...
Ad

في دراسة رائدة، توصل عالم الفيزياء الحيوية أوتجر كامباس ومجموعته البحثية، بالتعاون بين جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا ومجموعة فيزياء الحياة المتميزة بجامعة (TU Dresden)، إلى اكتشاف رائع حول تطور أنسجة العين والدماغ. واكتشف الباحثون تنظيم نواة الخلية، المعروفة بدورها في معالجة المعلومات، لأنسجة العين والدماغ أثناء التطور الجنيني. ويضيف هذا الاكتشاف غير المتوقع بعدًا جديدًا لفهمنا لتنظيم الأنسجة ويفتح آفاقًا جديدة للبحث.

وكشفت الدراسة، التي نشرت في مجلة (Nature Materials)، أن حجم نواة الخلية مقارنة بحجم الخلية نفسها له تأثير مباشر على صلابة الأنسجة وتنظيمها. واستخدم الباحثون سمك دانيو المخطط (zebrafish) كنموذج لاستكشاف هذه الظاهرة، مستفيدين من المراحل الجنينية الشفافة والنضج السريع للأسماك. ومن خلال قياس صلابة الأنسجة والحركة الخلوية في شبكية العين النامية ودماغ سمك دانيو المخطط، أثبت الفريق أن التغيرات في أحجام الخلايا والنوى خلال المراحل الرئيسية من التطور تؤدي إلى “ازدحام” النوى، والتي بدورها تتحكم في بنية الأنسجة وميكانيكيتها.

العالم الغامض للتطور الجنيني

إن التطور الجنيني هو عملية معقدة ورائعة أسرت العلماء وعامة الناس على حد سواء لعدة قرون. خلال هذه العملية، تتحول خلية واحدة، البويضة المخصبة، إلى كائن حي مكتمل التكوين، بأعضاء وأنسجة عاملة. ولكن كيف تحدث هذه المعجزة؟

يعتبر التطور الجنيني في جوهره درسًا رائعًا في التنظيم والتنسيق. حيث يجب أن تعمل مليارات الخلايا، التي تتمتع كل منها بخصائصها ووظائفها الفريدة، معًا في تناغم لإنشاء الهياكل المعقدة التي تشكل أجسامنا. إنها عملية معقدة بشكل مذهل، مع عدد لا يحصى من المسارات والآليات البيولوجية التي تعمل جنبًا إلى جنب لجلب حياة جديدة إلى الوجود.

أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في التطور الجنيني هو الطريقة التي تتولى بها الخلايا أدوارًا ومسؤوليات مختلفة أثناء تمايزها إلى أنسجة وأعضاء. مثل العمال في موقع البناء، كل خلية لديها مهمتها الخاصة بها، سواء كانت بناء الجلد، أو تكوين العظام، أو تجميع الخلايا العصبية. لكن كيف تعرف هذه الخلايا ماذا تفعل ومتى؟

الدور غير المقدر لنواة الخلية في تكوين الأنسجة

يُعتقد منذ فترة طويلة أن نواة الخلية، وهي المحاور المركزية للمعلومات الوراثية، تلعب دورًا فقط في تنظيم التعبير الجيني. ومع ذلك، فقد اظهرت الاكتشافات الحديثة وظيفة جديدة وغير متوقعة لهذه العضيات الخلوية، وهي التحكم في بنية وميكانيكا الأنسجة أثناء التطور الجنيني. ويضيف هذا الاكتشاف طبقة جديدة من التعقيد إلى فهمنا لكيفية تنظيم الخلايا لتكوين الأعضاء.

فكر في الخلايا كمصانع، حيث تعمل العضيات الخلوية المختلفة معًا مثل الآلات الموجودة على خط الإنتاج. وتقوم النواة، مثل الكمبيوتر المركزي، بمعالجة المعلومات وإرسال الإشارات إلى العضيات الأخرى. ولكن، على عكس العضيات الأخرى، تعد النواة أيضًا أكبر وأقوى بنية داخل الخلايا، مما يجعلها مرشحًا رئيسيًا للتأثير على البنية الفيزيائية للأنسجة.

قرر عالم الفيزياء الحيوية أوتجر كامباس وفريقه دراسة دور النوى في تكوين الأنسجة، وبناءً على أعمال رائدة سابقة قامت بها مجموعته حيث توصلت إلى أن التجمعات الخلوية تعمل مثل الرغوة أثناء التطور والتي يمكن إما تجميدها “لتجميد” بنية الأنسجة وتحديد شكلها، أو “إذابتها” للسماح للأنسجة بالتدفق وتشكيلها.

تنظيم نواة الخلية لأنسجة العين والدماغ

الكشف عن العلاقة بين النوى وتصلب الأنسجة باستخدام سمك دانيو المخطط

للتعمق أكثر، لجأ الباحثون إلى سمك دانيو المخطط، وهو نموذج فقاري مثالي لاستكشاف دور نواة الخلية. ومن خلال دراسة الأجنة الشفافة لهذه الأسماك، تمكن الفريق من تصور تكوين الأعضاء بشكل ثلاثي الأبعاد وكشف العلاقات المعقدة بين أحجام الخلايا وأحجام النواة.

ركز الباحثون على تطور شبكية العين والدماغ لدى أسماك دانيو المخطط، وإجراء قياسات هيكلية وتقديرات كمية لحركة الخلايا لتفكيك الآليات المستخدمة. ما اكتشفوه كان مذهلاً، حيث أدت التغيرات في أحجام الخلايا والأحجام النوى إلى ازدحام النوى. خلال هذه العملية، أصبحت النوى متراصة بإحكام، مثل حبوب القهوة في وعاء، وكان هذا التنظيم ضروريًا لعمل العين بشكل سليم.

لاحظ الفريق أن تعبئة الخلايا في شبكية عين سمك دانيو المخطط أظهرت ترتيبًا بلوريًا مذهلاً، وهو ضروري لمعالجة الإشارات البصرية. أشارت هذه النتيجة إلى أهمية أوسع، حيث يتم رؤية أنماط مماثلة في عيون الإنسان. وأدرك الباحثون أن ازدحام النوى قد يكون آلية عالمية تحكم بنية الأنسجة العصبية المختلفة.

ومن خلال تحليل دماغ سمك دانيو المخطط، وجد الباحثون أن ازدحام النوي لم يحدث في شبكية العين فحسب، بل أيضًا في الأنسجة العصبية الأخرى. لقد فتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لفهم كيفية تنظيم الخلايا للتطور الجنيني، وألمح إلى وجود صلة محتملة بين عيوب النواة والأمراض المرتبطة بضعف بنية الأنسجة.

الآثار بعيدة المدى

وبينما نتعمق أكثر في اكتشاف دور نواة الخلية في تنظيم أنسجة العين والدماغ، نبدأ في كشف الآثار الهائلة لذلك على فهمنا للتطور الجنيني وهندسة الأنسجة. وتفتح النتائج التي توصل إليها كامباس ومجموعته البحثية آفاقًا جديدة لاستكشاف الآليات المعقدة التي تحكم تكوين الأعضاء والأنسجة.

حيث سنتمكن من التحكم بدقة في تنظيم الخلايا لإنشاء أنسجة صناعية يمكنها إصلاح الأعضاء التالفة أو حتى تجديد أعضاء جديدة. قد يبدو هذا كالخيال العلمي، لكن اكتشاف التحكم النواة في بنية الأنسجة يقربنا خطوة واحدة من جعل هذا الأمر حقيقة.

وفي سياق تطور العين، يعد الترتيب البلوري للخلايا أمرًا بالغ الأهمية لمعالجة الإشارات البصرية. وأي عيوب في هذا التنظيم يمكن أن تؤدي إلى ضعف البصر أو حتى العمى. ومن خلال فهم كيفية تحكم النوى في تعبئة الخلايا، يمكن للباحثين الآن استكشاف طرق لمنع أو علاج مثل هذه العيوب، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة لأمراض العيون.

علاوة على ذلك، فإن اكتشاف ازدحام النوى في أنسجة المخ يثير تساؤلات مثيرة للاهتمام حول العلاقة المحتملة بين عيوب النواة والاضطرابات العصبية. هل يمكن للعيوب في تنظيم النواة أن تساهم في حالات مثل مرض الزهايمر أو مرض باركنسون؟ لا تزال الإجابة غير واضحة.

المصادر

How cell nuclei organize eyes and brain | science daily

A nuclear jamming transition in vertebrate organogenesis | nature materials

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 298
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.