المقاومة العنيدة للكاهنة ديهيا، الملكة الأمازيغية المحاربة

في القرن السابع الميلادي، ظهرت شخصية قوية وغامضة لتحدي الغزو العربي لشمال إفريقيا. كان اسمها الكاهنة ديهيا، ملكة أمازيغية محاربة حشدت شعبها ضد الغزاة وتركت بصمة لا تمحى في التاريخ. تعالوا لنتابع قصتها في المقال التالي.

نشأة ملكة الأمازيغ

في الصحاري الحارقة في شمال أفريقيا في القرن السابع، ظهرت ملكة محاربة أسطورية لتحدي الغزو العربي. الكاهنة ديهيا، زعيمة أمازيغية، وصلت إلى السلطة بروح لا تنضب، عازمة على حماية شعبها وأسلوب حياتهم. حيث كان اسمها، الذي يعني “المرأة الجميلة” أو “القوية” مما يعكس صفاتها الشخصية، كقائدة شجاعة وملهمة.

عندما وصلت الجيوش العربية بقيادة حسن بن النعمان إلى شمال أفريقيا، علمت كهينة أن شعبها في خطر شديد. فحشدت القبائل البربرية، مستخدمة جاذبيتها وبراعتها الاستراتيجية لتشكيل جبهة موحدة ضد الغزاة. وكانت انتصاراتها المبكرة مثيرة للإعجاب، مما دفع العرب إلى التراجع وأكسبها احترام أعدائها.

شجاعة ديهيا في الحروب

ازدهرت مملكة نوميديا ​​البربرية القديمة، التي أسسها الملك ماسينيسا، لعدة قرون، وكان شعبها فخوراً باستقلاله وتراثه الثقافي الغني. ولكن مع اجتياح الجيوش العربية شمال أفريقيا، وجد البربر أنفسهم يواجهون تهديدًا وجوديًا. وفي ظل هذه الخلفية ظهرت ديهيا، التي لا تتوقف عند أي شيء للدفاع عن شعبها.

بشعرها المصفف على شكل ضفائر، وهو رمز للهوية الثقافية لشعبها، انطلقت ديهيا إلى المعركة، وسيفها في يدها، مستعدة لمواجهة العدو. ونمت أسطورتها مع كل انتصار، حيث استخدمت تكتيكات واستراتيجيات مبتكرة للتغلب على القوات العربية. لقد نظر إليها شعبها كبطلة، وحامية لن تتوقف عند أي شيء لضمان حريتهم وأسلوب حياتهم.

كشف أسرار ماضي ديهيا

يكتنف الغموض حياة الكاهنة ديهيا، حيث يقدم المؤرخون والأساطير العربية الروايات الوحيدة عن سنواتها الأولى. وبحسب هذه المصادر، كانت ديهيا ساحرة يهودية تنحدر من مجتمع بيتا إسرائيل من اليهود الإثيوبيين. وكانت عضوًا ملكيًا في قبيلة جراوة ضمن قبيلة زناتة في موريتانيا، وأصبحت فيما بعد ملكة وتحكم دولة مستقلة في منطقة جبال الأوراس في شمال شرق الجزائر حاليًا.

تزعم بعض المصادر أن ديهيا كانت مسيحية، تستمد قوتها من أيقونة مسيحية. في الوقت نفسه، قيل إنها مارست ديانة نوميديا ​​الأصلية، والتي تضمنت عبادة الشمس والقمر وتبجيل الأسلاف. حيث يعتقد هذا النظام العقائدي القديم أن الآلهة أو أرواح الموتى يمكنها التواصل مع أفراد معينين من القبيلة الذين يمتلكون النبوة.

باعتبارها عرافة، قيل إن ديهيا تمتلك قوى خارقة للطبيعة مكنتها من التنبؤ بالمستقبل. فكان لقبها “الكاهنة” هو لقب عربي يعني “النبي” أو “الرائية” أو “الساحرة”. وسواء كانت هذه الادعاءات مبنية على حقائق أو مبالغة، فقد أشارت الأساطير إلى أن ديهيا يمكنها التواصل مع الطيور، مما حذرها من تقدم الجيوش. ربما نشأت هذه القصة لشرح مواهبها النبوية المزعومة.

المقاومة الشرسة ضد الغزو العربي

تم اختبار براعة الكاهنة العسكرية وتفكيرها الاستراتيجي عندما قادت شعبها ضد القوات العربية. ولم يكن جيشها، الذي يتكون بشكل رئيسي من المحاربين البربر، يضاهي القوات العربية المجهزة والمدربة جيدًا. ومع ذلك، فإن تصميم ديهيا الذي لا ينضب وسعة الحيلة مكنتها من تحقيق العديد من الانتصارات.

ومع امتلاكها موهبة النبوة، التي يعتقد أنها منحتها مزية توقع تحركات القوات العربية والتخطيط لهجماتها. فقد استغلت معرفتها بالتضاريس، واستخدمت المناظر الطبيعية الصحراوية لصالحها. من خلال استخدام تكتيكات حرب العصابات، مثل الكمائن وهجمات الكر والفر، تمكن جيش كاهينا من إنهاك القوات العربية.

ومن أبرز المعارك التي خاضتها ديهيا كانت ضد القائد العربي حسن بن النعمان، التي شنت هجومًا مفاجئًا على جيشه، مما أجبره على التراجع. وأعطى هذا النصر لشعب ديهيا راحة مؤقتة من الغزو العربي. لكن القوى العربية لم تستسلم بسهولة. أعادوا تجميع صفوفهم وشنوا هجومًا مضادًا، قوبلت من ديهيا بمقاومة شرسة. وفي خطوة جريئة، أمرت ديهيا جيشها بإشعال النار في مدنهم ومحاصيلهم، مما حرم القوات العربية من الموارد والإمدادات. وكانت سياسة الأرض المحروقة هذه، رغم وحشيتها، محاولة يائسة لمنع القوات العربية من الاستيلاء على أراضيها.

رمز للوحدة والإلهام

مع استمرار أسطورة ديهيا في إلهام الأجيال، تمت إعادة كتابة قصتها وإعادة تفسيرها بمرور الوقت لتعزيز قضايا متنوعة. حيث تحولت رواية ديهيا للتعبير عن رؤى مختلف المجموعات الاجتماعية والسياسية. واستحوذت ثقافات متعددة على إرثها، حيث صاغت كل منها قصتها لتناسب أجنداتها الخاصة. وقد ساهم هذا التنوع في وجهات النظر بدوره في النسيج الغني لأسطورة ديهيا.

وفي العصر الحديث، تم الاحتفاء بقصة ديهيا كرمز للوحدة والتنوع. ويمثل التمثال الذي أقيم في بارك دي بيرسي بباريس عام 2001، في إطار معرض “أطفال العالم”، الجزائر ويشيد بمقاومة الملكة المحاربة التي لا تتزعزع. وبالمثل، تم رفع تمثال في الجزائر عام 2003، تكريماً لذكرى ديهيا وتضحيتها من أجل قضية الحرية.

لقد تجاوزت أسطورة ديهيا الحدود والثقافات، وألهمت الناس في جميع أنحاء العالم. وأصبحت مقاومتها التي لا تنضب وكفاحها من أجل الحرية منارة أمل لأولئك الذين يسعون إلى تأكيد هويتهم وحقوقهم. باعتبارها رمزًا للوحدة والتنوع، لا تزال قصة ديهيا يتردد صداها، لتذكرنا بقوة الشجاعة والمرونة والتصميم في مواجهة الشدائد.

وفاة ديهيا واستسلامها

لم تدم نجاحات الكاهنة ديهيا طويلاً. عندما أعادت القوات العربية تجميع صفوفها وشنت هجومًا مضادًا، حيث بدأ شعب ديهيا يشكك في قيادتها. وفقاً لذلك انشق البعض وانضموا إلى العرب، بينما تأثر آخرون بوعود الثروة والسلطة. وعلى الرغم من هذه الخيانات، رفضت ديهيا الاستسلام، واستخدمت مختلف التكتيكات لمضايقة الجيوش العربية وإحباطها.

وكانت معركتها الأخيرة بمثابة شهادة على روحها التي لا تنضب. فقاتلت ديهيا، التي فاق عددها وأسلحتها، ببسالة، لكنها هُزمت في النهاية. وتقول الأسطورة إنها ماتت في القتال، وأخذ العرب المنتصرون رأسها كتذكار. ومع ذلك، فقد استمر إرث ديهيا من بعد موتها. لأبناؤها، الذين أسرهم العرب، كمسلمين وأصبحوا قادة بارزين في المنطقة. وعلى الرغم من الهزيمة، استمر الشعب البربري لفترة في مقاومة الهيمنة العربية، مستلهمًا مثال ديهيا في الشجاعة والتحدي.

المصدر

https://www.worldhistory.org/Kahina/