Ad

تستعمل الأسلحة النووية الانشطارية (القنابل الذرية) طاقة الانشطار النووي من أجل خلق قوة الانفجار. وتنتمي قنبلتا هيروشيما وناكازاكي إلى هذا النوع من الأسلحة. ورغم أن طرازهما صار قديمًا مقارنة بالأسلحة النووية الحديثة، ما زالت الدول العظمى تستميت من أجل منع حيازة باقي الدول لها. فكيف تعمل الأسلحة النووية الانشطارية؟ وكيف يتم تصميمها؟  

الأسلحة النووية الانشطارية

تعتبر الأسلحة النووية الانشطارية أول سلاح نووي تم تصنيعه. وتم ذلك خلال مشروع مانهاتن إبان الحرب العالمية الثانية، حيث واجه العلماء المشاركون في المشروع عدة مشاكل من أجل إيجاد تصميم عملي لصنع قنبلة نووية. وتتعلق معظم هذه المشاكل بكيفية إطلاق التفاعل التسلسلي في الوقت المناسب والتأكد من استمرار نموه من أجل تحرير أكبر قدر من الطاقة في الانفجار [1]. 

فيزياء الأسلحة النووية الانشطارية

تقوم الأسلحة النووية الانشطارية، على مبدإ الانشطار النووي، إذ ينشطر الوقود النووي، عند امتصاصه نيوترونًا، إلى قسمين محررًا معه نيوترونين أو ثلاثة مع مقدار هائل من الطاقة. و تسهِم هذه النيوترونات المحررة بدورها في ولادة انشطارات جديدة، وهذا ما يعرف بالتفاعل التسلسلي [1].

ويشترط في حدوث الانفجار النووي أن يظل التفاعل التسلسلي يتسارع حتى يصل لنقطة الانفجار. ولتحقيق هذا، يجب أن تفوق كتلة المادة الانشطارية (القابلة للانشطار) ما يسمى بالكتلة الحرجة وأن تكون قيمة التفاعلية في القنبلة النووية أكبر من الصفر.

الكتلة الحرجة

تُعرَّف الكتلة الحرجة عل أنها أقل كتلة للمادة الانشطرارية تسمح باستمرار التفاعل التسلسلي. وتسمى المادة الانشطارية «كتلة دون حرجة-subcritical mass» عندما تكون كميتها غير كافية لضمان استمرار التفاعل التسلسلي. وفي هذه الحالة، نجد أن أغلب النيوترونات تتسرب خارج المادة الانشطارية دون أن تسهم في بدئ تفاعل جديد، وبالتالي لا تكون قادرة على خلق الانفجار النووي [1].

وتعتبر الكتلة الحرجة عاملا مهما خلال تصميم القنبلة النووية. ذلك أن المادة الانشطارية يجب أن تبقى “كتلة دون حرجة” حتى الوقت المقرر لتفجيرها، حيث يتم تجميع عدة كتل دون حرجة لتُكوِّن الكتلة فوق الحرجة القابلة للانفجار [2].

التفاعلية

تحدد التفاعلية ρ ما إذا كان التفاعل التسلسي يتسارع (حالة فوق حرجة) أو يتباطأ (حالة دون حرجة) أو يبقى ثابتا (حالة حرجة). ففي الحالة الأولى (0>ρ )، يتزايد عدة التفاعلات بحدة في وقت وجيز محررا معه كمية هائلة من الطاقة التي تسبب الانفجار النووي. أما في الحالة الثانية (0<ρ )، فإن عدد التفاعلات يتناقص مع الزمن. ويحدث هذا عادة بسبب نقص كمية المادة الانشطارية، حيث تقل فرصة التقاء نيوترون بنواة انشطارية وبالتالي تقل معه احتمالية التفاعل [2].

وحتى لا نخلط الأوراق مع بعضها، فإن الكتلة (كتلة المادة الانشطارية) فوق الحرجة يمكن أن تكون في أي من الحالات الثلاث: تسارع التفاعل أو تباطؤه أو ثباته. لكن يستحيل لـ “كتلة دون حرجة” من المادة أن تصل إلى الحالة الحرجة (ثبات التفاعل) أو فوق الحرجة (تسارع التفاعل).

وتتأثر تفاعلية القنبلة النووية بسبعة عوامل هي:

  • نوع المادة الانشطارية: حيث تختلف احتمالية الانشطار من نواة لأخرى؛
  • كمية المادة الانشطارية: التي تحدد الكتلة الحرجة للمادة الانشطارية؛
  • شكل المادة الانشطارية: تختلف نسبة النيوترونات المتسربة بعيدا عن المادة الانشطارية حسب الشكل الخارجي لهذه الأخيرة؛
  • كثافة المادة الانشطارية: مع تزايد كثافة المادة الانشطارية ترتفع نسبة التقائها مع أحد النيوترونات وبالتالي احتمالية التفاعل بينهما؛
  • نسبة التخصيب: يزيد التخصيب من كثافة المادة الانشطارية في عينة ما، وكلما زادت نسبة التخصيب زادت معه نسبة التفاعل؛
  • الوسط: حيث يقلل وجود عاكس للنيوترونات محيط بالمادة الانشطارية عدد النيوترونات التي تتسرب خارجها؛
  • نقاء المادة الانشطارية من الشوائب: حيث قد تمتص بعض الشوائب النيوترونات مقلِّلة بذلك عدد التفاعلات المحتملة [2].

تصميمات الأسلحة النووية الانشطارية

يجب أن يحترم تصميم القنبلة عدة متطلبات من أجل إحداث انفجار نووي. أولاها، أن تبقى المادة الانشطارية في الحالة دون الحرجة إلى موعد تفجير القنبلة. وثانيها، تجميع المادة الانشطارية حتى تفوق كتلتها الكتلة الحرجة مع الحرص على إبقائها خالية من النيوترونات حتى انتهاء عملية التجميع. تأتي بعدها ضرورة وجود مصدر للنيوترونات يشعل فتيل الانفجار بإرساله عددا من النيوترونات نحو المادة الانشطارية. وأخيرًا، يجب أن تأخذ التفاعلية أعلى قيمة ممكنة أثناء التفجير لضمان استعمال أكبر قدر من المادة الانشطارية قبل أن تُدَمِّر القنبلة نفسها [3].

تُعدُّ مهمة عزل المادة الانشطارية عن النيوترونات قبل عملية التفجير مستحيلة، ذاك أن المادة نفسها تبعث نيوترونات عن طريق الانشطار التلقائي الذي يحدث بدون محفز خارجي. وحتى لا تُستنزف المادة الانشطارية بهذه التفاعلات، يجب تجميع الكتلة فوق الحرجة في وقت أقل من الوقت التي تأخذه هذه التفاعلات في إحداث تفاعل تسلسلي في المادة الانشطارية. ويحدث تجميع الكتلة فوق الحرجة بطريقتين مختلفتين هما «الانشطار المُصوَّب-«Gun Assembly و«الانضغاط الداخلي- Implosion Assembly»[3].

نمط الانشطار المُصوَّب

في نمط الانشطار المصوَّب، يتم تجميع “كتلتين دون حرجتين” ليُكَوِّنا معًا عند اجتماعهما “كتلة فوق حرجة” قادرة على إحداث الانفجار. حيث يتم تصويب طلقة من اليورانيوم المخصب نحو أسطوانة من اليورانيوم مجوفة من الداخل (انظر الشكل 1). عندما تلتحم القطعتان مع بعضهما، نحصل على كتلة فوق حرجة قادرة على إحداث الانفجار النووي [1].

القنبلة النووية ذات نمط الانشطار المصوَّب
الشكل 1: القنبلة النووية ذات نمط الانشطار المصوَّب

نمط الانضغاط الداخلي

يعتمد نمط الانضغاط الداخلي على رفع كثافة المادة الانشطارية، حيث تقل الكتلة فوق الحرجة كلما زادت الكثافة. فمثلًا، إذا كانت الكتلة الحرجة لقنبلة نووية 20 كيلوغراما، فقد تنخفض لتصير 10 كيلوغراما عند زيادة كثافة المادة الانشطارية. ويرجع هذا الارتباط العكسي إلى أن تزايد الكثافة يزيد من احتمالية التقاء نيوترون بنواة انشطارية، فيحدث التفاعل بشكل أسرع [3].

وفي القنابل من هذا النوع، يتم إحاطة كرة من مادة البلوتونيوم بالمتفجرات التي يتم تفجيرها بشكل متزامن لخلق موجة تضغط البلوتونيوم نحو الداخل (انظر الشكل 2). وهكذا، يتكثف البلوتونيوم في مركز الكرة، فتَقِلُّ الكتلة الحرجة الضرورية للحفاظ على التفاعل التسلسلي [2].  

القنبلة النووية ذات نمط الانضغاط الداخلي
الشكل2: القنبلة النووية ذات نمط الانضغاط الداخلي

إشعال فتيل القنبلة

من أجل بدء التفاعل التسلسلي، تحتاج القنبلة لمصدر خارجي يمدها بالنيوترونات التي تحفز هذا التفاعل. وعادة ما يتم الجمع بين مادتي البولونيوم-210 المشع و البيريليوم-9 من أجل تصنيعها، ذاك أن البولونيوم يتحلل إشعاعا مطلقا الجسيم α الذي يتفاعل بدوره مع البيريليوم ليُنتِج نيوترونا بالإضافة إلى نواة الكربون-12. وهكذا يتم إرسال النيوترون المنبعث نحو الوقود النووي من أجل تفعيل القنبلة لبدء الانفجار [1].

المصادر

[1] Nuclear Energy: An Introduction to the Concepts, Systems, and Applications of Nuclear Processes

[2] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تقنية فيزياء

User Avatar

مريم بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 27
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : صفاء بلحساوية

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *