كانت المدرسة التعبيرية من أكثر تيارات الفن إثارة للجدل وواحدة من أهم التيارات الرئيسية للفن الحديث في القرنين الـ19 والـ20 لعدة أساب؛ فقد نشأت في جو كان يسوده الظلم والقهر، وكان ذلك في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى خصائصها في التعبير عن الشخصية والذات العميقة.
فهو الأسلوب الفني الذي لم يسع فيه الفنان إلى تصوير الواقع، بل صوّر العواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. ويعتبر هو الهدف الذي يحققه الفنان من خلال التشويه والمبالغة والبدائية والخيال، والتطبيق العنيف والديناميكي للعناصر.
محتويات المقال :
على الرغم من أن مصطلح التعبيرية يمكن إطلاقه على الأعمال الفنية من أي عصر، إلا أنه مرتبط بشكل محدد بالفن الألماني الذي ظهر في القرن العشرين. وقد ظهرت التعبيرية كرد فعل على الانطباعية والفن الأكاديمي. وظهرت بشكلٍ أساسي من فن فان جوخ ضامة العديد من الفنانين: إدوارد مونش وجيمس إنسور وهودلر وهنري ماتيس – رائد المدرسة الوحشية- وإيجون شيلي وماكس بيكمان وبابلو بيكاسو وبول كليي وغيرهم.
وقد طور كل منهم أسلوبًا شخصيًا للغاية مستغلين التعبيرات التي تنتجها الألوان والخطوط لعرض الموضوعات الدرامية المليئة بالعاطفة، أو لنقل تعبيرات الخوف والرعب والبشاعة، أو ببساطة لعرض قوة الهلوسات والحالات الذهنية وما تفعله الطبيعة بالشخصية والذات الداخلية.
وكان هؤلاء الرسامين في ثورة ضد ما اعتبروه الطبيعة الطبيعية السطحية للانطباعية الأكاديمية. فقد شعروا أن الفن الألماني يفتقر إلى الروحية، وسعوا للقيام بذلك من خلال تعبير عصري وبدائي وعفوي وشخصي للغاية.
تم استوحاء المدرسة التعبيرية من التيارات الحديثة السابقة، وسرعان ما طور التعبيريون أسلوبًا ملحوظًا لقسوته وجرأته وكثافته البصرية؛ فاستخدموا خطوطًا خشنة ومشوهة بفرشاة سريعة وخشنة وتضارب الألوان لتصوير مشاهد موضوعات عصرية مختلفة في تركيبات مزدحمة تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة.
وقد عبرت العديد من أعمالهم عن الاستجابة للقبح والابتذال الفاحش، والتناقضات التي يواجهونها في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى الإحباط والقلق والاشمئزاز والسخط والعنف، خصوصًا أن تلك الحركة نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية. وقد طور الفنانون التعبيريون نمطًا قويًا من النقد الاجتماعي بأعمالهم الحيوية والألوان الجريئة.
استمرت المدرسة التعبيرية وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، وقد نبع منها في وقت لاحق العديد من الفنانين والتيارات الفرعية مثل: التعبيرية التجريدية والتعبيرية الجديدة ومدرسة لندن.
شنت النازية سلسلة من الحملات الشنيعة ضد الفن التعبيري أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تدمير وحرق الأعمال الفنية وطرد الفنانين من التدريس ومنعهم من ممارسة الفن حتى في بيوتهم بالإضافة إلى النفي. ويعد أشهر ما حدث هو التشهير بالفن التعبيري على الملأ بطريقة لم يتوقعها أحد!
فقد عُقد في ميونيخ عام 1937 معرضين على بعد بضع مئات الأمتار من بعضهما فقط، كان أحدهما (المعرض الكبير للفن الألماني) الذي قام بعرض أمثلة رائدة للفن الحديث. وكان الآخر معرض (الفن المنحط)الذي قدم جولة عبر الفن الذي رفضه النازيون لأسباب أيديولوجية.
وقد كانت المرئيات مهمة للنازيين، وكان هتلر نفسه رسامًا، لذلك لم يكن من الغريب أن تكرس النازية موارد كبيرة للترويج لأفكارهم من خلال الفن، والتي ظهرت بوضوح في معرض الفن الألماني الذي أقاموه. فقد أظهر ذلك المعرض أعمالًا بالسمات الكلاسيكية، ومنحوتات كبيرة ذات أجسام عضلية مثالية، ولوحات للجنود والأبطال، والتي كانت تدعوا للتفاؤل والشباب والبهجة.
أما معرض (الفن المنحل)، فقد عرضت فيه الأعمال التعبيرية وبعض من التجريدية. والتي كانت أعماله تخاطب الذات والغرائز وتعبر عن القبح والفساد الداخلي والخارجي، بل وتقوم بانتقاد المجتمع بجرأة.
ورغم أن الكثير من تلك الأعمال الفنية مفضلة للكثير من النازيين قبل أن توضع في ذلك المعرض، فقد تلاعب معرض (الفن المنحل) بالزائرين ليكرهوه ويسخروا منه من خلال محو معانيه الأصلية، بل وتم تعزيز قيمة الصدمة من خلال عدم السماح لمن دون سن الـ18 بالدخول. وقد تمت إهانة الأعمال الفنية به عن طريق إخراج العديد منها من إطاراتها ووضعها بشكلٍ عشوائي على جدران كتب عليها شعارات غاضبة.
فبدلا من أن تُرى تلك الأعمال باحترام، خدع القائمين على ذلك المعرض الزوار وأصبحوا يرون الأعمال كقمامة خطيرة وشنيعة، وفقدت مكانتها كأعمال فنية عظيمة. وقبل أن يقام ذلك المعرض، عرضت تلك الأعمال الفنية في أعظم المتاحف في البلاد.
وقد استمرت العشوائية النازية بعد إغلاق هذه المعارض، حتى أن الفنان إيميل نولده تم منعه من الرسم في بيته، فقد كان يتلقى زيارات دائمة من الشرطة السرية والتي كانت تأتي لتلمس فرشه للتأكد من أنها لم تستخدم! لكن احتال نولده عليهم أحيانًا حين رسم بالألوان المائية، والتي كانت تجف فرشها بشكل أسرع من الألوان الزيتية.
أما الفنان كريشنر، فقد انضم انضم إلى الجيش الألماني لكنه عانى في النهاية من انهيار عصبي. وعلى الرغم من اعتلال الصحة ومحاولاته للتعافي، استمر في إنتاج الأعمال الفنية بشراهة. كن ضم النازيون أعماله في معرض (الفن المنحل)، وتمت إقالته من أكاديمية برلين للفنون. وفي عام 1937، تم مصادرة أكثر من 600 من أعماله وتدميرها أو بيعها، وبعدها بعام واحد فقط أدت المعاناة النفسية التي سببتها له السلطات النازية وتشتت أعماله وتدميرها، والاحتلال النازي للنمسا بالقرب من منزله إلى انتحاره في نهاية المطاف.
المصادر:
Britannica
The Art Story
Khan Academy
NGA gov
توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…
مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…
من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…
مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…
في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…
من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…