كيف أثّرت تطبيقات تحرير الصور على معايير الجمال واحترام الذات؟
استخدمت مايا تطبيق الإنستجرام لأول مرة عندما بلغت 18 عام. في البداية كانت تشعر بثقة تجاه مظهرها في الصور التي تنشرها، ولكن هذا لم يستمر طويلًا، فقد بدأت مايا تقضي وقتًا أطول على هذه المنصة، وتُشاهد صور أصدقائها ومؤثرين التواصل الاجتماعي “المثالية” حسب تعبيرها. هذا ما جعلها تشعر بعدم الثقة والقلق تجاه صورها الأصلية، وبدأت عدة تساؤلات تراودها مثل هل أنفي صغير بما فيه الكفاية؟ لماذا لا أبدو جميلة بلا مجهود مثل هؤلاء المؤثرين؟ “كان هذا محبط” حسب قول مايا.
لتُعزِّز ثقتها بنفسها قامت بتنزيل تطبيق تحرير الصور الشهير FaceTune وبدأت بتعديل صورها، ولكن أصبح مظهرها يختلف على الطبيعة لذلك لجأت مايا للجراحة التجميلية والفيلر لسد هذه الفجوة.
بدأت مايا تنشر صورها بدون تعديلات وعبّرت بأن الأمر كان أشبه بفلتر على وجهها طوال الوقت، ولكن ذلك لم يحميها من الاستمرار في مقارنة مظهرها مع غيرها في الصور، وكان هذا الأمر محبط على الرغم من علمها بكل التعديلات التي يجريها الآخرون على مظهرهم و صورهم. أدركت مايا أنّ هذا الأمر سيء لذلك قلّلت من عدد الساعات التي تقضيها على الإنستجرام وألغت متابعتها لعدة مؤثرين للتقليل من هذا الهوس. [1]
محتويات المقال :
يقول جراحو التجميل إن أيام الرغبة في الظهور بمظهر المشاهير قد ولّت. الآن يأمل الناس أن يُشبه مظهرهم في الواقع نُسختهم المعدلة بتطبيقات مثل «FaceTune و snapchat».
ارتفع عدد الأشخاص الذين يلتقطون الصور الشخصية في السنوات الأخيرة، ففي عام 2016 أعلنت «جوجل صور_Google photos» أن 200 مليون مُستخدم نشروا 24 مليار صورة شخصية على التطبيق، ومع وجود الكاميرات الأمامية في الهواتف الذكية التي تأتي مع تطبيقات الصور مثل «Snapchat و Instagram و Facetune» أصبح لدى المستخدمين قوة تشبه الفوتوشوب في متناول أيديهم، وأصبح من السهل التقاط الصور والتلاعب بها ثم الذهاب إلى جراح التجميل لتغيير مظهرهم كتلك الصور، فعلى سبيل المثال في عام 2015 أفاد 42% من جراحي التجميل أنهم رأوا عملاء كان هدفهم تحسين مظهرهم في صور السيلفي، وارتفع هذا الرقم إلى 55٪ في عام 2017. [2]
حديثًا يسعى بعض الأشخاص لإجراء عمليات تجميل لجعل مظهرهم يشبه صورهم المتلاعب بها بسنابشات وغيره _شفاه ممتلئة أو أنف أصغر أو عيون أكبر_ تعرف هذه الظاهرة باسم «خلل السنابشات-Snapchat dysmorphia». صاغ هذا المصطلح جراح التجميل تيجيون إيشو _مؤسس عيادات إيشو في لندن ونيوكاسل_ في عام 2015 عندما لاحظ أنه بدلًا من احضار صور المشاهير الآن يُشير الأشخاص إلى صورهم المتلاعب بها بالتطبيقات قبل اجراء عمليات التجميل.
انتشر هذا المصطلح عندما اعلنت الطبيبة فاشي وزملاؤها في تقرير في المجلة الطبية «JAMA» أن صور السيلفي وتحرير الصور غرسوا معايير جديدة للجمال قد تكون هذه المعايير غير واقعية، وكذلك يُمكن لهذه التطبيقات أن تجعلنا نفقد الاتصال بالواقع لأننا نتوقع أن نبدو في الحياة الواقعية كنسختنا المعدلة بتلك التطبيقات. تقول أستاذة علم النفس رينيه إنجلن “معرفتك بأن صورك قد تم التلاعب بها لا يحمي عقلك من المقارنة بينها وبين مظهرك في الواقع لأن هذا يحدُث تلقائيًا”.
يكون «snapchat dysmorphia» أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 عامًا. [1]
دائمًا ما يتصارع المجتمع والعلماء مع مُثُل ومعايير الجمال الغير واقعية. في الماضي تم نشر هذه المُثُل من قِبل المشاهير، ولكن يُمكننا إدراك أن هذه المعايير غير قابلة للتحقيق بسبب المسافة الهائلة بين النجوم والأشخاص العاديين لأنه يتم تحقيق هذه المعايير عند المشاهير عن طريق الالتزام المهني بالمظهر من خلال ممارسة التمارين الرياضية، والنظام الغذائي الخاضع للرقابة وفريق من خبراء التجميل والشعر والأزياء، ولكن هذه الفجوة تضيق الآن إن لم تكن تختفي تمامًا. يتوفر «FaceTune» وتطبيقات التحرير الأخرى على نطاق واسع لدرجة أن زملاء الدراسة وزملاء العمل والجيران والأصدقاء يتذرعون بمُثُل الجمال الغير واقعية. وفقًا لتقرير «للأكاديمية الأمريكية للجراحة التجميلية ABFPRS» في عام 2018 شهِد أكثر من نصف الجراحين زيادة في اجراءات التجميل أو الحقن في الأشخاص تحت 30 عام؛ أكثر من 80% كانت مخصصة للمظهر فقط. [1]
على الرغم من كل المخاوف إلا أن العديد من جراحي التجميل يعتقدون بأن «snapchat dysmorphia» قد تكون لها جوانب مضيئة. على سبيل المثال يعتقد دانيال مامان _جرّاح تجميل معتمد في مدينة نيويورك_ أنّ مفتاح النجاح في مجاله هو جعل مايريده الزبائن ممكنًا، وهذا يسهل تحقيقه عندما يأتي الأشخاص بصورة شخصية معدلة بدلًا من صور لمشاهير يختلف فيها مظهرهم عنهم كليًا، ولكن لا تزال هناك صعوبات في جعل مظهر الأشخاص مطابق لصورهم الذاتية المتلاعب بها بسبب التعارض بين التغييرات التي يتم إجراؤها بواسطة الصور ثنائية الأبعاد مع العالم الثلاثي الأبعاد، وكذلك من الصعب تكرار التعديلات الصغيرة التي لا تُعد ولا تُحصى الممكنة على تطبيقات التحرير في الممارسة العملية. [2]
مانراه في صور السيلفي ليس واقعيًا، ففي دراسة حديثة في مجلة «JAMA» حَسَب الباحثون تشوه الوجه في صور السيلفي من خلال التقاط الصور من جوانب مختلفة عند اختبار ما أطلقوا عليه «اسم تأثير الصور الشخصية». عند التقاط صورة ذاتية على بعد 12 بوصة ظهر أنف الرجل أكبر بنسبة 30٪ بينما كان أنف المرأة أكبر بنسبة 29%، ولم تكن ملامح الوجه متناسبة في الصورة مع مقياس الحياة الواقعية إلا بعد مسافة 5 أقدام. من الممكن أن يُغذّي هذا استياء الشخص من مظهره، وكذلك قد يدفع البعض لإجراء العمليات الجراحية وبالتالي تكون رغبة الشخص في تصغير أنفه مدفوعة بالتشوهات الكامنة في التقاط الصور الشخصية.[2]
هوس الشخص بمظهره هو علامة حمراء لجراحي التجميل والأطباء النفسيين على حد سواء. بالنسبة لهؤلاء الخبراء فإنّ الخطر الأكبر هو «اضطراب تشوه الجسم-body dysmorphic disorder»، وهو مرض نفسي يشعر فيه الشخص بقلق بسبب عيوب في مظهره وهي عيوب تبدو بسيطةً أو لا يراها الآخرون ولكن قد يتعارض هذا القلق مع حياة المريض المهنية والاجتماعية.
أشار تقرير حديث في المجلة الطبية الأمريكية «JAMA» إلى أن تعديل الصور الذاتية باستخدام الفلاتر والتطبيقات يمكن أن يؤدي إلى اضطراب تشوه الجسم. [3]
كذلك نُشرت دراسة في «المجلة الدولية لاضطرابات الأكل» تُشير إلى أنّ كُثرة استخدام برامج تحرير الصور بين المراهقات يرفع من قلقهن تجاه أجسادهن ونظامهن الغذائي. يحدث هذا بسبب عدم التطابق بين الطريقة التي ترى بها الفتاة نفسها والصور التي تراها على وسائل التواصل الاجتماعي. وجدت دراسة أخرى أن المزيد من مشاهدة السيلفي كان مرتبطًا بتقدير الذات السلبي، وكشفت دراسة أخرى عن وجود صلة بين تحرير الصور وقبول الجراحة التجميلية.[1]
في النهاية تذكر أن معايير الجمال الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي غير واقعية، وأن الصور التي نراها كل يوم خضعت لعدة تعديلات لتبدو بهذا الشكل. كذلك اسأل نفسك ما الذي تحاول تحقيقه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟ لتشعر بأنك جميل ومثير؟ أم للتواصل مع الأصدقاء؟ فكّر فيما إذا كانت المنصات تحقق لك حقًا ماتريد. [1]
مصادر كيف أثّرت تطبيقات تحرير الصور على معايير الجمال واحترام الذات؟:
[1]. psychology today
[2]. webmd
[3]. JAMA
اقرأ أيضًا: كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…