توصل علماء إلى اكتشاف رائد حول حرب جينية لتغذية الجنين حيث تستخدم الأجنة جين من الأب للتحكم في إطلاق الأم للعناصر الغذائية أثناء الحمل. تتضمن هذه الآلية الرائعة إشارات هرمونية من المشيمة، والتي تضمن نمو الجنين على النحو الأمثل عن طريق تغيير عمليات التمثيل الغذائي للأم. وتكشف الدراسة، التي نشرت في دورية “Cell Metabolism”، عن نظام “التحكم عن بعد” حيث يؤثر الطفل الذي لم يولد بعد على جسد أمه لإعطاء الأولوية لنموه، بينما يوازن جسد الأم حاجته للحفاظ على الصحة.
محتويات المقال :
المعركة من أجل العناصر الغذائية
خلال فترة الحمل، يخضع جسم الأم لتغييرات كبيرة لدعم نمو وتطور الجنين. أحد الجوانب الأكثر أهمية في هذه العملية هو توزيع العناصر الغذائية، وهو توازن دقيق بين احتياجات الأم واحتياجات طفلها الذي لم يولد بعد.
يجب أن يتأكد جسم الأم من احتفاظه باحتياطيات كافية من الطاقة للحفاظ على الحمل، ودعم الرضاعة الطبيعية، والسماح بالحمل في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يحتاج الجنين إلى إمدادات ثابتة من العناصر الغذائية لينمو ويتطور على النحو الأمثل.
وهذا يخلق نوعًا من “لعبة شد الحبل” بالنسبة للعناصر الغذائية، حيث يجب على جسم الأم أن يوازن بين احتياجاته من الطاقة ومتطلبات الجنين. تلعب المشيمة دورًا حاسمًا في هذه العملية، حيث تعمل كنوع من “الوسيط” الذي يتواصل مع جسد الأم لإعطاء الأولوية لنمو الطفل.
التطبع الجيني
إن التطبع الجيني (Genomic imprinting) هي ظاهرة وراثية تسبب التعبير عن الجينات بطريقة خاصة بالوالد الأصلي. وهذا يعني أنه بالنسبة لبعض الجينات، يتم التعبير عن النسخة الموروثة من الأم فقط، بينما يتم إسكات النسخة الموروثة من الأب، أو العكس. يتم إنشاء نمط التعبير الخاص بالوالدين هذا في الخلايا الجنسية (البويضات والحيوانات المنوية) ويتم الحفاظ عليه في الخلايا الجسدية للكائن الحي الذي ينمو.
تلعب عملية التطبع الجيني دورًا حاسمًا في نمو الثدييات، وقد ثبت أنها متورطة في العديد من العمليات البيولوجية، بما في ذلك النمو الجنيني، وتطور المشيمة، والسلوك. وقد يؤدي تعطيل عملية البصمة الجينية إلى اضطرابات وأمراض النمو.
حرب جينية لتغذية الجنين
تشير إحدى النظريات الرئيسية، والتي يشار إليها غالبًا باسم فرضية الصراع بين الوالدين، إلى أن الجينات المعبر عنها من قبل الأب تميل إلى تعزيز نمو الجنين، في حين تميل الجينات المعبر عنها من قبل الأم إلى تقييده.
إن هذا “الشد والجذب” مدفوع بمصالح تطورية متباينة. فالجينات المشتقة من الأب تعطي الأولوية إلى حد ما لتعظيم نمو ولياقة النسل الحالي، حتى ولو كان ذلك على حساب موارد الأم. ويمكن النظر إلى هذا باعتباره شكلاً من أشكال “الأنانية الوراثية”، حيث تحاول جينات الأب في الأساس خلق أكبر وأقوى نسل ممكن.
وعلى العكس من ذلك، تعطي الجينات المشتقة من الأم الأولوية لرفاهية الأم بشكل عام وإمكاناتها الإنجابية في المستقبل. ومن خلال الحد من نمو الجنين، تحمي هذه الجينات الأم من نقص المغذيات المفرط والمضاعفات أثناء الولادة. وهذا يضمن بقاءها على قيد الحياة ويزيد من فرصها في إنجاب أطفال في المستقبل من آباء مختلفين محتملين، وبالتالي تعظيم انتشار جيناتها الخاصة.
وفي حين أن الحمل هو عمومًا جهد تعاوني، إلا أن هناك تضاربًا أساسيًا في المصالح بين الجينومات الأمومية والأبوية. ويُعتقد أن التطبع الجيني، وخاصة تلك التي تعمل داخل المشيمة، هم لاعبون رئيسيون في التوسط في هذا الصراع، والتأثير على تخصيص الموارد وتحديد مسار نمو الجنين في نهاية المطاف.
الجين “Igf2”
قام الباحثون بحذف التعبير عن جين مطبوع مهم يسمى “Igf2″، والذي يوفر التعليمات لصنع بروتين يسمى “عامل النمو الشبيه بالأنسولين 2”. وعلى غرار هرمون الأنسولين، المسؤول عن صنع ومراقبة مستويات الجلوكوز في الدورة الدموية، يعزز الجين نمو الجنين ويلعب دورًا رئيسيًا في نمو أنسجة الجنين بما في ذلك المشيمة والكبد والدماغ.
كشفت الدراسة أن هذا الجين يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم نقل العناصر الغذائية من الأم إلى الجنين. فعندما تم تعطيل وظيفة الجين، فشل جسم الأم في زيادة مستويات الجلوكوز والدهون في مجرى الدم بشكل كافٍ، مما أدى إلى عدم كفاية توصيل العناصر الغذائية إلى الجنين وتقييد النمو اللاحق.
كما وجد الباحثون أن “Igf2” يؤثر على إنتاج الهرمونات التي تنظم عملية التمثيل الغذائي للأم. وبشكل أكثر تحديدًا، يتحكم في الهرمونات المسؤولة عن تقليل حساسية الأم للأنسولين أثناء الحمل. هذه الحساسية المنخفضة هي تكيف فسيولوجي طبيعي يضمن بقاء الجلوكوز في مجرى الدم، بحيث يكون متاحًا بسهولة لنقله إلى الجنين.
يوضح هذا الاكتشاف لماذا يمكن أن تؤدي عيوب في الجين “Igf2” إلى فرط النمو أو توقف النمو عند الأطفال. وتوضح الدراسة أن الجين لا يشارك بشكل مباشر في نمو الجنين فحسب، بل يلعب أيضًا دورًا حيويًا في إرسال إشارات إلى الأم لضمان إمداد الجنين بالمغذيات الكافية.
أمراض لاحقة
أظهرت الدراسة التي أجريت على الفئران أن النسل الذي يعاني من اضطراب في إشارات “Igf2” كان أصغر حجمًا عند الولادة ثم ظهرت عليه علامات مبكرة للإصابة بمرض السكري والسمنة في وقت لاحق من حياته. وهذا يسلط الضوء على التأثير الطويل الأمد لتوزيع المغذيات بشكل صحيح أثناء نمو الجنين.
ويؤكد البحث على الدور الحاسم الذي تلعبه المشيمة في تشكيل الصحة مدى الحياة. فبينما يتم إخراج المشيمة بعد الولادة، فإن وظيفتها أثناء الحمل تترك “إرثًا” دائمًا على نمو أعضاء الجنين ووظائفها اللاحقة طوال الحياة.
وسوف تركز الأبحاث المستقبلية على تحديد الهرمونات المشيمية المحددة التي يتحكم فيها “Igf2” وتوضيح وظائفها. وقد يمهد هذا الطريق لاستراتيجيات علاجية جديدة تستهدف المشيمة لتحسين النتائج الصحية لكل من الأمهات وأطفالهن.
الكشف عن أسرار تخصيص العناصر الغذائية لمستقبل أكثر صحة
هذا الاكتشاف الرائد للحرب جينية لتغذية الجنين له آثار بعيدة المدى على فهمنا لنمو الجنين وصحة الأم. ومن خلال كشف أسرار هذه العملية المعقدة، يستطيع العلماء تطوير استراتيجيات جديدة لتحسين النتائج الصحية لكل من الأمهات والأطفال.
تخيل مستقبلًا يولد فيه الأطفال بصحة جيدة وأقوياء، وتكون فيه الأمهات مجهزات بشكل أفضل لدعم أجنتهن المتنامية دون المساس بصحتهن. يمكن أن يمهد هذا البحث الطريق لتطوير علاجات وتدخلات مستهدفة تعمل على تحسين توزيع العناصر الغذائية أثناء الحمل.
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون لهذا الاكتشاف آثار مهمة على فهمنا للأمراض الأيضية مثل مرض السكري والسمنة. ومن خلال دراسة التوازن المعقد بين تغذية الأم والجنين، قد يكشف العلماء عن رؤى جديدة حول الأسباب الجذرية لهذه الأمراض وتطوير علاجات أكثر فعالية.
المصادر
Unborn Babies Use Genes From Dad to “Remote-Control” Mothers for Extra Food | scitechdaily
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :