تدخل حيوانات مثل الدببة في حالة سبات أثناء فصل الشتاء للحفاظ على طاقتها، لكن الزبابة المألوفة (Eurasian common shrew) تتخذ نهجًا مختلفًا. حيث تقوم بتقليص الأعضاء، بما في ذلك دماغها، لتحمل الشتاء. هذه الظاهرة، المعروفة باسم ظاهرة دينيل (Dehnel’s phenomenon)، أبهرت العلماء لعقود من الزمن. والآن، كشف فريق من الباحثين الأسرار الجينية وراء هذا التكيف الرائع، وكشفوا عن روابط مثيرة للاهتمام بالظروف الصحية البشرية، بما في ذلك مرض الزهايمر.
لقد حددوا مجموعة من الجينات المشاركة في تنظيم توازن الطاقة وموت الخلايا التي تساهم في قدرة الزبابة الرائعة على تقليص دماغها والحفاظ على الطاقة. وقد نشرت الدراسة مؤخرا في المجلة العلمية “eLife”. أين حدث هذا ؟ تم إجراء البحث عبر مؤسسات في الولايات المتحدة وألمانيا والدنمارك.
محتويات المقال :
تقليص الأعضاء لتحمل الشتاء
تعتبر الزبابة المألوفة، التي يتراوح وزنها من 5 إلى 12 جرامًا فقط، بطلاً غير متوقع في مملكة الحيوان. إن حجمها الصغير ومتوسط عمرها المتوقع الذي لا يتجاوز العام الواحد يجعلها تبدو وكأنها هدف سهل للحيوانات المفترسة والظروف الجوية القاسية. ومع ذلك، فقد طورت استراتيجية غير عادية للبقاء على قيد الحياة في أشهر الشتاء القاسية.
بالنسبة للزبابة، كل يوم مهم. ومع حلول فصل الشتاء، تأتي ندرة الطعام، ويجب على الزبابة الاعتماد على احتياطياتها من الدهون المخزنة للاستمرار. ولكن حتى هذه الاحتياطيات محدودة، ويجب على الزبابة أن تجد طريقة للحفاظ على الطاقة دون اللجوء للبيات الشتوي.
وهنا يأتي دور ظاهرة دينيل، وهي تكيف رائع يسمح للزبابة بتقليص أعضائها، بما في ذلك دماغها، للحفاظ على الطاقة. يعد هذا الانخفاض في كتلة الجسم إجراءً جذريًا، حيث تفقد الزبابة ما يصل إلى 18% من وزنها مع انخفاض درجة الحرارة، وهو انخفاض صادم يشمل أكثر من ربع كتلة دماغها. وتعيد نمو أنسجتها المفقودة في الربيع التالي.
منطقة تحت المهاد
سعى الفريق إلى فهم أفضل لتطور ظاهرة ديهنيل من خلال مقارنة تعبيرات الجينات في منطقة تحت المهاد لدى الزبابة عبر فصول السنة والأنواع المختلفة.
ولأن منطقة تحت المهاد (hypothalamus) ضرورية لتنظيم عملية التمثيل الغذائي لدى الحيوانات، فإن التغيرات في نشاطها بسبب التحولات الموسمية تشكل مجالاً رئيسياً للبحث. ومن خلال تحليل البيانات الموجودة، اكتشف الباحثون مئات الجينات التي أظهرت نشاطاً متزايداً لدى الزبابة، كما كانت لها نظائر مماثلة موجودة في أدمغة العديد من الثدييات الأخرى، بما في ذلك أنواع أخرى من الزبابات، والقوارض، والرئيسيات.
تشارك هذه الجينات في تنظيم توازن الطاقة وموت الخلايا المبرمج، وهي العمليات التي يُعتقد أنها مرتبطة بالانخفاض الموسمي في حجم المخ.
ومن بين الجينات التي أظهرت تغيرات موسمية في النشاط، كانت هناك عدة جينات تشارك في إشارات الكالسيوم عند حاجز الدم في المخ. ويشير هذا إلى التكيفات التي تعزز الاتصال بين مجرى الدم وتحت المهاد، مما قد يعزز قدرة هذه المنطقة من المخ على الاستجابة السريعة للتحولات البيئية.
جينات بارزة مهمة
عند مقارنة تنظيم الجينات بين الخريف والربيع، كان تسلسل BCL2L1 ملحوظًا بشكل خاص. يُعتقد أن هذا التسلسل يشارك في التدمير المنظم للخلايا الفردية (الموت الخلوي المبرمج).
وبمقارنة الجينات المنظمة موسمياً في الزبابة بالجينات المقابلة لها في أنواع الثدييات الأخرى، حدد الباحثون خمسة جينات يعتقدون الآن أنها مفتاح تطور ظاهرة ديهنيل في الزبابة. ومن بين هذه الجينات جين مسؤول عن إعادة تدوير بروتينات الغشاء، وجين ينظم وظيفة المشابك العصبية (الوصلات بين الخلايا العصبية)، وجين يرتبط في البشر بالسمنة ومرض الزهايمر.
إطلاق العنان لإمكانات علاج أمراض التنكس العصبي
نظراً لقصر عمر الزبابة ومعدل الأيض المرتفع لديها، فإن التضحية بالخلايا العصبية من أجل الحفاظ على الطاقة من المرجح أن تكون مقايضة مفيدة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخسارة العصبية ستكون مدمرة للأنواع الأطول عمراً مثل البشر.
وبما أن الأبحاث الطبية الحالية تظهر بشكل متزايد وجود صلة قوية بين الخلل الأيضي والأمراض العصبية التنكسية، فإن المزيد من الدراسة لقدرة الزبابة على تقليص حجم دماغها عمداً يمكن أن توفر رؤى قيمة لتحسين تشخيص وعلاج التدهور المعرفي.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي نتائج الدراسة إلى تطور في فهم كيفية استجابة أدمغتنا للضغوطات البيئية، مثل درجات الحرارة القصوى أو ندرة المغذيات. ويمكن تسخير هذه المعرفة لتطوير علاجات أكثر فعالية لمجموعة من الحالات، بدءًا من ضحايا السكتات الدماغية وحتى أولئك الذين يعانون من الخرف.
المصادر
This Animal Can Shrink Its Brain, And We Finally Know How | science alert
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :