فنون

سلسلة الفن الحديث: فن ما بعد الحداثة

هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

بينما قام (الفن الحديث) على المثالية والعقل، ولدت حركة (ما بعد الحداثة) من التشكيك في العقل والطعن في فكرة وجود الحقائق. فقد اعتمد فن ما بعد الحداثة على الفلسفة، واعتبر أن التجربة الفردية أكثر واقعية من المبادئ المجردة. وبينما دافع اتباع الفن الحديث عن الوضوح والبساطة. احتضنت ما بعد الحداثة معانٍ كثيرة معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان.

يعتبر فن ما بعد الحداثة مجموعة من الأساليب والمواقف المرتبطة في رد فعلها ضد الفن الحديث. وقد تم استخدام المصطلح لأول مرة عام 1970. وتعتبر حركة فنية تتحدى التعريف إلى حد ما، حيث لا يوجد أسلوب أو نظرية واحدة تعبّر عنها أو تتوقف عليها.

Wooden Gallop, By: Robert Rauschenberg, 1962

تتبنى الحركة العديد من الأساليب المختلفة لصنع الفن، ويمكن القول إنها بدأت بفن البوب في الستينيات. احتضنت الحركة الكثير مما تبع فن البوب، بما في ذلك الفن المفاهيمي  conceptual art والتعبيرية الجديدة والفن النسوي.

الفرق بين الفن الحديث وفن ما بعد الحداثة

كانت ما بعد الحداثة رد فعل ضد الحداثة التي استندت على المثالية والمجتمع والإيمان بالتقدم. فقامت بافتراض أن بعض المبادئ أو الحقائق المطلقة كالتي صاغها الدين أو العلم يمكن استخدامها لفهم أو تفسير الواقع.

بالإضافة لقيام أتباع الفن الحديث بتجربة الشكل والتقنية بدلاً من التركيز على الموضوعات، معتقدين أن باستطاعتهم إيجاد طريقة تعكس العالم الحديث تمامًا.

Soundproof Aesthetic of Luxuriety, By: Lubo Kristek, 1976
Too Obvious, By: David Hammons, 1996

وعلى النقيض من ذلك، تميزت حركة ما بعد الحداثة بالتشكيك في الأفكار الرئيسية التي تم تبنيها خلال العصر الحديث، وأهمها فكرة أن كل تقدم – وخاصة التكنولوجي- إيجابي.

فمن أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، تم تعريف الفن والأدب والعلوم والفلسفة من خلال الإحساس بالتقدم التكنولوجي الناجم عن الثورة الصناعية والانتماء إلى إيجابية الحياة الحديثة.

ومن خلال رفض تلك الأفكار، يرفض أتباع تلك الحركة فكرة تضمين المعرفة العامة أو التاريخ العالمي في الأعمال الفنية، ويؤكدون على وجوب احتضان الأفكار المحلية والمؤقتة والسريعة بدلًا من ذلك.

Torn And Twisted Curtain, By: Joseph Havel, 2004-2005

ذلك بالإضافة لرفض فكرة التطور الفني باعتباره موجهًا نحو هدف معين، كالأفكار القائلة بأن الرجال فقط هم العباقرة في الفن، والافتراض الاستعماري العنصري بأن الأجناس غير البيضاء هي أدنى مرتبة، وهكذا. لذلك غالبًا ما يتم تضمين الفن النسوي وفن الأقلية الذي يتحدى طرق التفكير التقليدية تحت عنوان ما بعد الحداثة، أو بأنها تقوم بتمثيلها.

Related Post

مفهوم الأعمال الفنية

قامت حركة ما بعد الحداثة بقلب فكرة وجود معنى واحد متأصل لعمل فني، أو أن هذا المعنى حدده الفنان في وقت انشاء ذلك العمل. بل أصبح المشاهد -بدلاً من ذلك- محددًا مهمًا للمعنى، حتى أن بعض الفنانين قاموا بالسماح للمشاهد بالمشاركة في العمل. وقد ذهب فنانون آخرون إلى أبعد من ذلك من خلال إنشاء أعمال تتطلب تدخل المشاهد لإنشاء أو إكمال العمل الفني! والذي يعرف باسم” Participatory Art” الفن التشاركي.

Art Experiment: Taking inspiration from the universe, 2013
Landscape Non Grata, By: Lubo Kristek, 2014

وقد كانت فكرة تحطيم الفروق بين مراتب الفنون بدمج عناصر الثقافة الشعبية في الأعمال الفنية عنصرًا أساسيًا في ما بعد الحداثة، كوضع بابلو بيكاسو كلمات الأغاني الشعبية على لوحاته مثلًا. فجميع تلك الأفكار تعزز الفكرة القائلة بأن الثقافة المرئية لا يجب أن تكون صحيحة أو جميلة، لكن يمكن أيضًا تقديرها والاستمتاع بها دون أي تدريب جمالي، مما يجعل مفهوم القيم الفنية للأعمال أكثر نضوجًا.

Requiem for Mobile Telephones V, By: Lubo Kristek, 2010

وقد سعى فنانين مثل بول سيزان وبيت موندريان لإيجاد وسيلة عالمية للتعبير من خلال التجريد المتزايد لموضوعهم. وكان يُنظر إلى الفنانين الآخرين الذين ركزوا على الذات والنفس والغرائز، كسلفادور دالي أو مارسيل دوشامب أنهم متطرفون لعدم تركيزهم على العقلانية، وأصبحت أعمالهم  فيما بعد مقدمة لما بعد الحداثة.

وقد تطورت الأعمال الفنية بناء على تلك الأفكار حتى أصبحت عملية الرسم التي كانت وسيلة لتصوير موضوع من خلال استخدام الخط واللون والشكل، هي الموضوع نفسه.

مصادر:

The Art Story
Google Arts&Culture
TATE

Author: Dina elkhateib

دينا الخطيب، طالبة بكلية الفنون الجميلة، 20 عامًا. مصرية الجنسية. الاهتمامات: القراءة - الرسم - الكتابة - اللغات - التاريخ

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Dina elkhateib

دينا الخطيب، طالبة بكلية الفنون الجميلة، 20 عامًا. مصرية الجنسية. الاهتمامات: القراءة - الرسم - الكتابة - اللغات - التاريخ

Share
Published by
Dina elkhateib

Recent Posts

أسرار “الذهب الأسود”: القهوة العربية.. كنز علاجي لمكافحة السكري ومفتاح للسعادة

ارتبطت القهوة، هذا المشروب العتيق الذي يوقظ الحواس ويدفئ الأرواح، بالطقوس الصباحية واللقاءات الاجتماعية. لكن…

24 ساعة ago

القاهرة عاصمة الابتكار الأفريقية: جامعة القاهرة تتصدر المشهد بحضور أكاديمي رفيع من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا

في إنجاز علمي وتكنولوجي جديد يؤكد على مكانة مصر المتنامية كمركز إقليمي ودولي للابتكار، أعلنت…

يومين ago

التكاثر في الفضاء: حلم المستقبل أم كابوس الأجيال القادمة؟

دراسة يابانية رائدة تفتح آفاقاً جديدة وتثير مخاوف جوهرية كان التوسع خارج كوكب الأرض حلماً…

3 أيام ago

ثورة الأنسجة الذكية: علماء يبتكرون حاسوبًا متكاملًا في خيط قماش قابل للغسل!

لوقت طويل كانت الأنسجة الذكية حلمًا يراود العلماء والمبتكرين، ومؤخرا، تطورت فكرة دمج التكنولوجيا المتطورة…

4 أيام ago

حلم “أفاتار” يصبح حقيقة: علماء صينيون يبتكرون نباتات عصارية تضيء الظلام

لم يعد مشهد الغابات المتلألئة في فيلم "أفاتار" مجرد خيال علمي بعيد المنال، بل بات…

5 أيام ago

المصريون والذكاء الاصطناعي: ثورة تكنولوجية وثقة متزايدة

أظهرت دراسة شملت 47 دولة حول العالم أن المصريين هم رابع أكبر الشعوب استخدامًا للذكاء…

6 أيام ago