دراسة تكشف أن الناس يثقون في قرارت الذكاء الاصطناعي ولكنهم سعداء بالقرارات البشرية!

الناس يثقون في قرارت الذكاء الاصطناعي

أنت تدخل إلى غرفة يتم فيها لعب لعبة ما، والجائزة عبارة عن مبلغ من المال. الآن، تخيل أن قواعد اللعبة مصممة لاختبار مدى عدالة توزيع الأموال بين اللاعبين. في هذه اللعبة، لديك خيار، هل تريد أن يقرر الإنسان أم الذكاء الاصطناعي كيفية تقسيم الأموال؟ والمثير للدهشة أن معظم الناس سيختارون الذكاء الاصطناعي. وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة (Public Choice)، وجد الباحثون أن 64% من الناس المشاركين يثقون في قرارت الذكاء الاصطناعي المتعلقة بتوزيع الموارد المالية، على الرغم من أنهم أكثر سعادة بالنتائج عندما يتخذ البشر تلك القرارات. ولكن لماذا؟ وماذا يقول هذا عن تصورنا للذكاء الاصطناعي ودوره في اتخاذ القرارات الأخلاقية؟

في هذه الدراسة، اكتشف باحثون من جامعة بورتسموث العلاقة المعقدة بين عملية صنع القرار البشري والذكاء الاصطناعي. لقد أرادوا الإجابة على أسئلة مهمة حول كيفية إدراكنا لعملية صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة في قرارات إعادة التوزيع الشائعة في السياسة والاقتصاد. لنتائج الدراسة آثار مهمة على فهمنا لإمكانات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات عادلة وأخلاقية، وكيف يمكننا تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتوافق مع قيمنا ومبادئ العدالة لدينا.

محتويات المقال :

العدالة في توزيع الموارد المالية

عندما يتعلق الأمر بالموارد المالية، فإن العدالة مفهوم متأصل بعمق في أذهاننا. حيث نريد الإيمان بأن كل شخص يحصل على ما يستحقه، وأن أولئك الذين يعملون بجد يكافأون وفقًا لذلك. ولكن ماذا يحدث عندما نقوم بإدخال الذكاء الاصطناعي (AI) في هذا المزيج؟

تكمن الإجابة في عالم الفلسفة الأخلاقية، حيث العدالة مفهوم متعدد الأوجه. على سبيل المثال، يعتقد بعض الناس أن العدالة تعني حصول الجميع على حصة متساوية، بغض النظر عن مساهماتهم. ويعتقد آخرون أن ذلك يعني مكافأة أولئك الذين يعملون بجد أو يساهمون أكثر.

في سياق توزيع الموارد المالية، تعتبر العدالة معضلة أخلاقية ناقشها الفلاسفة والاقتصاديون لعدة قرون. يعتقد الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو أن العدالة تعني إعطاء الناس ما يستحقونه على أساس مزاياهم. ومن ناحية أخرى، زعم الخبير الاقتصادي جون راولز أن العدالة تتعلق بضمان حصول الجميع على فرصة متساوية للنجاح، بغض النظر عن خلفيتهم أو ظروفهم.

وفي السنوات الأخيرة، أضاف ظهور الذكاء الاصطناعي طبقة جديدة من التعقيد إلى هذه المعضلة الأخلاقية. ومع وجود الآلات القادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات واتخاذ القرارات بسرعة وكفاءة، يصبح السؤال: هل يمكننا الوثوق في قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات عادلة بشأن الموارد المالية؟ أم أننا بحاجة إلى إشراف بشري لضمان احترام مبادئ العدالة؟

تاريخ موجز لعملية اتخاذ القرار الخوارزمية

لقد كان مفهوم القرارات الخوارزمية ( algorithmic decisions) موجودًا منذ عقود، وكانت بداياته المبكرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما اكتشف علماء الكمبيوتر مثل آلان تورينج ومارفن مينسكي إمكانيات الذكاء الاصطناعي.

في الثمانينيات، ظهر مجال الأنظمة الخبيرة (Expert system)، والذي كان يهدف إلى تكرار عملية صنع القرار البشري باستخدام الأنظمة القائمة على القواعد. وقد تم تصميم هذه الأنظمة لتقليد الخبراء البشريين في مجالات محددة، مثل الطب والاقتصاد. ومع ذلك، فقد كانوا محدودين بسبب عدم قدرتهم على التعلم من البيانات والتكيف مع المواقف الجديدة.

وشهدت فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ظهور التعلم الآلي، الذي مكّن الخوارزميات من التعلم من مجموعات البيانات الكبيرة وتحسين أدائها بمرور الوقت. وأدى ذلك إلى تطوير أنظمة أكثر تطوراً لصنع القرار.

الناس يثقون في قرارت الذكاء الاصطناعي

وكشفت نتائج الدراسة عن اتجاه مفاجئ، فمعظم الناس يفضلون الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات المالية على البشر، على الرغم من أنهم أكثر سعادة بالقرارات التي يتخذها الإنسان. إن هذا التناقض الظاهري متأصل في تصور الناس للعدالة والتحيز. ووفقًا للباحثين، فقد تحمل المشاركون أي انحراف بين القرار ومصالحهم الشخصية عندما اتخذ الذكاء الاصطناعي القرار طالما تم اتباع مبدأ واحد من مبادئ العدالة. ومع ذلك، عندما لم يتماشى القرار مع مبادئ العدالة، كان رد فعلهم سلبيًا.

يمكن أن يعزى هذا التفضيل في اتخاذ القرار باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى عدة عوامل. حيث يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى التحيز، ولديه القدرة على شرح القرارات، والأداء العالي. في الأساس، يعتقد الناس أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها اتخاذ قرارات أكثر موضوعية، خالية من المشاعر والتحيزات البشرية. هذه الموضوعية المتصورة أمر بالغ الأهمية في سياقات صنع قرارات أخلاقية، كما يؤكد فويتشخ لوهان، أستاذ الاقتصاد السلوكي.

ويشير الباحثون أيضًا إلى أن جاذبية الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على توفير الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار. ومن المرجح أن يقبل الناس القرارات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي لأنهم يعتقدون أن الخوارزميات يمكن أن تشرح أسبابهم، مما يوفر مبررًا واضحًا ومنطقيًا للنتيجة. تخلق هذه الشفافية شعورًا بالثقة، مما يجعل الناس أكثر ارتياحًا عند اتخاذ القرار في مجال الذكاء الاصطناعي.

الآثار والآفاق المستقبلية

تعد شفافية الخوارزميات في سياق صنع القرار الأخلاقي أمرًا بالغ الأهمية. نظرًا لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتولى المزيد من المسؤوليات، فمن الضروري التأكد من أنها مصممة مع مراعاة العدالة والمساءلة. وهذا يعني أنه يجب على المطورين إعطاء الأولوية لقابلية التفسير والشفافية في نماذجهم، مما يمكّن المستخدمين من فهم الأسباب الكامنة وراء القرارات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي.

يبدو مستقبل صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي واعداً، مع إمكانية تحسين العدالة والكفاءة في مختلف جوانب الحياة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تخصيص الموارد في مجال الرعاية الصحية، مما يضمن توزيع الموارد المحدودة بشكل عادل وفعال. وفي مجال التمويل، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في الحد من عدم المساواة من خلال اتخاذ قرارات استثمارية أكثر موضوعية.

في نهاية المطاف، يتطلب تبني عملية صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي فهمًا دقيقًا لفوائده وقيوده المحتملة. ومن خلال الاعتراف بكليهما، يمكننا تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لخلق مجتمع أكثر إنصافًا وكفاءة. وكما استنتج الباحثون في الدراسة، فإن مستقبل صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي يبدو مشرقًا، ومع دراسة متأنية، يمكننا إنشاء عالم تتوافق فيه القرارات التي يولدها الذكاء الاصطناعي مع قيمنا ومبادئ العدالة.