Ad

تضم شبه الجزيرة العربية العديد من الممالك القديمة التي حكمت المنطقة خلال العصور القديمة. ومن بين هذه الممالك مملكة الأنباط التي نجحت في تحويل الصخر والحجارة إلى مدن وقرى لا تزال حاضرة إلى الآن.

نشأة وتاريخ الأنباط

الأنباط قوم من العرب جاؤوا من قلب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وشمالي الحجاز. حيث كان مجيء الأنباط إلى جنوبي الأردن نحو القرن السادس ق.م على الأرجح، على أن أول ذكر لهم في التاريخ، يعود إلى عام 312 قبل الميلاد عندما غزاهم «أنتيغون» أحد قادة الاسكندر المقدوني ولكنه باء بخيبة الأمل.

ويُقسم تاريخ الأنباط إلى فترتين أساسيتين، تمتد الأولى من 312 قبل الميلاد حتى احتلال الرومان لبلاد الشام. وتمتد المدة الثانية من عام 64 قبل الميلاد حتى عام تأسيس الإمبراطور الروماني ترايانوس للولاية الجديدة التي سميت «الولاية العربية» وعاصمتها بصرى، وقد حلت محل مملكة الأنباط. وهم أيضاً عرب وموطنهم كان يسمى «العربية  الحجرية» وأسماء الأعلام لديهم عربية (حارث – عبادة – مالك – قصي – جميلة)، ومعبوداتهم عربية (ذو الشرى واللات والعزى وهُبَل ومَناة).

البتراء عاصمة الأنباط

البتراء هي مدينة أثرية وتاريخية تقع في محافظة معان في جنوب المملكة الأردنية الهاشمية، وتشتهر بعمارتها المنحوتة بالصخور ونظام قنوات جر، وتعتبر واحدة من أهم المعالم الأثرية في العالم. كانت البتراء عاصمة مملكة الأنباط القديمة، وكانت محطة استراتيجية على طريق الحرير. وتعتبر البتراء موقعًا أثريًا مهمًا للغاية، وقد تم تسجيلها كموقع للتراث العالمي من قبل اليونسكو في عام 1981م. وتحتوي البتراء على العديد من المعالم الأثرية الهامة، مثل الخزنة والمعبد الكبير والمسرح والدير. وتعتبر البتراء وجهة سياحية شهيرة في الأردن وتستقطب السياح من جميع أنحاء العالم.

خزنة البتراء

تعتبر الخزنة الصخرية الضخمة المَعلَم الأهم في الموقع الأثري الرئيسي ضمن مدينة البتراء جنوب الأردن التي يطغى عليها لون رمالها وجبالها الوردية. شهد المكان وعبر سنوات سبقت التقويم الميلادي رحلات أهل الصحراء وأصول عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم. حيث يستدعي الوصول إلى الخزنة المرور في طريق يشق جبال صخرية على الطرفين ويطلق عليه “سيق” يمر وسط أجزاء طبيعية وأخرى منحوتة.

وأثناء تجاوز “سيق” الصخور مشياً على القدمين أو بواسطة عربة يجرها حصان يوجّهه مُرشد من أبناء المكان. يمكن مشاهدة بقايا أقواس بمثابة بوابة للمدينة على جانبيها قنوات مياه وسدود وبعض الأحجار التي تنتشر بين أرضية من البلاط تنسجم مع محراب بارز وتماثيل يونانية. وبمجرد عبور “السيق” تظهر الخزنة عبر مبنى أثري محفور في الصخر يستقبل ولوج المدينة الوردية التي انضمت عام 2007 إلى عجائب الدنيا السبع وفق التصنيف الجديد وقتها. وقد حازت البتراء على غطاء التراث العالمي عام 1985 وأُدرجت ضمن محمية طبيعية ذات تقييم متقدم.

تتكون واجهة المبنى من طابقين بارتفاع يصل إلى 40 متراً وعرض يقترب من 25 متراً. فيما تشير معلومة مُرفقة على أحد الأعمدة الصلبة إلى افراغ المكان من مئات آلاف الأمتار المكعبة من الحجر الرملي عند اعادة اكتشافه في القرن التاسع عشر، وذلك من أجل الحصول على شكل أثري كفيل بمقاومة ظروف طبيعية. 
يوجد أعلى الخزنة قناة مائية تسهم في منع احتجاز الأمطار بما لا يؤثر سلباً في البناء. أما على بعض الجوانب، فثمة ثقوب مزدوجة يعتقد أنها كانت تستخدم في تثبيت “السقالات” لإنجاز عمليات النحت.

الديانة السائدة في مملكة الأنباط

الديانة النبطية تشبه ديانة العرب قبل الإسلام، كانت تقوم بالأصل على تقديس الأجسام الفلكية وغيرها من عناصر الطبيعة وبعض القيم كالشجاعة والعدالة. وبعض الأرباب كانوا بالأساس أرباب لقبيلة معينة أو مكان محدّد كما يدل اسمائها ونسبتها بـ «ذو» والأرباب. والربات لا يمثلون تمثيلاً تشخيصياً بل رمزياً، إذا صح التعبير، ويتقرب الناس منها بالنذور والأضحيات وبالدعوات.

ومن معبودات مملكة الأنباط اللات واسمها يعني الربة وهي موحدة بأثينا. وكانت عبادتها غالباً في القسم الشمالي من بلاد الأنباط، وقد اختلطت خصائص اللات بالعزى أحياناً. أما ربة القَدَر فهي «مَناة» اسمها يتردد كثيراً في كتابات المدافن خاصة في موقع الحجر (مدائن صالح). وتقابل مناة بالربة نيمسيس، ومناة لدى عرب الحجاز هي الثالثة في ثالوث الربّات  اللات والعزّى ومناة.

أشهر ملوك الأنباط

ليس بين الباحثين اتفاق على سياق الترتيب الذي توالى فيه الملوك على حكم مملكة الأنباط. فقد يعد حارثة الأول أول ملك نبطي وتطول المدة بعد حارثة الأول حتى نسمع عن ملك نبطي آخر. والأخر هو عبادة الأول الذي استمر في عهده النزاع بين الأنباط والحشمونيين. والذي انتصر عليهم في معركة أم قيس. وتلاه الحاكم الحارث الثالث حيث يعتبر المؤسس الحقيقي لمملكة الأنباط. يقترن اسم الحارث بفتوحات كبرى وانتصارات هيأت المجال للأنباط أن يوسعوا نطاق أملاكهم على حساب السلوقيين واليهود في آن واحد.

النشاط الاقتصادي في المملكة النبطية

كان الاقتصاد النبطي يقوم أساساً على التجارة والوساطة وعلاقة الأنباط بالبطالمة، والسلوقيين ومن ثم بالرومان. وانتشارهم على طول طريق التجارة الدولية بين البحر الأحمر وسورية ناتج غالبًا عن الحاجة إلى ضمان السير الطبيعي المأمون لتجارتهم الناجحة. فقد كان أقدم تجارة للأنباط هي إنتاج الإسفلت وبيعه لمصر حيث يستخدم في التحنيط. وقيامهم بالمبادلات الدولية والسيطرة على طرق التجارة العالمية مستفيدين من موقعهم الممتاز الذي تتلاقى عنده أهم طرق القوافل، ومنها الطرق الجنوبية الشمالية التي تصل اليمن وحضرموت ببلاد الشام. مرّت تجارة الأنباط بمحاذاة البحر الأحمر ثم تفرعت إلى موانئ البحر المتوسط. هناك طريق أخرى غربية تسير من معان باتجاه غزة وشمالي مصر، كما أن هناك طريق ثالثة شرقية تجتاز دُومة الجندل (واحة الجوف اليوم) لتتصل بمنطقة الخليج العربي.

على هذه الطرقات كانت تتم المبادلات التجارية لبضائع كالعطور والبخور واللبان من الجزيرة العربية والحرير والرياش من فارس والهند وما وراء النهر. بينما الزجاج والتماثيل والأخشاب والأقمشة والحبوب من بلاد الشام. وقد جمَّع الأنباط من هذه العمليات أموالاً طائلة، مكنتهم من إقامة مملكتهم القوية التي كان قوامها طبقة من أغنياء التجار ورجال القوافل. تحلقت دولة الأنباط حول عاصمة منيعة هي البتراء، فضربوا العملة الخاصة بهم ووضعوا مكوساً على الترانزيت وعلى البيع والشراء. وكان يحمي هذه المصالح هجانة شديدو البأس وجيش متمرس.

الفن والنحت النبطي

إن الفن النبطي فن مَحلّي متأثر بفن جنوبي الجزيرة العربية والرافدين، وقد طبع بطابع هلنستي خاصة من مدرسة الاسكندرية والمدرسة السورية، نتيجة للقرب الجغرافي والعلاقات السياسية والاقتصادية المشتبكة. وتجلى الفن النبطي أكثر ما تجلى في العمارة، وخاصة عمارة المدافن، والمعابد التي أصبح لها طابع متميز.

تركز معظم فن العمارة في مدينة البتراء وتجلَّى بنحت الصخر الرملي الجميل وإنشاء الأوابد في أعماقه أو على ذراه حتى لو كانت معابد أو مسارح. وقد برز الفن النبطي خاصة بنحت واجهات معمارية زخرفية رشيقة بديعة للأوابد، وأكثرها من المدافن. وتعتمد هذه الواجهات على زخرف المدرجات وأشكال الصور، وعلى كل حال فإن الأنباط، في حدود ما يعرف من منحوتاتهم، أمناء للتقاليد الشرقية في الميل إلى النقش البارز أكثر من الميل إلى التماثيل.

أما نحت التماثيل لدى الأنباط فهو أقل طرافة وأهمية، وهو منفَّذ بالحجر الكلسي أو الرملي في الجنوب وبحجر البازلت في الشمال. ومنه ما هو محليِّ صرف، ومنه ما هو تقليد لموضوعات إغريقية، أو مزيج من الفن الإغريقي والتقاليد المحلية.

لغة مملكة الأنباط

لغة الأنباط كانت اللغة النبطية. وهي لغة سامية شرقية قديمة كانت تكتب في المملكة النبطية القديمة التي كانت تقع في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية وجنوب الشام. يعتقد أن اللغة النبطية كانت بالأبجدية النبطية، وكانت لها تأثير كبير على اللغة العربية واللغات السامية الأخرى في المنطقة.

أهم المواقع النبطية

تقع واحة العلا إلى الجنوب من الحجر وفيها كتابات نبطية. فقد كشفت بعض النصوص في واحة الجوف (دُومة الجندل في المملكة العربية السعودية)، وقد عمل الآثاري بيتر بار بالتعاون مع دوائر الآثار السعودية بمسح لهذه المواقع في أواخر الستينات. ومن المواقع النبطية الأخرى وادي رمّ شرقي العقبة وتنور غربي طريق البتراء _ الكرك، وموقع عَبْدة (أفدات) في شبه جزيرة سيناء. وتوجد مأدبا وكانت من أهم المراكز النبطية، وفي بصرى (في سورية) يوجد العديد من الآثار كالحي النبطي والأقواس النبطية. 

نهاية المملكة النبطية

تم تدمير مملكة الأنباط على يد الإمبراطور الروماني تراجان في عام 105 ميلادي. وتشير المصادر إلى أن هناك عدة أسباب لانهيار المملكة النبطية، بما في ذلك الصراعات الداخلية والتقلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت المملكة تعتمد بشكل كبير على التجارة والتحكم في طرقها في المنطقة. ولكن مع تغيّر الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، مما أدى إلى تراجع نفوذ المملكة وتدهور اقتصادها.

المراجع

1. Worldhistory
2. Britannica
3. Alchetron.com
4. Historyfiles
5. History.com

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


آثار تاريخ

User Avatar

Leen Mhanna

استخدم الكتابة كوسيلة لنشر المعرفة والوعي بالتاريخ والآثار.


عدد مقالات الكاتب : 17
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق