محتويات المقال :
ملخص رواية زوربا اليوناني
زوربا اليوناني هي رواية عالمية للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي. نُشرت بداية في عام 1946، وتُرجمت إلى العديد من اللغات ولاقت نجاحاً كبيراً.
لقاء زوربا في المقهى
تبدأ أحداث الرواية مع بداية نهار جديد في أحد المقاهي في ميناء “بيريه”. لكن هذه البداية لا توحي بإشراقة أمل أو مستقبل واعد. بل يعطي الطقس العاصف شعوراً بالضيق، ينعكس في حالة رواد المقهى من بحارين وغيرهم. فهم سئمون ومثقلون بهموم الحياة.
وسط هذه الصورة الرمادية، يطلّ الراوي الذي نسمع تفاصيل حكايته بصوته، ولكننا نجهل اسمه. يبدأ الحكاية وهو جالس في إحدى زوايا المقهى، مستعرضاً ذكريات لا تقلّ سوداوية عن اللحظة الحالية. فيحكي قصة وداعه لصديقه في هذا المقهى بالذات، حين كان هذا الصديق مسافراً إلى القوقاز. مع أننا لا نرى هذا الصديق ولا نسمع صوته مباشرة، إلا أنه يبقى حاضراً في ذهن الراوي.
في هذه الأثناء، يجلس الراوي في المقهى بانتظار مركب ليأخذه هو الآخر في مغامرة إلى جزيرة كريت. حيث قرر هذا الرجل، وهو رجل مثقف مفكر كاتب، أن يترك أوراقه وكراساته، وينطلق في مغامرة حقيقية أسوة بصديقه الذي كان دائماً يشجعه على هذه الخطوة. وها هو الآن، حزم أمتعته، وترك كتبه، واستأجر منجماً للينيت (أحد أنواع الفحم) كي يستثمره. لكنه يدسّ معه خلسة – ربما خلسة عن نفسه أو عن صديقه الحاضر في ذهنه – مخطوطاً كان قد بدأ بكاتبته ولم ينته منه، علّه يكمله على الجزيرة. ويبقى هذا المخطوط، الذي أسماه مخطوط “بوذا”، مرافقاً له لوقت ليس بقليل.
قبل أن يأتي القارب، يدخل على الراوي رجلٌ غريب يقارب الستين من العمر، وهو بطلنا ألكسيس زوربا الذي نتعرف عليه مع الراوي بلحظة شرود وصمت. يأتي زوربا طالباً أن يسافر معه، ويثير بأحاديثه العفوية فضوله، مما يدفعه إلى القبول بأخذه كمساعد.
ولكن زوربا لم يكن قد حزم الكثير من الأمتعة، بل اكتفى بأخذ السانتوري الذي يعشق موسيقاه، والذي عاش معه تجارب غيرت حياته. وفي خضم أحاديثه المتشعبة، يدرك الراوي، أو الرئيس كما يدعوه زوربا، أن هذا الرجل ذو القلب الحي والروح الخام هو الرجل الذي يبحث عنه ليساعده، ليس فقط في مغامرته، بل أيضاً في سعيه الفكري والروحي.
ثم على القارب
في القارب، يكتشف الرئيس جوانب أكثر لشخصية زوربا. فهو رجل صريح لا يخاف أن ينتقد ما لا يعجبه أو أن يعبر عن رأيه واستيائه للأحداث المعاصرة في بلاده. أما الرئيس فيغرق في تأملاته وأفكاره التي تطال كل الغيوم والجزر التي تمر في طريقهم، بل وحتى الركاب.
على القارب، يكشف زوربا للرئيس عن العذاب التي تسببه له فكرة الحرية، هذه الفكرة التي يقتل البشر بعضهم من أجلها، كما فعل هو في أيام شبابه عندما قامت الثورة في كريت. ويبقى موضوع الحرية أحد المحاور الأساسية التي تناقشها الرواية على لسان زوربا وفي أفكار الرئيس.
الوصول إلى القرية
مع الحديث عن الحرية، يترجل الرئيس وزوربا وينطلقان إلى وجهتهما، وهي إحدى القرى على جزيرة كريت. فالخطة أنهما سيمكثان هناك ويعملان في منجم اللينيت. يقصدان بداية الأمر مقهى القرية ويتعرفان على بعضٍ من رجالها. ثم يذهبان إلى نُزُلٍ تملكه سيدة غريبة عن القرية، سيدة فرنسية تدعى السيدة هورتانس، وهي امرأة ذات سمعة غير طيبة بين السكان.
في اليوم التالي بعد أن يستكشف الرئيس القرية، يمضي يومه مع زوربا والسيدة هورتانس التي تكرمهما بوليمة غداء تحكي لهما أثناءها عن مغامراتها السابقة عندما كانت مغنّية شابة. فقد عاشت أيام مجدها في زمن الثورة الكريتية حين كانت بصحبة جنرالات من إنكلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا.
لم يُكتب لهذه الأمجاد أن تدوم، فبعد انتهاء الثورة، رست مراكب السيدة هورتانس في كريت. ومع أنها لا تحظى باحترام كبيرٍ من الأهالي، إلا أنها تعيش بينهم وتدير فندقها في القرية. ويقضي زوربا والرئيس وقتاً ممتعاً عندها وتنشأ علاقة بينها وبين زوربا الذي دائماً ما يبحث عن سيدة أو أرملة يقضي معها بعض الوقت في كل مغامرة يخوضها.
الكوخ والصديقان
تمضي الأيام ويبني الرئيس وزوربا كوخاً على الشاطئ ويستقران فيه. ويبدأ العمل بمنجم اللينيت حيث يشرف زوربا على العمال. كما تتطور الصداقة بين الرجلين الذين لا تنتهي أحاديثهما. فالرئيس لا يملّ من حكايات زوربا، هذا السندباد البحري الذي دار بلاداً ومدناً كثيرة، وعاش تجارب لا تحصى. وكان الرئيس ينهل من هذه الأحاديث ما استطاع إليه سبيلاً من حكمٍ ومعانٍ لم يجدها في الكتب.
يكمن جمال العلاقة بين زوربا والرئيس بأن أحدهما يكمّل الآخر. فزوربا رجلٌ مدفوعٌ بغرائزه ورغباته، ويفخر بالتعبير عن مدى حبه للنساء والطعام والخمر وكافة الملذات الجسدية. كما أنه يقدّس الجمال في كل ما يرى، وهو “يرى يومياً كل الأشياء للمرة الأولى” كما يصفه الرئيس. أما هذا الآخر فهو رجل يحتقر ملذات الجسد، على حد اعترافه، ويُكثر التفكير والتحليل في كافة الأمور، حتى تستحيل إلى أفكارٍ مجردة يقبلها عقله. تتناقض سعة معرفة الرئيس وحكمته التي استقاها من الكتب مع اندفاع زوربا وطيش الشباب الذي لا يفارقه حتى بعمر الستين.
لا يقطع زوربا والرئيس علاقتهما مع أهل القرية ومع السيدة هورتانس التي يزورانها أيام الأحد. وهذا الاختلاط بالناس هو أحد المحفزات التي تخلق حوارات عميقة بين الصديقين. ويتمخض عن هذه الحوارات في أحد المرات اعتراف من الرئيس برغبته في إنارة العالم وإخراج هؤلاء الناس من غياهب الظلمات التي يغرقون فيها. وكالعادة، يختلف زوربا عنه في هذا المسعى، إذ يرى أن لا فائدة من إنارة الظلام، فقد اعتاد الناس عليه، وهم سعيدون فيه. لكن العالم الذي يرسمه الرئيس لهم هو ليس إلا ظلاماً آخرَ مجهول الماهية، ولن يحقق لهم أية سعادة إضافية لأنه غير معروف. “إنهم مرتاحون في بؤسهم. إذن دعهم والزم الصمت” ينصح زوربا الرئيس.
المخطوط والرئيس، زوربا والمنجم والرقص
لا تكف أفكار الرئيس عن مطاردته في هذه الجزيرة، فسكون البحر وصمت الليل يحركان “بوذا” المختبئ داخله، ويشعلان في قلبه وعقله الرغبة بالتحرر من الأعباء التي تثقله. فهو دائماً يتغنى بالحرية التي تحدث عنها بوذا، والآن على هذه الجزيرة، قطع على نفسه وعداً بأن يحرر روحه من القلق. عندما تنتابه هذه التأملات، ينكب على مخطوطه ويكتب فيه حتى يغيب في عالم النوم ويستيقظ مجدداً في دوامة تعب تعود به إلى الواقع.
أما زوربا، فكان همه هو العمل والمنجم. وكان في كل ليلة تقريباً، بعد أن يتعشى مع الرئيس، يحدثه عن سير الأعمال. في إحدى المرات، وبعد الحديث عن أفكار جديدة للمنجم، تغمر روح زوربا سعادة جمة لا يتحملها جسده المحدود. فينطلق إلى شاطئ البحر ويبدأ بالرقص تعبيراً عن كل المشاعر في داخله. ويعترف للرئيس عندها أن الرقص هو سلاحه في التعبير عندما تخونه الكلمات.
يمضي الرئيس أياماً لطيفة مع صديقه الجديد، لكنه لا ينسى صديقه القديم الموجود في القوقاز والذي يزور أفكاره بين الحين والآخر. ويمثل هذا الصديق الغائب الحاضر جزءاً عميقاً من نفس الرئيس، لا ينفصل عن كيانه، ويلجأ إليه في لحظات الضعف والاعتراف والبوح .وفي إحدى المرات يكتب له رسالة يحدثه فيها عن مغامرته، وعن هذا السندباد البحري الذي يعيش معه ويتعلم منه.
ظهور الأرملة
ذات نهار ماطر، وفي مقهى القرية، تظهر شخصية جديدة مثيرة للاهتمام، وهي الأرملة سورمولينا التي سلبت بجمالها قلب أحد الشباب في القرية، وهو بافلي، ابن السيد مافراندوني. كانت للأرملة أثر كبير على كل الموجودين، بجسمها القوي الممتلئ ونظرتها الثاقبة. وكما هو متوقع من زوربا، أضرمت الأرملة ناراً في قلبه، ولكنه في هذه المرّة آثر أن يشجع صديقه ليجري خلفها. فبدأ يحث الرئيس على السعي لطلب ودّها.
كان الرئيس قد أحس برغبة كبيرة تجاه هذه المرأة الشابة التي تشبه الفرس، فهو رجل بطبيعة الحال، لكنه كان أضعف من أن يعترف بذلك لعدم قدرته على احتضان الحب بكل قوته. إلا أن صورة الأرملة سورمولينا تعود لتقضّ مضجعه في مواقف متكررة، مذكّرة إياه بعدم ديمومة الحياة، وبضرورة تحصيل السعادة في كل مرة يستطيع الإنسان إليها سبيلاً.
أفكار الرئيس ومشاريع زوربا
تمر الأيام وتأتي السنة الجديدة، ويمضي زوربا والرئيس أيام الأعياد عند السيدة هورتانس، أو بوبولينا كما يفضل زوربا أن يناديها تيمناً ببطلة حرب الاستقلال اليونانية. وكانت هذه السيدة العجوز لا تبخل عليهما لا بالطعام ولا بالحفاوة، وبالمقابل، كان زوربا يكرمها بالحب.
أما الرئيس، فكانت حبيبته مخطوط “بوذا” الذي كان يخرجه من عزلته عندما تعطيه التجارب كمّاً من الأفكار ليضيفها إليه، خاصة تلك التي يتعلمها من مدرسة زوربا في الحياة. وقد أصبحت كتابة مخطوط “بوذا” تمثل صراع الرئيس مع ذاته تجاه السلام الروحي.
ومع الأيام، وعندما يلاحظ الرئيس عدم جدوى العمل في المنجم، يشجع زوربا على المضي قدماً في خطة جديدة. إذ كان الرئيس قد استأجر غابة صنوبر من دير الرهبان الواقع على الجبل، وكانا يريدان بناء مصعد لنقل الخشب من الأعلى. وكانت مهمة زوربا إيجاد الميل الملائم للمصعد. وعندما ينجح بذلك نظرياً، يقرر الذهاب إلى مدينة مجاورة لجلب الأغراض التي يحتاجها المصعد، على أن تستمر رحلته تلك ثلاثة أيام.
رحلة زوربا
يبقى زوربا في المدينة فترة أطول بكثير من المتفق عليها. ويبعث برسالة للرئيس يحكي له فيها عن سبب هذا التأخير. فقد كان يقضي أيامه مع صبية بعمر الورود تدعى لولا، كان قد تعرف عليها وقرر قضاء تجربة جديدة في الحب معها. ومع أنه كان يبدد مال الرئيس في المدينة، إلا أن الرسالة وما تحمله في سطورها من تأملات “زورباوية” عن الحب والحياة تبهج قلب الرئيس ولا تفتح مجالاً للغضب أو الانزعاج من هذا التصرف الطائش.
وأما السيدة العجوز هورتانس، فتصيبها حالة من القلق على محبوبها الذي تأخر في المدنية، وتأتي لتسأل صديقه عنه. ما الذي سيقوله الرئيس هنا؟ فهو لا يستطيع أن يكسر قلبها ويخبرها الحقيقة، لذلك ألّف لها قصصاً كثيرة عن زوربا، لا تخلو من أشواق ووعود وكلمات معسولة زعم أنه أرسلها لها في إحدى رسائله. ولكن مع كل هذا تبقى سعادتها ناقصة. عندها، يدرك الرئيس بحكمته الواسعة أن هذه المرأة التي أمضت حياتها وشبابها كمغنية جميلة تنتقل من مدينة لأخرى ومن عشيق لآخر، كان لا بدّ لها في نهاية الأمر من أن تستقر مع زوج شرعي يعيد لها كرامتها بين الناس. فلم يكن منه إلا أن أكمل نسج كذبة على مقاس أحلامها وتمنياتها، وأخبرها أن زوربا ينوي الزواج منها عندما يعود.
أثر الأرملة الأول
تعود الأرملة سورمولينا إلى صورة الأحداث، مصحوبة بمأساة كانت قد حلت بالقرية. فقد قام العاشق الولهان بافلي بإغراق نفسه، إذ لم يعد يطيق رفض الأرملة له ووصل إلى قاع اليأس الذي قاده إلى انتحاره. يثير هذا سخط أهل القرية على الأرملة ويتهمونها بأنها سبب ما حدث، أما الرئيس فهو الشخص الوحيد الذي يدافع عنها. ولهذا ترسل له سلة من البرتقال امتناناً لموقفه معها. لكنه يبقى صامداً بمقاومة مشاعره ورغبته تجاهها.
زيارة الدير
عند عودة زوربا من المدينة، يتبادل الأخبار والقصص مع صديقه، ويخبره هذا الأخير بمشروع زواجه من هورتانس. لكن زوربا لا يسرّ من الفكرة ولا يعيرها الكثير من الاهتمام. ثم يذهب الرجلان إلى دير الرهبان الذي استأجرا منه غابة الصنوبر لإكمال الصفقة. ويقضيان يومين وليلة هناك، تدور فيها أحداث مريبة بين بعض الرهبان والآباء. يستغل زوربا هذا الموقف ليحصّل صفقة موفقة مع رئيس الدير، يوفر من خلالها على الرئيس الكثير من المال تعويضاً لما بدده في مغامرته مع لولا.
عند عودتهما إلى كوخهما على الشاطئ، يجدان عروس المستقبل بانتظارهما، طلباً لعريسها الذي سيخرجها من حياة العار. إن لزوربا قلباً رقيقاً لا يتحمّل رؤية أنثى، أياً كانت، حزينة أو كئيبة. ولهذا، يحنّ قلبه على السيدة هورتانس ويقوم بخطبتها فوراً تحت ضوء القمر وبوجود شاهدهما، الرئيس. ويعدها أنه سيتزوجها يوم عيد الفصح، أي بعد عدة أيام. في هذا الموقف، يتجلى زوربا رجلاً رؤوفاً وحنوناً وصادقاً حتى عندما لم يَقطع الوعد بنفسه.
أثر الأرملة الثاني
في اليوم التالي، يجتمع أهل القرية والكاهن عند الرئيس وزوربا لمباركة الخطوة الأولى في بناء المصعد. وبعد أيام قليلة، يأتي عيد الفصح وينتظر الرئيس وزوربا العروس العجوز، لكن يأتي صبي يخبرهما أنها مريضة. فيهرع زوربا للاطمئنان عليها، ثم ينضم لأهل القرية للاحتفال بالعيد.
أما الرئيس، فيبقى وحده في الكوخ، إلى أن يشعر بقوة داخلية تسري في جسده وتقوده إلى وجهةٍ لم يتوقف عقله الباطن عن التفكير بها مدة طويلة.
ها هو يصل إلى بيت الأرملة، يراها واقفة بين أشجار البرتقال المزهرة، يدق الباب ، ويقول لها أنه هو، فتفح له، ويدخل.
يعود الرئيس إلى كوخه في صباح اليوم التالي، ويجد صديقه منتظراً إياه بفارغ الصبر. فهذا العجوز المفعم بالحياة كان قد خمّن ما حصل، وملأت قلبه سعادة غامرة عند رؤية الرئيس قادماً من بيت الأرملة.
بعد تلك الليلة، يعيش الرئيس خليطاً من المشاعر التي تملأ قلبه بالسرور وتعمل على مصالحة كل التناقضات والصراعات في داخله. فيشعر في تلك اللحظات بغبطة واستقرار في نفسه، ويصبح أقرب إلى فهم روحه وجسده والعلاقة بينهما. ويحمله هذا الإدراك إلى مخطوطه العزيز، فقد آن لهذا المشروع أن ينتهي، وآن لبوذا أن يجد حريته مرة أخرى، لكن هذه المرة في عقل الرئيس.
أثر الأرملة الثالث
بعد أن ينتهي من مخطوطه، يأتي خبر للرئيس عن السيدة هورتانس ويذهب مسرعاً إليها. في طريق عودته يجد أهل القرية مجتمعين ومستمرين باحتفالات العيد، فيبقى بعض الوقت معهم. ولكن، يرى أحد الموجودين أن الأرملة قد خرجت من بيتها، وهي لحظة كان الجميع ينتظرها كي يأخذوا بثأر الشاب بافلي. وفعلاً، يذهب الجميع، نساءً ورجالاً، إلى حيث ذهبت الأرملة، وينقض ابن عم الشاب كي يقتلها. لكن زوربا يأتي في الوقت الحاسم ويحتد القتال بينه وبين الشاب المندفع، وعندما ينجح بإفلات سكينه ويهرع إلى أخذ الأرملة لمنزلها، يأتي والد الشاب الضحية ويقطع عنقها بضربة واحدة، ويرمي رأسها على الأرض.
كان هذا الحادث صدمة شديدة تحل على زوربا الذي يدخل في حالة من اليأس والحزن والذهول، وتتجلى هذه الحالة بكل تفاصيل حياته وعقله، بل حتى جسده الذي أضناه التعب. أما الرئيس، فكعادته، يبدأ بتحويل الواقع إلى أفكار مجرّدة كي يستوعبها عقله، ثم يقتنع به ويتصالح معه.
وداعٌ آخر
لا تنتهي المآسي هنا، فبعد أيام قليلة، تلفظ السيدة هورتانس أنفاسها الأخيرة، وتودّع الحياة الصاخبة التي عاشتها. تودع عشاقها ومحبيها الموجودين في ذاكرتها. كما تودع خطيبها زوربا الذي لم يفارقها في مرضها. ويودعها أهل القرية الذين كانوا ينتظرون موتها كي يقتسموا أغراض بيتها، فلا أولاد لها ولا أقارب. بل إنها غريبة عن البلاد كلها، ويرى أهل القرية أنهم أحق بهذا الإرث الذي خلفته المغنية حتى وإن لم يكنّوا لها أي احترام في أيام حياتها.
مع هاتين السيدتين، تنتهي سلسلة أحداث كانت تزين حياة زوربا والرئيس بتفاصيل عذبة وجلسات مرحة، وبأفكار وتأملات تبعث على الطمأنينة والهدوء.
المصعد، الأمل
تمضي الأيام وتتوالى المغامرات وجلسات التأمل والتفكير. أما عن العمل، فيشارف بناء المصعد على الانتهاء، ويقترب موعد تجريبه. وفي هذا اليوم المنشود، يجتمع أهل القرية ورهبان الدير والكهنة لتجربة المصعد والاحتفال بعد ذلك بهذا الإنجاز. لكن الفرحة لا تتم، وينهار المصعد أثناء التجربة، فيصاب جميع الموجودين بالذعر ويفرون هاربين. ويبقى زوربا والرئيس، يتأملون الفشل الذريع لهذا المشروع الذي كلف كثيراً من المال والوقت والجهد. ولكن الطريف بالأمر أنهما يكملان نهارهما بسعادة. يتناولان وليمة الغداء على شاطئ البحر، ويرقصان سوياً بعد ذلك، مدركين في قرارة نفسيهما أن وقت الفراق أصبح قريباً.
الحرية المنشودة ووداع زوربا
في اليوم التالي، يركض الرئيس في القرية بلا هدف ويصعد الجبل ويدرك مدى الحرية التي اكتسبها حقاً. فمع انهيار المصعد، تخلّص من كل همومه الدنيوية، وباتت الحرية تملأ عقله وقلبه. يتلقى في ذاك الصباح رسالة من صديقه في القوقاز ويسمع بعضاً من أخباره. لكن عندما يغفو وهو في حالة الغبطة تلك، ينتابه شعور غريب في الحلم ويحس بأن مكروهاً سيحصل لصديقه. فقد اتفقا عندما افترقا أن يرسل أحدهما للآخر إشارة عبر الأثير عندما يشعر بدنوّ أجله، ويبدو أن صديق القوقاز قد وفى بوعده. فبات الرئيس على يقين أن شيئاً ما سيحدث، وقد كان لهذا الإحساس أثر أكبر من الرسالة التي استلمها فعلاً وقرأ محتواها.
في آخر ليلة لهما، يتحدث الرئيس وزوربا حديث الوداع، لكنه ليس بذاك الحديث العاطفي المنمق المليء بالمشاعر المضطربة. فزوربا، بقوته وصدق كلماته، لا يختبئ خلف كلمات العزاء الفارغة. بل يبوح بمكنونات قلبه، ويخبر صديقه أنه يعلم بأنهما لن يلتقيا في المستقبل، ثم يذهب ويتركه وحيداً. ولا يلتق الصديقان بعد ذلك أبداً.
في صباح اليوم التالي، يودع الرئيس القرية ويذهب إلى المدينة ليكمل مشوار حياته وأسفاره، ويتلقى هناك برقية كان يعرف محتواها مسبقاً. كان صديقه في القوقاز قد مات فعلاً، بعد أن أرسل له تلك الإشارة الأثيرية المتفق عليها.
النهاية وزوربا والسانتوري
مرت سنوات خمس، ومازال الرئيس هائماً على وجهه. صحيح أنه لم يلتق زوربا، لكن وصلته منه عدة رسائل من أماكن مختلفة، مرة من جبل أثوس ومرة من رومانيا ومرة من الصرب، حيث يلتقي بأرملة جميلة ويتزوجها.
يتابع الرئيس خلال رحلاته التفكير والتأمل والكتابة، ويقرر أن يكتب عن زوربا حتى يخلّده ولا ينساه. فيكتب عنه أسطورة ذهبية يحكي فيها كيف كان هذا الرجل صديقاً ومعلماً، بل مدرسة كاملة. وعندما ينتهي من الكتابة، تأتي إليه رسالة من الصرب، مفادها أن زوربا العزيز قد مات، وقد أوصى بإعطاء السانتوري للرئيس.
تنتهي هنا حياة زوربا، لكنه في الواقع لم يمت. فقد بقي خالداً ليس فقط في كتابة الرئيس، بل في ذهن كل إنسان مر في حياته وكل امرأة لمسها وكل صديق خاطب روحه. كما أنه سيبقى حياً بفلسفته وحكمته وحريته في أذهان كل من يقرأ عنه.
للاستماع لموسيقى ميكيس ثيودوراكيس. من فيلم زوربا: هنا.
اقرأ أيضاً: ملخصات كتب.
المصادر
نيكوس كازانتزاكي، زوربا اليوناني. ترجمة جورج طرابيشي. دار الآداب، بيروت. الطبعة الحادية عشرة، 2013.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :