بالتأكيد سبق ورأيت منازل مصنوعةً من القش، أو الفلين، أو غيرها من المواد الغريبة في قصص الأطفال. لكنك ربما ستستغرب إذ قلنا لك أن هذه المنازل قد تكون مستدامةً، ومريحةً، وتمتلك خصائص حراريةً، وسمعيةً، وهيكليةً جيدةً. حيث تعتبر مواد بناء مستدامة ذات تأثير إيجابي على البيئة، فدعونا نتعرّف سويًا على أشهر مواد البناء المستدامة حول العالم.
محتويات المقال :
تطوّر شكل العمارة بشكل مستقلّ في كل قارّة من العالم. فمثلًا، تشير الأدلّة الأثرية أن أوّل مدينة حضرية في بلاد الرافدين استخدمت الطين لبناء مساكن متواضعة، من ثم استخدمت القرميد المشوي، وسرعان ما تطوّر أسلوب البناء في المنطقة. ومع استمرار نمو المدن وتقدّمها عانت أساليب البناء التقليدية، وانخفضت تدريجيًا بينما ازدهرت المواد الصناعية. لكن أثارت أزمة المناخ، والاحتباس الحراري اهتمامًا متجدّدًا بمواد البناء التقليدية والمستدامة بين المهندسين. إذ تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق الاستدامة البيئية العالمية.[1]
يعتبر اللبن من أقدم وأشهر مواد البناء المستدامة في العالم، كونه مادةً يسهل الحصول عليها. واعتبره المعماري حسن فتحي الحل لتحسين ظروف فقراء الريف في مصر إذ يتطلّب القليل من المعالجة الصناعية، أو النقل مما يسمح بتوفير الطاقة والموارد. كما يمكن تجفيفه تحت الشمس بدلًا من حرقه في أفران، من ثم نستطيع إعادة تدويره بسهولة. إضافةً إلى ذلك، يمتلك اللبن خصائص حراريةً ممتازةً في المناخات الجافة. أثّرت هياكل فتحي الطينية على العمارة حول العالم، وانتشرت مبادئه في جميع أنحاء أفريقيا، والشرق الأوسط، ونيومكسيكو، وفرنسا.[1]
يصنع القش من بقايا إنتاج الحبوب عادةً القمح، أو الأرز، أو الشعير، وبعد حصاد الجزء الصالح للأكل من الحبوب تلقى السيقان في النهاية، أو تحرق في أغلب الأحيان. لكن بدلًا من تبديدها يمكن ضغط السيقان، وتكديسها، واستخدامها كحشوات أو حتى جدران ذاتية الدعم في تقنية تعرف بأسلوب نبراسكا. والتي استخدمت على نطاق واسع في القرن ال19 في سهول ولاية نبراسكا الأميركية. [2]
من الشائع استخدام القش كمادة عزل إلى جانب المواد الإنشائية الأخرى عوضًا عن استخدامه بمفرده. ولأنه يتكوّن أساسًا من الهواء فهو يوفّر عزلًا حراريًا ممتازًا. ويقدّر أن بيتًا مصنوعًا من القش يوفّر نحو 75% من تكاليف التدفئة والتبريد. لكن يرافق البناء بالقش مشكلتين رئيسيتين وهما الرطوبة، والعفن. فإذا تعرّض القش للماء يمكن أن يمتصّه ويتمدّد حتى يسبّب شقوقًا في الجدار. نتيجةً لذلك يجب ألا يتّصل القش مباشرةً مع رطوبة الأرض، ولتجنُّب ذلك يجب رفعه عن الأرض 20 سم على الأقلّ.[2]
عندما تتهالك مباني القش وتحتاج إلى هدم تتحلل في التربة دون مشاكل كونها قابلةً للتحلّل بنسبة 100%. لكن من المهم توافرها محلّيًا، إذ تعتبر أكثر ملاءمةً للمناطق الريفية ولا سيما تلك القريبة من مزارع الحبوب.[2]
ينمو الخيزران بوفرة في الغابات الاستوائية المطيرة. واستعمل سابقًا في البيوت التقليدية لكنه أصبح بعد العصر الصناعي في تصوّر الأفراد مادة بناء عفا عليها الزمن. إلا أنه ظهر كمادة بناء مستدامة بعد قضايا الاحتباس الحراري، وازدادت شعبيته بين المعماريين لأنه متجدد وسريع النمو، فيمكن حصاده ما بين 3-4 سنوات. كذلك نستطيع الاستفادة منه بعدّة طرق مثل بناء الأرضيات، والجدران، والأسقف. ويعد مقاومًا للآفات، والرطوبة، وهو خفيف الوزن كما يمكن معالجته لزيادة قوته ومتانته.[3]
على خلاف الشائع، يمكن تقديم هياكل لم يسبق لها مثيل بواسطة الخيزران، مثل الحل الذي قدّمته شركة IBUKU. فبنت قوس في حرم المدرسة الخضراء في إندونيسيا صنع قفزةً في العمارة العضوية، وأصبح مرجعًا في الهياكل خفيفة الوزن.[4]
يعدّ القوس الأوّل من نوعه على الإطلاق، ويتكوّن من سلسلة أقواس من الخيزران المتقاطعة بطول 14م والتي تمتدّ على 19م. وتتداخل مع بعضها بواسطة قشرة شبكية مضادّة للتحلّل، والتي تستمد قوتها من الانحناء في اتّجاهين متعاكسين. يخلق القوس مساحةً كبيرةً مع الحدّ الأدنى من الهيكل، مما يشكّل صالة ألعاب استثنائيةً للمدرسة.[4]
يعد صوف الخراف مادةً طبيعيةً، ومستدامةً، ومتعددة الاستعمالات، ويمكن الاستفادة منه في مجال مواد البناء. إذ لا تُحدث الألياف الصوفية أي خطر على صحة الإنسان. وينمو الصوف باستمرار، ويلزم قصّه على الأقل مرّةً واحدةً في السنة.[5]
أجرى الخبراء دراسات على صوف الخراف لاستعماله كمادة عزل، وبيّنت النتائج أن العزل الحراري المصنوع من صوف الأغنام يوفّر خصائص مماثلةً للعزل المصنوع من المواد التقليدية، بل ويؤدي أداءً أفضل من بعض المواد. ويتميّز الصوف بقدرته على امتصاص الرطوبة دون خفض الأداء الحراري مما يجعله مادة عزل مثالية. ويقلّل كذلك مستوى الضوضاء، ولا يدعم الاحتراق إذ ينطفئ في حالة نشوب حريق. ويبدو أن استخدام صوف الخراف مع موارد متجدّدة أخرى هو أحسن حل بديل لخفض الاحتياجات الأوّلية من الطاقة لمبنى ما، بالتالي تلبية متطلّبات كفاءة الطاقة، والاستدامة.[5]
يعتبر نبات القنب سهلًا وسريع النمو، ويتطلّب كمّيةً أقل من المياه، والمبيدات الحشرية، والأسمدة مقارنةً مع محاصيل أخرى. يشاع استخدامه كمخدرات، لكنه قد يدخل في صناعات عديدة أخرى كالأدوية، ومنتجات التجميل العضوية، والملابس، وحتى الخرسانة .و«خرسانة القنب-Hempcrete» هي خرسانة ركام حيوي، تُخلط فيها قطع صغيرة من خشب نبات القنب مع الجير، أو الأسمنت الطيني، والماء للحصول على معجون سميك. والذي يتجمّد بدوره، ويخلق مادة بناء متينةً وصديقةً للبيئة.[6]
تتميّز خرسانة القنب بوزنها الخفيف، ويمكن صبّها إما في الموقع، أو تصنيعها مسبقًا في المعامل، وبمجرد صبها تحتاج معالجتها إلى كمّية مياه أقلّ بكثير من الأسمنت التقليدي. كما تمتلك خصائص عزل حراري فعّال، وتقاوم العفن والآفات.[6]
يحدث التباس لدى الناس بسبب ارتباط نبات القنب بالماريجوانا، والمخدرات، ويتساءل الكثيرون حول ما سيحدث في حال اشتعال خرسانة القنب. بخلاف ما قد تتخيلون، أظهرت الاختبارات سلوكًا ممتازًا للمادة ضدّ النار. على سبيل المثال؛ وُثّق اختبار في أستراليا لمحاكاة هجمات الجمر خلال حرائق الغابات -التي تحدث كثيرًا في المنطقة- ولم يلاحظ أي ضرر على جدران الخرسانة القنب والتي يبلغ سمكها 20 سم عندما تعرّضت للهب يبلغ ارتفاعه 60سم ويحترق مباشرةً أمام الجدار لمدة 60 دقيقةً. وتشير البيانات إلى إمكانية زيادة مقاومة الحريق إلى 90 أو 120 دقيقة عند إحداث تغييرات في المواصفات. بالرغم من ذلك، لا يزال القنب نباتًا موصومًا بالعار في العديد من المجتمعات، وتحيط به العديد من التحديات كالقوانين والرقابة مما يفرض قيودًا على زراعته ومعالجته.[7]
يطلق مقابل صناعة كل طن من الأسمنت أكثر، أو أقلّ من 8 أطنان من ثاني أكسيد الكربون نتيجةً لذلك يدرس الخبراء صناعة أسمنت بوسائل مستدامة. ويجري اليوم تطوير مادة تدعى «فيروك-Ferrock» كبديل للأسمنت، ويعد غبار الحديد العنصر الرئيسي لصناعة الفيروك. وهو نفايات مطحون الحديد التي تذهب عادةً إلى مكبّ النفايات من دون إعادة تدويرها، لأن عملية استعادة الحديد من المسحوق غير اقتصادية ومكلّفة إلى حدّ ما. ويتفاعل غبار الحديد مع ثاني أكسيد الكربون، والصدأ مما يخلق مصفوفة كربونات الحديد، والتي تجفّ لتصبح الفيروك. يستخدم أيضًا مواد مثل الميتاكوالين، والحجر الجيري، والرماد المتطاير مع غبار الحديد من أجل الربط المناسب.[8]
تظهر التجارب أن عيّنات الفيروك المعالجة هي سلبية الكربون، على عكس الأسمنت البورتلاندي الذي يعد مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء. كما أظهرت التجارب على خرسانة الفيروك نسبًا جيدةً لمقاومة الانضغاط، والشد، والثني عند مقارنتها مع الخرسانة التقليدية. ويمكن الاستفادة منها في تطبيقات مماثلة للخرسانة التقليدية، أي في المباني، والجسور. كما تعتبر مفيدةً جدًا في المواقع الصناعية الملوثة.[8]
«الفلين-Cork» هو لحاء شجرة البلوط الخارجي، ويتكون من طبقات من خلايا صغيرة غير منتظمة الشكل مغلّفة بالشمع. ينمو شجر البلوط بكثرة في البرتغال، وإسبانيا، ويبلغ طوله حوالي 18م. ونحصل على الفلين بإزالة اللحاء الخارجي للشجرة فهو لا يلعب دورًا مهمًا في بقاء الشجرة، بل يحميها فقط من الحر والرياح الجافة في فصل الصيف. من ثم يصنع اللحاء الداخلي نسيجًا جديدًا، فيتشكّل 2.5-5 سم من غمد جديد في فترة بين 3-10 سنوات. بسبب ذلك يعد الفلين مادةً مستدامةً. ويستمدّ الفلين تفرٌده بفضل تركيبة خلاياه المملوءة بالهواء، فكل خلية تعمل كحجرة مرنة مانعة للماء. وتشكّل الخلايا وسيطًا عازلًا فعّالًا للغازات والسوائل، إضافةً إلى عزلها للحرارة، والصوت، والاهتزازات. ويعد الفلين بين المواد الأخفّ وزنًا حيث لا يزيد ثقله عن خمس ثقل الماء.[9][10]
يستخدم الفلين في تطبيقات متعددة، لعل أشهرها سدادات زجاجات النبيذ والمشروبات الكحولية. لكنه يدخل في المجال الإنشائي كذلك مثل تغطية الأرضيات المصنوعة من خلال ربط جزيئات الفلين مع روابط مختلفة. ويدخل أيضًا في العزل الصوتي أو عزل الاهتزازات فيستعمل بكثرة في استديوهات التسجيل، وغرف الآلات. ويدرس الخبراء إدخال حبيبات الفلين في صناعة الأسمنت لبناء سقائف خفيفة الوزن، وبيّنت نتائج الدراسات قدرة الفلين على خفض الضجيج الناتج عن الارتطام. يدرس كذلك الخبراء استخدام جزيئات الفلين لزيادة الخواص الميكانيكية لمادة الإيبوكسي اللاصقة. والتي تعمل على منع انتشار الشقوق، ويمكن الاستفادة منها في عمليات الترميم غير الهيكلية.[10]
بالطبع لم ننته من ذكر أشهر مواد البناء المستدامة لكثرتها، فيوجد الخشب، والكتّان، والقصب، والقرميد، وغيرها الكثير أيضًا. وأنت أي المواد تفضّلها أكثر لبناء منزلك؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…