونشروا الأفكار الأرسطية والأفلاطونية الحديثة للتوفيق بين الفهم البشري والفهم الإلهي.
شرح السهروردي وابن عربي لطبيعة الإله
رؤية السهروردي للنور الإلهي
كان السهروردي، الفيلسوف الفارسي في القرن الحادي عشر، شخصية مثيرة للجدل حيث اعتبرت أفكاره هرطقة من قبل العديد من علماء المسلمين. وقد تأثرت فلسفته الفريدة، حكمة الإشراق، بشكل كبير بالأفلاطونية المحدثة والأرسطية وأعمال ابن سينا. تفترض هذه الفلسفة أن الواقع هو في الأساس نور إلهي، ينبعث من الله ويضعف تدريجيًا مع امتداده إلى الخارج، مما يؤدي إلى مستويات مختلفة من الوجود، من غير المادي إلى المادي.
أكد السهروردي على أهمية كل من الأبعاد الباطنية والظاهرية للواقع، مما يشير إلى أن الفهم الحقيقي يتطلب التوازن بين الاستقصاء العقلاني والتجربة الصوفية. وأكد على دور الحدس المباشر والوحي الشخصي في تحقيق المعرفة الروحية. إن أفكاره تتفق بشكل كبير مع الغنوصية وتتوافق مع مفهوم ابن عربي لوحدة الوجود، الذي يؤكد على وحدة الوجود كله في الله.
إن مفهوم السهروردي للنور الإلهي ليس مجرد استعارة؛ إنه جانب أساسي من نظامه الفلسفي. ويعتقد أن هذا النور هو أساس كل الوجود، وكل ما هو موجود هو مظهر من مظاهر هذا النور الإلهي. وتؤدي هذه الفكرة إلى بنية هرمية للواقع، حيث يكون الله في الأعلى، تليها المظاهر غير المادية والمادية، وأخيرًا الجوانب الفاسدة للخليقة.
ابن عربي ووحدة الوجود
ابن عربي، الفيلسوف الصوفي الأندلسي في القرن الثاني عشر، يعتبر أحد أعظم المفكرين في التاريخ الإسلامي. لقد كان لأفكاره الرائدة، وخاصة مفهومه لوحدة الوجود، تأثير عميق على الفكر والروحانية الإسلامية.
على عكس العديد من أسلافه، لم يعتمد ابن عربي على المفاهيم الميتافيزيقية مثل الضوء أو العناصر الأخرى لشرح طبيعة الواقع. بدلاً من ذلك، اقترح فكرة جذرية مفادها أن الكون والله ليسا كيانين منفصلين بل جوانب مترابطة لواقع واحد موحد. وبينما أقر بالتمييز بين الواقع المطلق (الوجود) ومظاهره (الموجودات)، فقد أكد على الوحدة الأساسية لكل الوجود.
كما قدم ابن عربي مفهوم البرزخ، وهو عالم ميتافيزيقي تتقاطع فيه وحدة الوجود وتعدده. يسلط هذا المفهوم الضوء على الطبيعة العلائقية للواقع، مما يشير إلى أن كل شيء مترابط. وعلى الرغم من الطبيعة المثيرة للجدل لأفكاره، فقد حافظ ابن عربي على التمييز الواضح بين الله والخلق، مؤكدًا أن البشر هم مظاهر الله ولكنهم ليسوا متطابقين معه.
وفي هذه الوحدة، نجد إحساسًا عميقًا بالانتماء، وإحساسًا بكوننا جزءًا من كل أكبر يتجاوز تجاربنا الفردية. إنها دعوة لاستكشاف الترابط بين كل الأشياء، والتعرف على الله في كل نفس، وكل لمحة، وكل لحظة.
كما تتحدى فكرة ابن عربي الثورية مفاهيمنا التقليدية عن الأخلاق، وتشجعنا على إعادة تقييم قيمنا ومبادئنا. إذا لم نكن منفصلين عن الكون، فإن أفعالنا لها عواقب تمتد عبر الكون. يعزز هذا المنظور التعاطف والرحمة والمسؤولية، ويلهمنا للعيش في وئام مع الطبيعة ومع بعضنا البعض.
المصدر
Medieval Islam & the Nature of God | philosophy now
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :