مهما كان نوع الإشعاعات التي تتعرض لها أجسامنا، فإنها تتفاعل معها من خلال الطاقة التي تُخلفها في الخلايا البشرية. وتنتقل هذه الطاقة عبر الإلكترونات التي تنشأ على طول مسار الإشعاع مخلفة بذلك آثارًا تختلف باختلاف تفاعل الخلية مع الإشعاع. فكيف تتفاعل الخلية الحية مع الإشعاع؟ وما هي الآثار التي يسببها هذا التفاعل؟
محتويات المقال :
تتفاعل الإشعاعات مع الخلايا الحية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ويستغرق التفاعل غير المباشر (10-18 ثانية) أضعاف ما يستغرقه التفاعل المباشر (10-9 ثانية) من الوقت من أجل إحداث الأثر البيولوجي. وللإشارة فقط، فإن هذه المدد الزمنية المذكورة لا تمثل الوقت اللازم لظهور الآثار البيولوجية على الجسم البشري، بل تمثل الوقت الذي تبدأ فيه التفاعلات بين الذرات والجزيئات. أما الوقت الذي يبدأ فيه موت الخلايا فإنه يستمر من بضع ساعات إلى عدة شهور. ويمتد الوقت الذي تبدأ معه الآثار البيولوجية بشكل ملاحظ من بضع ساعات إلى عدة سنوات. أما بالنسبة للآثار الوراثية، فقد تمتد إلى عدة أجيال [1].
يشمل «الفعل المباشر-direct action» الذي تتركه الإشعاعات في الخلية الحية إثارة وتأيين الذرات، حيث تمتص إلكترونات الذرات طاقة الإشعاع فتحولها إلى طاقة حركية تساعدها إما على الانطلاق خارج مدارات الذرة (التأين)، أو على التموضع في المدارات الخارجية للذرة (الاستثارة) [1].
يتمثل «الفعل غير المباشر-indirect action» في التأثير الذي تُحدِثه الجزيئات غير البيولوجية التي تفاعلت مع الإشعاع، حيث تتحول جزيئات الماء المتواجدة داخل الخلية إلى «جذور حرة-free radicals» بعد تأينها، ثم تتفاعل هذه الجذور مع الأجسام البيولوجية المحيطة بها [1].
ويهيمن الضرر الذي يسببه الفعل المباشر على الضرر غير المباشر بالنسبة للجسيمات ذات «نقل الطاقة الخطي-linear energy transfer» العالي كجسيم ألفا والنيوترونات. بينما يكون التأثير غير المباشر أكثر أهمية بالنسبة للجسيمات ذات نقل الطاقة الخطي الضعيف كالإلكترونات والفوتونات. وللتذكير فقط، فإن نقل الطاقة الخطي هو متوسط الطاقة الذي يحرره الإشعاع عند قطعه مسافة معينة داخل الوسط الذي يتفاعل معه. ويكون عاليا بالنسبة للجسيمات الثقيلة كالأيونات وجسيم ألفا ومنخفضًا بالنسبة للجسيمات الخفيفة كالإلكترونات مثلًا [1].
تتفاعل الجسيمات الناتجة عن امتصاص طاقة الإشعاع مع مختلف الأجسام البيولوجية المحيطة بها. لكن يبقى التفاعل مع الحمض النووي هو المُسَبب الأول لضرر الخلية والذي قد يؤدي إلى موتها.
يؤدي تعرض الحمض النووي للإشعاعات إلى عدة أنواع من الإصابات، بعضها قابل للترميم والبعض الآخر غير قابل لذلك، إذ يتضرّر جانب واحد من لولبي الحمض النووي أو كلا الجانبين وغير ذلك من الإصابات التي قد تطرأ على الحمض النووي. وبفضل قدرته على الترميم، فإن عدد الإصابات التي تنتهي بالخلية إلى الموت قليل جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للإصابات [1].
عند فشل عملية الترميم، ينتهي الأمر بالخلايا البيولوجية إما إلى الموت أو إلى فقدان قدرتها على الانقسام. ويحدث هذا إما بـ «الاستماتة-Apoptosis» أو بـ «النخر-necrosis» أو بـ «كارثة الانقسام- «mitotic catastropheأو بـ «الشيخوخة المستحثة-induced senescence». تنتحر الخلايا بشكل مبرمج في عملية الاستماتة، ويحدث هذا لبعض أنواع الخلايا عند تعرضها لجرعة منخفضة من الإشعاعات. بينما تموت الخلايا بالنخرـالذي ينتج عن فقدان الغشاء الخلوي لوظائفه- بعد التعرض لجرعة عالية. بالنسبة لفقدان القدرة على الانقسام الناتج عن كارثة الانقسام، فإنه يحدث عندما تدخل الخلايا مرحلة الانقسام الخلوي قبل أن تكمل عملية ترميم الحمض النووي. وتكون نسبة حدوثه أعلى في الوقت الذي يلي التعرض للإشعاع مباشرة. وتفقد الخلايا أيضُا قدرتها على الانقسام في الشيخوخة المستحثة، لكنها تبقى قادرة على القيام بوظائف التمثيل الغدائي [1].
رغم عدم تعرضها للإشعاع، تتضرر الخلايا المجاورة لتلك التي تم إشعاعها، وهذا ما يعرف بـ «أثر المتفرج-bystander effect ». وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، اقترح البعض أن الخلايا التي تتعرض للإشعاعات ترسل إشارات إلى قريباتها، فتبدأ هذه الأخيرة بالدخول في عملية الاستماتة أو ما يعرف بالموت المبرمج [1].
تنتج آثار الإشعاعات الظاهرة على الجسم البشري عن تراكم الآثار التي تحدث لكل خلية. ويمكن تقسيم الآثار على المستوى الخلوي إلى قسمين: قسم يشمل الموت المبكر للخلية أو إيقاف أو تأخير عملية الانقسام، وقسم يتجلى في التغيرات الدائمة التي تتعرض لها الخلايا نتيجة للإشعاع، حيث تنتقل هذه التغيرات للخلايا الوليدة. وحسب هذين القسمين، نجد نوعين من الآثار التي قد يتعرض لها الجسم البشري: الآثار الحتمية والآثار العشوائية [2].
عند التعرض لجرعة من الإشعاعات، قد يؤدي موت الخلايا وإيقاف عملية الانقسام إلى نقص حاد في الخلايا التي يحتاجها أحد الأعضاء للقيام بوظائفه بشكل طبيعي. ولا تبدأ الأضرار في الظهور-في هذه الحالة- إلا حين تُجاوِز الجرعة عتبة محددة لهذا العضو حيث يكون عدد الخلايا المتضررة كبيرًا. وتزداد خطورة الضرر مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها العضو. أما حين تكون الجرعة تحت العتبة المحددة، فلا يلحق أي ضرر بالأداء الوظيفي للعضو الذي تعرض للإشعاع. وهذا ما يسمى بـ «الأثر الحتمي- «Deterministic effect[2].
تحدث «الآثار العشوائية-stochastic effects» عندما تتغير الخلية بشكل دائم. ويؤدي هذا التغير إما إلى تطور مرض السرطان بالنسبة للفرد المُتعرِّض للإشعاع أو إلى ظهور آثار وراثية بالنسبة لخَلَفِ هذا الفرد. ويزداد احتمال حدوث هذا النوع من الآثار مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها الجسم أثناء تعرضه للإشعاع [2].
[1] Nuclear Medicine Physics | A Handbook for Teachers and Students
[2] An Introduction to Radiation Protection
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…