توصل الباحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا سان دييغو إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع إدارة الألم. وفي دراسة جديدة، وجدوا اختلاف طرق تسكين الألم حيث يستخدم الرجال والنساء أنظمة بيولوجية مختلفة لتخفيف الألم من خلال التأمل. في حين يعتمد الرجال على مسكنات الألم الطبيعية في الجسم، وأشباه الأفيونيات المُنشأة داخلياً (الأفيونيات الذاتية) (endogenous opioids)، تعتمد النساء على طرق أخرى غير قائمة على المواد الأفيونية. ولهذا الاكتشاف آثار كبيرة على علاج الألم المزمن، خاصة في ظل أزمة المواد الأفيونية المستمرة.
محتويات المقال :
عبء آلام أسفل الظهر المزمنة
تعد آلام أسفل الظهر المزمنة (CLBP) واحدة من أكثر الحالات الطبية انتشارًا والتي تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وهو السبب الثاني الرئيسي للإعاقة في جميع أنحاء العالم ويشكل مشكلة صحية واقتصادية كبرى، حيث يعاني ما يقرب من 80٪ من البالغين من آلام الظهر في مرحلة ما من حياتهم. آلام أسفل الظهر المزمنة هي حالة معقدة تتميز بألم مستمر يستمر لأكثر من 12 أسبوعًا، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بحركة محدودة، وانخفاض الإنتاجية.
إن العبء الاقتصادي لهذه الحالة المزمنة مذهل، حيث تتجاوز التكاليف السنوية المقدرة 100 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها. علاوة على ذلك، غالبًا ما تتزامن مع حالات مزمنة أخرى، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم، مما يؤدي إلى تفاقم المعاناة. وعلى الرغم من انتشارها وتأثيرها، لا تزال آلام أسفل الظهر المزمنة غير مفهومة بشكل جيد، وغالبًا ما تكون خيارات العلاج غير فعالة أو مصحوبة بآثار جانبية كبيرة.
تقليديًا، كان يُنظر إلى آلام أسفل الظهر المزمنة على أنها حالة جسدية بحتة، حيث يركز العلاج على تخفيف الألم من خلال الأدوية أو الجراحة أو العلاج الطبيعي. ومع ذلك، تشير الأدلة المتزايدة إلى أنها حالة متعددة الأوجه، تتأثر بالعوامل النفسية والاجتماعية والبيئية. وقد دفع هذا الباحثين إلى استكشاف أساليب جديدة، مثل التأمل، لمعالجة هذه المشكلة الصحية المنتشرة.
تاريخ موجز للمواد الأفيونية
تم استخدام المواد الأفيونية لعدة قرون لعلاج الألم، ويرجع تاريخها إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان. كان أول استخدام مسجل للمواد الأفيونية حوالي 3000 قبل الميلاد، عندما استخدم السومريون الأفيون لعلاج الألم والأرق.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أصبحت المواد الأفيونية تستخدم على نطاق واسع في الطب الغربي، مع ظهور المورفين في القرن التاسع عشر. ويتم استخراج المورفين، الذي سمي على اسم إله الأحلام اليوناني مورفيوس، من نبات الخشخاش وأصبح مسكنًا للألم يستخدم على نطاق واسع. ومع ذلك، سرعان ما أصبحت خصائصه الإدمانية واضحة.
وفي القرن العشرين، تم تطوير المواد الأفيونية الاصطناعية مثل الفنتانيل، والتي كانت أقوى من المورفين. وقد تم تصميم هذه الأدوية لتكون أقوى وأطول أمدا من المواد الأفيونية الطبيعية، ولكنها تحمل أيضا خطرا أكبر للإدمان وتعاطي الجرعات الزائدة.
تفاصيل الدراسة
جمعت الدراسة بيانات من تجربتين سريريتين شملتا ما مجموعه 98 مشاركًا، بما في ذلك الأفراد الأصحاء وأولئك الذين تم تشخيصهم بآلام أسفل الظهر المزمنة. وخضع المشاركون لبرنامج تدريب على التأمل، ثم مارسوا التأمل أثناء تلقي إما دواء وهمي أو جرعة عالية من عقار النالوكسون، وهو عقار يوقف كل من المواد الأفيونية الاصطناعية والذاتية (يصنعها جسم الإنسان بنفسه) عن العمل.
وفي الوقت نفسه، تعرضوا لتحفيز حراري مؤلم للغاية ولكنه غير ضار في الجزء الخلفي من الساق. ثم قام الباحثون بقياس ومقارنة مقدار تخفيف الألم الذي تم تجربته من التأمل عندما تم حظر نظام أشباه الأفيونيات المنشأة داخلياً مقابل عندما كان يعمل.
نتائج صادمة
وجدت الدراسة أن منع نظام أشباه الأفيونيات المنشأة داخلياً، باستخدام عقار النالوكسون، أدى إلى تثبيط تخفيف الألم المعتمد على التأمل لدى الرجال، مما يشير إلى أن الرجال يعتمدون على أشباه الأفيونيات المنشأة داخلياً لتقليل الألم.
ولكن، زاد عقار النالوكسون من تخفيف الألم القائم على التأمل لدى النساء، مما يشير إلى أن النساء يعتمدن على آليات غير أفيونية لتقليل الألم.
كما وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من آلام مزمنة شعروا بتخفيف الألم من خلال التأمل، سواء بين الرجال أو النساء، مقارنة بالمشاركين الأصحاء.
اختلاف طرق تسكين الألم
تؤكد نتائج الدراسة على اختلاف طرق تسكين الألم والحاجة إلى علاجات أكثر تحديدًا للألم لكل جنس، لأن العديد من العلاجات التي نستخدمها لا تعمل بشكل جيد مع النساء كما هو الحال مع الرجال. واستنتج الباحثون أنه من خلال تصميم علاج للألم بما يتناسب مع جنس الفرد، قد يكون من الممكن تحسين نتائج المرضى وتقليل الاعتماد على المواد الأفيونية وإساءة استخدامها.
هناك اختلافات واضحة في كيفية التعامل مع الألم بين الرجال والنساء، ولكن العلماء لم يشهدوا أي اختلاف بيولوجي واضح في استخدام أنظمتهم الداخلية قبل هذه الدراسة. حيث تقدم هذه الدراسة أول دليل واضح على أن الاختلافات القائمة على الجنس في معالجة الألم حقيقية ويجب أخذها على محمل الجد عند تطوير ووصف علاج للألم.
المصادر
Men and women use different biological systems to reduce pain | eurekalert
Self-regulated analgesia in males but not females is mediated by endogenous opioids | PNAS nexus
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :