Ad

علم نفس التسويق مجال شيق وواسع. وهناك عدد من الأحداث في التاريخ التي أخفقت فيها طرق التسويق المعتادة، وأفلح فقط استخدام علم النفس لمعرفة ما يريده المستهلك حقًا. ربما تتساءل الآن، إذًا كيف بدأ الأمر؟

والإجابة هي: صندوق خليط الكعك الجاهز!

قصة خليط الكعك الجاهز

هل تساءلت يومًا عن تاريخ «خليط الكعك الجاهز-cake mix»؟ يبدو أن هذا الصندوق الصغير مر بالكثير من الأحداث المشوقة قبل أن يصل إلينا.

ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز خلال فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة. حيث توقف الناس عن خبز كعكاتهم لكثرة المكونات والخطوات، ولقلة الموارد بالطبع. نتيجة لنقص الطلب زادت كميات الطحين وفاضت، مما دفع أصحاب المطاحن إلى التفكير في وسيلة مبتكرة لبيعه. وهنا ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز.

ابتكر المصنعون وصفة من الطحين والدبس المجفف والبيض المجفف، وما على ربة المنزل سوى إضافة بعض الماء والاستمتاع بكعكة لذيذة. توقع المصنعون نجاحًا باهرًا، لأن الخطوات بسيطة وغير مكلفة أبدًا. زادت المبيعات بالفعل واشترى الناس خليط الكعك الجاهز، لكن استقرت الأرقام بعد فترة ولم يصل المنتج لأي شخص جديد.

قرر أصحاب المصانع تقصي الأمر، لما لم تحب المزيد من ربات البيوت هذا المنتج؟ ما العائق؟ وكيف نتخطاه؟

حل عبقري

هنا جاء دور علم النفس. ظهر عالم النفس النمساوي «إرنست ديكتر-ernest dichter» لينقذ خليط الكعك الجاهز. توصل ديكتر إلى العائق الذي منع ربات البيوت من استخدام الخليط الجاهز، وهو “الشعور بالذنب”. توقفت السيدات عن استخدام الخليط الجاهز لأنهن شعرن بالذنب، لقلة المجهود الذي يتطلبه الأمر. فلم يشعرن أنه خَبزٌ حقيقي من أجل العائلة، ولم يشعرن باستحقاق المديح.

هنا جاء ديكتر بفكرة عبقرية وهي: إضافة البيض!

كان الشعور بالذنب هو العائق الذي يقف في طريق هذا المنتج، لذا استخدم ديكتر حيلة نفسية بارعة. تسمح للسيدات بالشعور بالمزيد من المشاركة الحقيقية، على عكس خليط الكعك الأصلي، شعرت ربات البيوت أنهن يقمن بطهو حقيقي عند كسر البيض وصنع الخليط وبالتالي قل شعورهن بالذنب.

تضاعفت المبيعات بعد هذا التعديل البسيط، ومثّل نقطة الانطلاق في تاريخ خليط الكعك الجاهز. حتى صار منتجًا معتادًا في أغلب بيوت العالم اليوم.

شهرة علم نفس التسويق

لماذا أقص هذه القصة؟

أقص هذه القصة لأن تعديل ديكتر البسيط لم يؤثر على مبيعات المنتج وحسب، وإنما فتح بابًا جديدًا يُوظَف فيه علم النفس في استراتيجيات التسويق، توظيفًا يلعب على تحيزاتنا ومشاعرنا وأفكارنا لتحقيق أعلى المبيعات. لذا إن كنت صاحب مشروع أو متسوق متهور توشك بطاقته الائتمانية على الإفلاس، دعنا نتعرف على بعض مفاهيم علم النفس المستخدمة في عالم التسويق اليوم.

تأثير الشَرّك

التسويق علم واسع وكبير، ولا داعي لذكر الهدف الأهم المرجو منه وهو تحقيق أعلى المبيعات. لا يمكن تحقيق هذه المبيعات المرتفعة دون التلاعب بالأسعار، ودفع المشترين بشتى الطرق إلى شراء المنتج المستهدف.

«تأثير الشرك-Decoy Effect» أحد الوسائل التي يستخدمها المسوقون للتلاعب بالأسعار. ويحدث عندما يُعرِض المستهلك عن اختيار ما ويختار الآخر، ذلك عند مقارنتهما باختيار ثالث مختلف. هذا الاختيار الثالث هو “الفخ” أو الشرك الذي يضعه خبراء التسويق ليدفع المستهلكون في اتجاه المنتج المستهدف.

مثال: عرضت إحدى الصحف خيارين لباقات الاشتراك الشهرية بها.

  1. اشتراك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

أسفرت النتائج عن اختيار النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الالكتروني الأقل تكلفة. أما عند القيام بتعديل بسيط ومنح المشاركين ثلاثة خيارت:

  1. اشترك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك مطبوع: 125$
  3. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

اختارت النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الثالث الأعلى تكلفة. ونلاحظ أنه كان الخيار المستهدف منذ البداية لأنه يعود بالفائدة الأعلى على الصحيفة.

يمثل الخيار الأوسط هنا الفخ أو الشرك، الذي يجعل الخيار الثالث يبدو أكثر فائدة ومنطقية. ويجعل المستهلك يتساءل لماذا يختار الخيار الثاني بينما يمكنه دفع نفس السعر والحصول على نسخة مطبوعة؟

يلعب هذا التأثير بشكل أساسي على مشاعر المستهلك. يشعر المستهلك بالقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار عند عرض عدة خيارات (الظاهرة التي عرفها علماء النفس بإشكالية اتخاذ القرار). ويلجأ إلى تبسيط خياراته وعقد مقارنة بينها تبعًا لعوامل أساسية مثل السعر والجودة على سبيل المثال.

هنا يأتي دور تأثير الشرك، حيث يستخدمه المسوق الماهر لدفع المستهلك في اتجاه المنتج المستهدف (المنتج الذي يبدو للمستهلك أنه الأجود والأفضل سعرًا).

كره الخسارة

يخبرنا علم النفس أن مشاعر الخسارة السلبية أشد بأضعاف من مشاعر الكسب الإيجابية. من هنا يأتي مفهوم «كره الخسارة-Loss Aversion» وهو تحيز معرفي يشير إلى تفضيل البشر الخيار الآمن، فيفضلون تجنب الخسارة على احتمالية الكسب.

مثال: المشاعر السلبية المرتبطة بخسارة 20$ أشد من المشاعر الإيجابية المرتبطة بكسب 20$!

يعد هذا المفهوم إحدى حيل علم النفس المنتشرة في عالم التسويق. ويستغله المسوقون عن طريق عرض منتجاتهم بالشكل الذي يدفع المستهلك لشرائها، الشكل الذي يُشعر المستهلك أنه يخسر/يضيع فرصة ما إذا أعرض عن الشراء. ذلك باستخدام عبارات مثل:

  • اشترِ الآن
  • اشترك الآن
  • جرب الآن
  • احصل عليه الآن

يرتبط بتلك الوسيلة التسويقية مبدأ آخر، هو مبدأ النُدرة الذي يغذي شعور كره الخسارة ويساهم في اتخاذ قرارات شراء متسرعة. ويظهر في: الحسومات لفترة محدودة، أو المنتجات محدودة الإصدار.

تأثير الألفة

“البعيد عن العين بعيد عن القلب”

يخفي هذا المثل الشعبي الشهير أحد مفاهيم علم النفس وهو تأثير الألفة. كلما رأيت شيئًا ما مرارًا وتكرارًا، اعتدته وازداد تعلقك به.

يستخدم خبراء التسويق هذا المفهوم لزيادة شعبية منتجاتهم، عن طريق الدعاية المتكررة، واستخدام المنصات الالكترونية المختلفة لخلق حملة ترويج مستمر. يخلق هذا التعرض المنتظم لنفس المنتج نوعًا من الاعتياد والألفة الذي سرعان ما يتحول إلى إعجاب بالمنتج.

مثال: تأتي شركات الملابس أحيانًا بأغرب الصيحات التي ينفر منها الكثير. لكن بمرور الوقت وزيادة الانتشار تجد أغلب الناس يعتادونها ويبدأون بشرائها. هنا يظهر تأثير الألفة.

خاتمة

تعرفنا اليوم على ثلاث من مفاهيم علم النفس التسويق. وبالطبع لا يقتصر الأمر عليهم وحسب، بل يستخدم خبراء التسويق وعلماء النفس عشرات المفاهيم يوميًا لدفعنا بطرق بسيطة وخفية إلى المزيد من الشراء. أنت تقرر إذا كان هذا الأمر نافعًا أم ضارًا. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه هو أنه ذكي للغاية ومثير للاهتمام!

المصادر

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس فكر اقتصاد

User Avatar

Esraa Ahmed

إسراء أحمد، مصر. طالبة بالسنة الأخيرة لكلية العلاج الطبيعي، محبة للقراءة والكتابة الإبداعية، مهتمة بمجال الأدب وعلم النفس والصحة النفسية.


عدد مقالات الكاتب : 29
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق