Ad

يرى كثيرون في أسطورة بروميثيوس قصة ملهمة عن التضحية في سبيل نقل المعرفة. حيث تحمل شديد العذاب في سبيل نقل المعرفة للبشر. وتحدى أكبر الآلهة رغم معرفته التامة بما سيترتب عليه ذلك في سبيل تلك الغاية النبيلة. لذلك دعنا عزيزي القاريء نستعرض في السطور القادمة تلك الأسطورة الممتعة.

من هو بروميثيوس؟

والداه

بروميثيوس تعني باليونانية ذو النظرة البعيدة. وسمي بذلك نظراً لحكمته وعلمه الواسع. هو ابن الإله إيابيتوس Iapetus والإلهة كلايمن Clymene وهو من الجبابرة. حيث أن أورانوس Uranus إله السماء ولدته غايا Gaya أم الألهة كلها. ومن أورانوس أنجبت جايا 12 إلهاً هم الجبابرة (التايتانز Titans). كانوا ست ذكور وستة إناث. تزوج كل ذكر من أنثى واحدة. ومن نسل إيابيتوس وكلايمين خرج بروميثيوس وإخوته. [1، 2]

حرب الجبابرة

مع الوقت تجبّر أورانوس وحبس بعض أبناء جايا. فحرّضت أبناءه الآخرين وعلى رأسهم كرونوس Cronus ليقوموا بالانتقام منه ويحكم كرونوس الألهة بدلاً منه. وبالفعل تمكن كرونوس من أن يخدع أبيه ويخصيه ومن ثم يقطع نسله و يحل محله ويصبح حاكماً لكل الجبابرة. لكنه لم يفِ بأي من وعوده لجايا. مما جعل جايا تطلق نبؤة بأن أحد ابنائه سيفعل به نفس فعلته بأبيه ويستولي على عرشه. فقام كرونوس بابتلاع كل أبنائه وحبسهم داخله حتى لا يتمكنوا من تحقيق النبؤة. [1، 2]

رسم ثلاثي الأبعا يصور كرونوس يبتلع أحد أبناءه.
رسم لكرونوس يبتلع أحد أبناءه. [3]

لكن حين طلب آخر أبنائه من زوجته كي يبتلعه أعطته قطعة قماش ملفوف بها حجر حتى تحمي ابنها الأخير ويظن كرونوس أنه أكله. هذا الطفل هو زيوس Zeus الذي كبٌر ليُكوِن تحالف من أعداء كورونوس بعد أن يخرجهم من بطنه. وتستمر الحرب لمدة عشر سنوات بين الجبابرة متمثلين في كرونوس وأعوانه ومنهم أخوه إيابيتوس وبين آلهة الأوليمب ممثلين في زيوس وأتباعه والذين أنضم لهم بروميثيوس وأخوه إيبيمثيوس في حين حارب باقي إخوتهم إلى جانب الجبابرة. [1، 2]

في النهاية انتصرت آلهة الأوليمب ونفى زيوس الجبابرة وأصبح هو كبير الآلهة. [1، 2]

تمثال لزيوس يرفع برقاً بين يديه.
انتصر زيوس على العمالقة وأصبح كبير الآلهة. [4]

بروميثيوس يخلق البشر ويهيم بهم عشقاً

كلّف زيوس كل من بروميثيوس وأخيه إيبيميثيوس بخلق الحياة على الأرض. فقام إيبيميثيوس (والذي يعني اسمه قصير النظر لتسرعه ورعونته) بخلق الحيوانات ومختلف كائنات الأرض غير العاقلة. وأعطاهم قدرات كالطيران والسباحة وخلافه. بينما كان أخوه لا يزال يعمل على مخلوقه. والذي هو الإنسان. وقد صممه من الطين ونفخت فيه الإلهة أثينا الحياة. حيث صمم الإنسان على شاكلة الألهة ومنحه النار حتى يستعين بها في إعمار الأرض. كما علمه كيف يستخدم الحديد والأدوات المختلفة في حماية نفسه من الحيوانات المفترسة وفي بناء الحضارة. خصوصاً وأن جميع الخصائص الأخرى كان إيبيمثيوس منحها للكائنات الأخرى. مما جعل بروميثيوس يشفق على الإنسان وضعفه أمام الكائنات الأخرى فمنحه النار والمعرفة كما ذكرنا.
جدير بالذكر أن هناك روايات مختلفة لأسطورة خلق البشر لدى اليونانيين. [5، 6]

رسم لبروميثيوس يشكل إنسانا ً من طين وتنفخ فيه الإلهة أثينا الحياة.
بروميثيوس يخلق الإنسان من الطين وأثين تبث فيه الحياة. [7]

بروميثيوس يخدع زيوس خدعة القربان

بمرور الوقت أُعجبت الألهة بالإنسان كونه مختلف عن باقي الكائنات وأكثر ذكاءاً منها. وطلب زيوس من بروميثيوس أن يحدد كيف سيقدم البشر قرابين للآلهة. و بسبب حب بروميثيوس للبشر ورغبته ألا يقدموا غالٍ للآلهة قام بخدعة القربان. فقد أحضر ثوراً وقتله وقسم مكوناته إلى نصفين: نصفبه اللحم مختبيء أسفل أمعاء الثور، ونصف به العظام مخبأة أسفل شحم الثور. ومن ثم عرض على زيوس أن يقرر القربان الذي يرغب في أن يقدمه البشر للآلهة. فاختار زيوس النصف الذي يعلوه الشحم ظناً منه بأنه الأثمن. لكن فوجيء زيوس بالخدعة واشتاط غضباً. وكرد فعل على ذلك حرم البشر من النار حتى يأكلوا اللحم نيئاً. لذلك السبب كانت قرابين اليونانيين للآلهة عبارة عن عظام وشحم الأضحية كما قرر زيوس بنفسه. [5، 6]

صورة لعظام أضحية.
خدع بروميثيوس زيوس تى يصبح قربان الآلهة هو العظم من أجل أن يحظى البشر بالأثمن وهو اللحم. [8]

بروميثيوس يسرق النار

أحزن هذا بروميثيوس كثيراً. لكنه لم يقبل بحكم زيوس وقرر أن يقف إلى جانب مخلوقاته الضعيفة ضد كبير الآلهة. من ثم تسلق جبل الأوليمب وسرق شعلة من النار ونزل بها للبشر. (بعض الروايات للأسطورة لا تتحدث عن أن البشر امتلكو النار مرتين وإنما تكتفي بأنه أحضر لهم النار دون الحديث عن خدعة القربان). [5، 6]

رسم كرتوني لبروميثيوس يعيد النار للبشر وهم يهرولون تجاهه بلهفة.
بروميثيوس يحضر النار للبشر مرة أخرى. [9]

زيوس يعاقب بروميثيوس

علِم زيوس بفعلة بروميثيوس وتحديه له مرة ثانية. فحكم عليه بعقاب أبدي شديد القسوة. بأن يُسلسل إلى جبل، ثم يزوره كل يوم نسر يأكل كبده. وفي المساء يعود كبده للنمو حتى يكتمل كما كان نهاراً. وعندها يزوره النسر مرة أخرى ليأكل الكبد مرة أخرى. ويستمر ذلك للأبد عقاباً له على أفعاله. [5، 6]

بروميثيوس في رسم على اليمين مقيد والنسر يرقد فوق بطنه وعلى اليسار يأكل في كبده وبروميثيوس يصرخ من الألم.
حكم زيوس على بروميثيوس بعقوبة أبدية جزاءاً على عصيانه وخداعه له. [10، 11]

هيركليز ينقذ بروميثيوس

بعد فترة طويلة من العذاب التقى هرقل (هركليز Heracles ابن زيوس) وهو في مهمته الحادية عشرة ببروميثيوس ووجده يُعذب. فقام بقتل النسر وفك قيوده. وبالمقابل ساعده بروميثيوس بحكمته البالغة بنصيحته بكيفية إتمام المهمة الحادية عشرة. ويقال أن زيوس سمح بذلك حتى يرفع شأن هرقل. وفي رواية أخرى سمح زيوس بذلك مقابل أن يخبره بروميثيوس بسر يعلمه بنظرته المستقبلية عن زيوس. حيث علم بروميثيوس من هو الابن الذي إذا جاء به زيوس سيحل محل أبيه ويُفقده مكانته ككبير الآلهة. فقد أخبر زيوس أنه إذا أنجب من الإلهة ثيتيس Thetis -والتي كان مفتوناً بها- سيحل ذلك الابن محله لذلك ابتعد عنها زيوس وتركها ليتزوجها كائن فانٍ لتفنى ذريتها ولا تنافسه. [12، 13]

بروميثيوس يكلم هرقل والنسر مقتولاً بجانب بروميثيوس بسهم رماه هرقل به.
أوقف هرقل معاناة بروميثيوس الأبدية. [14]

قصة ديوكاليون Deucalion ابن بروميثيوس والفيضان

وفقاً للميثولوجيا الإغريقية فقد أدى انتشار الفساد في الأرض بين البشر إلى غضب زيوس. ومن ثم قضى بأن يغرق فيضان الأرض حتى يطهرها من الدنس ويقضي على كل البشر. فنصح بروميثيوس ابنه ديوكاليون بأن يصنح مركباً يحمله وزوجته بيرها Pyrrha فينجوان به من الفيضان. وبالفعل نجا ديوكاليون وزوجته من الفيضان وأسسا الميلاد الثان للبشرية على الأرض. حيث أن سفينتهما قد رست على جبل. وهناك بكيا بكاءاً شديداً وتضرعا للآلهة من أجل خلق بشر على الأرض. فكانت التوصية بأن يغمضا عينيهما ويلقيا وراء ظهورهما عظام أمهما (المقصود هي جايا وعظامها هي الأحجار وذلك وفق بعض التفسيرات) ومن هذه الأحجار نتج البشر. حيث نتجت النساء عن أحجار بيرها ونتج الرجال من أحجار ديوكاليون. [15]

وفي النهاية أخبرنا أنت عزيزي القاريء في التعليقات كيف وجدت بروميثيوس؟ ومن تظنه من الشخصيات التاريخية يمكن أن نصفه بأنه مثل بروميثيوس؟

المصادر:

  1. Titan | Names & Myth | Britannica
  2. Cronus | Myth, Children, & Facts | Britannica
  3. Georg Steinwender – Cronus/Saturn Devouring His Son (artstation.com)
  4. File:Jupiter Smyrna Louvre Ma13.jpg – Wikimedia Commons
  5. Creation of Man by Prometheus (greekmythology.com)
  6. Prometheus – World History Encyclopedia
  7. My French Easel: The Golden Age of Danish Painting (1801-1864) Exhibition – Part I
  8. Bare Bones: Zooarchaeology and Greek Sacrifice* (Chapter 1) – Animal Sacrifice in the Ancient Greek World (cambridge.org)
  9. Prometheus – steals fire for Man Royalty Free Vector Clip Art illustration -vc051536-CoolCLIPS.com
  10. File:Griepenkerl, Prometheus Bound.jpg – Wikimedia Commons
  11. File:La tortura de Prometeo, por Salvator Rosa.jpg – Wikimedia Commons
  12. Prometheus – Mythology Unbound: An Online Textbook for Classical Mythology (rebus.community)
  13. Prometheus Freed by Heracles (miscellanies.org)
  14. File:Prometheus and Hercules.jpg – Wikimedia Commons
  15. Deucalion Myth – The great Flood from Greece | Ancient Origins (ancient-origins.net)

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Gamal Ashraf
Author: Gamal Ashraf

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ فلسفة

User Avatar

Gamal Ashraf


عدد مقالات الكاتب : 12
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *