سلسة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي”
كان رجل العبقرية الغير مكتملة، سابق لعصره بسنين وقرونٍ طويلة، لم يكن فناناً بشكل أساسي؛ فقد كان كل شيئ مخترعاً، ومهندساً، جيولوجي، مهتم بالتشريح، مهتم بالفلسفة….إلخ. كان ليوناردو مهتم بكل شيئ، وأي شيئ. وعلى الرغم من أن الفن لم يكن اهتمامه الأول إلا أنه ساهم فيه بشكل ضخم، وحفر اسمه كفنان قوي، ومؤثر فى عصر النهضة بل حفر اسمه في صفحات التاريخ إلى ما لا نهاية. وسوف نركز في السطور القادمة على الجانب الفني في حياة دافنشي.
محتويات المقال :
نشأته وحياته :
ولد ليوناردو في عام 1452 في منتصف شهر إبريل، وكان ابن غير شرعي لكاتب العدل «ser piero-سير بيرو» تربى في منزل والده كابنٍ شرعي؛ فحصل على تعليمه الأساسي من القراءة، والكتابة، ولكنه لم يتعلم اللاتينية وقتها بشكلٍ كافي، وكذلك بعض العلوم الأخرى من الهندسة، والحساب.
عندما كان ليوناردو في الخامسة عشر من عمره بدأ في دراسة الفن على يد الفنان الفلورنسي «أندريا ديل فيروتشيو- Andrea del verrocchio» حيث تعلم الرسم، النحت، الميكانيكا. وفي عام 1472 تم قبول ليوناردو في نقابة الفنانين بفلورنسا، ولكنه ظل في ورشة فيروتشيو خمسة أعوام أخرى. بعدها ظل يعمل بمفرده في فلورنسا حتى عام 1481 وخلالها اكتسب معرفة واسعة في الميكانيكا، الأسلحة،وغيرها.
في عام 1482 انتقل ليوناردو إلى مدينة ميلان حتي يعمل بشكل أساسي كمهندس للأسلحة. وقد كانت المدينة محكومة بواسطة الدوق لودوفيكو سفورزا، وعلى الرغم من أن ليوناردو أراد العمل بشكل أساسي في صناعة الأسلحة، ولكنه عمل أغلب الوقت في الرسم والنحت، حيث رسم أجمل لوحاته «السيدة والحمل» والعشاء الأخير، وغيرهم من روائعه.
والمشروع الأعظم على الإطلاق الذي لم ينتهي إلى الأبد هو تمثال ضخم من البرونز لوالد الدوق «فرانسيسكو سفورزا» الذى قضى ليوناردو أعواماً طويلة على العمل عليه حتى أنتج نموذج ضخم من الصلصال للحصان عام 1493، ولكن بسبب خطر الحرب مع فرنسا تم توقف العمل علي التمثال لاستغلال المعدن في صناعة الأسلحة، والمدافع، وتم هزيمة الدوق عام 1499، وتدمير نموذج الصلصال مع كل أسف وقد كنا لنشهد تحفة فنية خالدة لولا تلك الأحداث.
ديسمبر عام 1499 أو يناير عام 1500 انتقل ليوناردو دافنشي إلى فلورنسا حيث تم الترحيب به بحفاوة. وعمل خبير في لجنة تحقيقات عن الأضرار التي لحقت بكنيسة سان فرانسيسكو وقتها، ولكن في عام 1502 ترك ليوناردو فلورنسا مرةً أخرى وذهب في خدمة واحد من أسوأ ، وأبغض رجال عصره وهو القيصر بورجيا ابن البابا ألكسندر السادس كان للقيصر طموح في الاستيلاء على مساحات كبيرة من رومانيا؛ لذلك استغل دافنشي كمهندس عسكري،وظل ليوناردو يعمل معه مدة 10 أشهر. وبعدها عاد لفلورنسا حيث عمل على مشاريع لن يتم تنفيذها أو لم يكملها من الأساس، ولكن تلك الفترة رسم فيها واحده من أجمل أعماله وهي الموناليزا، ودرس حركة الطيور ونماذج للطيران ودرس جسم الإنسان تشريحاً ووظيفة، ودرس حركة المياه، والكثير من الأمور الأخرى. وبعدها انتقل إلى ميلان مرة أخرى لفترة شهد فيها نشاط علمي قوي، ولم ينجز فيها الكثير كفنان. وانتقل إلى روما وأقام هناك فترة ثلاث سنوات. حتى انتقل إلى فرنسا عام 1516 في استضافة الملك فرانسيس الأول الذي لقبه بالرسام، والمعماري، والمهندس الأول للملك. وقد عامله الملك باحترام شديد وقام ببعض الأعمال الفنية، ولكن أغلب اهتماماته كانت علمية في ذلك الوقت كعادته حتى توفي عام 1519.
أبرز أعماله :
1. تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع:
فى عام 1481 تم تكليف ليوناردو برسم لوحة جدارية عن تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع أو «adoration of magi- حب المجوس» التي بالفعل بدأ العمل بها مستخدماً في ذلك تقنية قد ابتكرها في استخدام الظل والضوء، حيث كان التلاعب بالظل والضوء بالنسبة لليوناردو ليس أمراً فرعية لزيادة واقعية اللوحة، بل غاية في الأهمية في التجسيد وكان باستخدام تلك التقنية المسماه سفوماتو يستطيع أن يضيف الغموض للعمل الفني الذي بدوره يضيف الحياة. وبعد فترة من بداية العمل انتقل إلى ميلان دون أن يكمل اللوحة فتظهر بعض الشخصيات تكاد تكون منتهية وأخرى لم يبدأ فيها حتى، وكذلك الخلفية غير مكتملة، ويظهر بوضوح مباني مقوضة وأخرى يتم العمل على إنشائها، وفي قلب اللوحة يوجد المسيح علي حجر أمه وقد تضرع له من حوله وهي يشير إليهم ليمنحهم البركة.
2. العشاء الأخير :
(يروي الإنجيل حكاية العشاء الأخير حيث يجلس المسيح ومن حوله الحواريين ويقول لهم أن أحدهم سيخونه، فبدأوا بالتجادل والتساؤل عن هوية هذا الشخص) . علي أساس تلك القصة بني ليوناردو لوحته الشهيرة، حيث يجلس المسيح في المنتصف ناظراً للأسفل بعد أن قال كلمته، والحواريين من حوله يتجادلون محركين أيديهم، وأفواههم في صورة تشع بالحركة، والحياة، والملحمية،وقد ركز المشهد علي المسيح وتلاميذه حتى أنه جعل حجم المائدة إصغر من الواقع أصغر؛ من أن تتسع إثنى عشر شخصاً معطياً انطباعا بالتزاحم وكثرة العدد،وقد نجح في تركيز نظر المتأمل على المسيح ليس فقط بجعله فى المنتصف، بل بالمحافظة الموجودة خلفه أيضاً.
3. الموناليزا :
بملامح هادئة وابتسامة غريبة ونظرة غامضة كانت أجمل لوحات ليوناردو دافنشي ومن أعظم الأعمال على مر التاريخ، فباستخدام تقنية السفوماتو التي ذكرناها آنفاً استطاع أن يعطيها تجسيداً بالواقعية، وقد ارتسمت خلفية جميلة وراء الموناليزا وكأنه الأفق الغير منتهي، وأحاط فم الموناليزا، وعيناها بظلٍ خافت مما أعطاها ذلك الانطباع بالغموض فكان هو سر حياة اللوحة فلاتدري أهي تسخر منك، أم تبتسم إليك أم ماذا؟! وقد ظهرت البساطة الشديدة في اللوحة من حيث الملابس وعدم وجود مجوهرات من أي نوع. وإلى الآن غير معروف من هي السيدة بالصورة.
4. القديسة حنة والعذراء والطفل :
فى مشهد معقد، ولكن جميل يحيطه الطبيعة التي لطالما عشقها وولع بها ليوناردو، تظهر العذراء على حجر القديسة حنّة، وكلاهما متشابهتان جداً في الملامح، وقد انحنت العذراء حتي تمسك بالطفل المسيح الذي كان ممسكاً بعنق الحمل الصغير، وأظهرت اللوحة البهجة في وجوههم مشعة بالحياة. وأثّر عشق ليوناردو للجيولوجيا في رسم الصخور بين أقدام القديسة حنّة فريدة المظهر غير المتكررة في لوح غيره.
وبذلك يتضح أن ليوناردو لم يكن اهتمامه الأول الفن بل كان أمرا ثانوياً يجسد من خلاله حبه للتأمل فقد كان ليوناردو عالماً، مهندسا، ومخترعاً من الدرجة الأولى وعلى الرغم من ذلك فبلا سك هو من أهم فنانين العصر.
مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي” :
الفنون في عصر النهضة ثروت عكاشة
إقرأ أيضاً :
سلسلة أهم الفنانين على مر العصور رافائيل
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :