Ad

في قلب العاصمة الصينية، بكين، تقترب منشأة علمية ثورية من الاكتمال حيث تستعد لكشف أسرار عالم الذرات. ومن المقرر أن يفتح مشروع مصدر الفوتون عالي الطاقة (HEPS)، وهو مشروع بقيمة 4.8 مليار يوان (665 مليون دولار أمريكي)، أبوابه للباحثين في عام 2025. مما يمثل علامة فارقة مهمة في المشهد العلمي في الصين. وستكون هذه المنشأة المتطورة الأولى من نوعها في آسيا، حيث ستنضم إلى مجموعة النخبة من مصادر ضوء المسرع الدوراني التزامني (Synchrotron) من الجيل الرابع في جميع أنحاء العالم.

يقع مبنى (HEPS) في هوايرو، على بعد 50 كيلومترًا من وسط مدينة بكين، وهو أحد عجائب العلوم الحديثة. يضم الهيكل الدائري للمنشأة حلقة تخزين يبلغ محيطها 1.36 كيلومترًا، والتي ستسرع الإلكترونات إلى طاقات تبلغ 6 جيجا إلكترون فولت، وتنتج أشعة سينية عالية الطاقة يمكنها اختراق العينات بعمق للكشف عن بنيتها الجزيئية والذرية في الوقت الفعلي. ومع دقة زمنية أفضل بـ 10000 مرة من سابقاتها، فإن نظام (HEPS) سيمكن الباحثين من إجراء قياسات في مئات النانو ثانية، وهو إنجاز لم يكن من الممكن تصوره من قبل.

سر البنية الذرية للمادة

لقد أذهل عالم الذرات والجزيئات العلماء لفترة طويلة، وكان فهم بنيتها المعقدة هو القوة الدافعة وراء العديد من الاكتشافات الرائدة. وفي قلب هذا المسعى تكمن القدرة على استكشاف التركيب الذري للمادة. يستعد مصدر الفوتون عالي الطاقة (HEPS) لإحداث ثورة في هذا المجال من خلال إنتاج أشعة سينية يمكنها اختراق العينات، والكشف عن بنيتها الجزيئية والذرية في الوقت الفعلي.

تخيل أنك قادر على النظر في نسيج المادة ذاته، لمراقبة الحركة المعقدة للذرات والجزيئات التي تكمن وراء جميع الظواهر الفيزيائية. وهذا هو بالضبط ما ستمكن تكنولوجيا (HEPS) المتطورة الباحثين من القيام به. ومن خلال تسريع الإلكترونات إلى طاقات تبلغ 6 جيجا إلكترون فولت، ستقوم المنشأة بتوليد أشعة سينية عالية الطاقة يمكنها فحص العينات بمقاييس نانومترية. وهذا سيسمح للعلماء بإجراء قياسات في مجرد مئات النانو ثانية، وهو أسرع بمقدار 10000 مرة مما كان ممكنًا في السابق باستخدام المسرع الدوراني التزامني من الجيل الثالث.

تاريخ موجز لمصادر ضوء المسرع الدوراني التزامني

يعود مفهوم مصادر ضوء المسرع الدوراني التزامني إلى الأربعينيات من القرن الماضي، عندما اقترح العلماء لأول مرة فكرة استخدام مسرعات الجسيمات لإنتاج حزم مكثفة من الضوء. تم بناء أول مصدر لهذا الضوء، المعروف باسم حلقة كورنيل لتخزين الإلكترون (CESR)، في الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن الماضي. مهدت هذه المنشأة الرائدة الطريق للأجيال اللاحقة من مصادر ضوء المسرع الدوراني التزامني، حيث تجاوز كل منها حدود السطوع والطاقة وجودة الشعاع.

في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ظهر الجيل الثاني من المسرع الدوراني التزامني، التي تتميز بطاقة أعلى وشعاع أشد. مكنت هذه الآلات الباحثين من استكشاف التركيب الذري للمواد بدقة غير مسبوقة. كانت منشأة إشعاع المسرع الدوراني التزامني الأوروبي (ESRF) في فرنسا، التي تم تشغيلها في عام 1994، بمثابة بداية الجيل الثالث من مصادر ضوء المسرع الدوراني التزامني. تتميز هذه المرافق بطاقة أعلى، وأشعة أكثر سطوعًا، وجودة شعاع محسنة، مما يسمح للعلماء بدراسة التركيب الجزيئي والذري للمواد بدقة أكبر.

ويمثل الجيل الرابع، الذي ينتمي إليه HEPS، قفزة كبيرة إلى الأمام في التكنولوجيا. حيث يتم توليد أشعة سينية ذات سطوع وتركيز لا مثيل لهما. والنتيجة هي مصدر ضوء قادر على فحص المواد على المستوى النانوي، مما يمكّن الباحثين من كشف أسرار التركيب الذري للمادة بدقة غير مسبوقة. ومن المتوقع أن يحدث نظام (HEPS)، باعتباره منشأة من الجيل الرابع، ثورة في الأبحاث في مختلف المجالات، من الطب الحيوي إلى فيزياء المواد المكثفة، وترسيخ مكانة الصين كدولة رائدة في البحث العلمي المتطور.

مصدر الفوتون عالي الطاقة في الصين

ومن خلال تسريع الإلكترونات حتى 6 جيجا إلكترون فولت، ستنتج تقنية (HEPS) أشعة سينية عالية الطاقة قادرة على فحص العينات بمقاييس نانومترية. وستكون دقة الوقت فيه أفضل بـ 10000 مرة من دقة المسرع الدوراني التزامني من الجيل الثالث، مما يمكن الباحثين من إجراء قياسات في مجرد مئات النانو ثانية. وهذا يعني أنه يمكن للعلماء تحليل العينات بسرعة ودقة أكبر من أي وقت مضى، وكشف الأسرار التي لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق.

ستلبي خطوط الشعاع الأولية الـ 14 الخاصة بـ (HEPS) مجالات بحثية متنوعة، مع إمكانية استيعاب ما يصل إلى 90 خط شعاع في المستقبل. وهذا التنوع سيجعل منه موردًا لا يقدر بالنسبة للعلماء، مما يسمح لهم بدراسة الظواهر المعقدة، وتطوير مواد جديدة، ودفع حدود المعرفة الإنسانية. بفضل سطوعه واستقراره الذي لا مثيل له.

تطبيقات في مجالات مختلفة

تخيل أنك قادر على تصور الحركة المعقدة للجزيئات في الوقت الفعلي، مما يفتح أسرار هياكل البروتين ويمهد الطريق لاكتشافات دوائية جديدة. باستخدامه، يمكن للباحثين الآن استكشاف التركيب الذري للبروتينات بدقة غير مسبوقة، مما يحدث ثورة في مجال الطب الحيوي. وقد يؤدي هذا إلى تطوير علاجات أكثر فعالية للأمراض، وتحسين أدوات التشخيص، بل وحتى مواد جديدة لحلول الطاقة المستدامة.

ومع فتح (HEPS) أبوابها للباحثين في عام 2025، فإنها ستحفز حقبة جديدة من التعاون والاكتشاف متعدد التخصصات، مما يدفع التقدم في مجالات متنوعة مثل الطاقة والمواد المتقدمة والطب الحيوي. ومن خلال الكشف عن أسرار المادة على المستوى الذري، سيلهم برنامج (HEPS) أجيالًا جديدة من العلماء والمهندسين لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحًا في عصرنا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحول العالم الذي نعيش فيه.

المصادر:

world’s fastest x-rays: China first in Asia to build next generation synchrotron / nature

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء تقنية

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 100
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق